د. محمد بن موسى الشريف
هو مجاهد من المجاهدين العظام في زمن اشتدت فيه حاجتنا إلى المجاهدين العظماء، تعرض للشهادة في مواطنها، وأبى إلا أن يغترف من كأسها الطاهر المطهر؛ لكنه مات على فراشه بعد ملحمة طويلة، ومعارك جليلة أذاق فيها الروس القياصرة الذل والهوان، وهزمهم مراراً، هذا وروسيا آنذاك من القوى العالمية في الطبقة الأولى، وكانت في أوج عنفوانها وغطرستها، قد هزمت «نابليون» وتقدمت حتى دخلت باريس سنة 1816م .
الإمام «شامل الكمراوي الداغستاني»، ولد في قرية بداغستان سنة 1212هـ/ 1797م، ونشأ فيها نشأة الأبطال الفرسان على أنه درس بعض العلوم على مشايخ من بلاده.
و«داغستان» جزء من منطقة القوقاز الشمالي الذي يضم معها الشيشان، والأنجوش، وأوسيتيا، وهذه المنطقة مواجهة تماماً لروسيا، وهناك القوقاز الأوسط الذي هو «جمهورية جورجيا» الآن وكانت تعرف عند المسلمين بـ«الكرج»، وهناك القوقاز الجنوبي الذي فيه «أذربيجان»، و«أرمينيا».
و«القوقاز» غزاه المسلمون الأوائل وثبتوا في جنوبه وفي مناطق في شمال غربه، لكن لوعورة المنطقة ولكثرة طوائف وأديان ومذاهب أهلها لم يستطع المسلمون أن يتحركوا شمالاً، وغاية ما فعلوه أن «سراقة بن عمرو» الذي كان في زمن الخليفة الأموي «مروان بن محمد» آخر خلفاء بني أمية استطاع دخول تفليس (تبليس، عاصمة جورجيا اليوم).
ثم إن التتار ورأسهم «تيمورلنك» في مرحلة تحولهم إلى الإسلام نشروا الإسلام في أجزاء من الشيشان، والداغستان، وأنجوش.
جبال وعرة
وقد أرسلت الدولة العثمانية في مرحلة متأخرة نسبياً دعاة إلى الشيشان وأقنعوا جماعات من الشيشانيين بالتحول إلى الإسلام بعد أن كانوا وثنيين وكان هذا من قرابة ثلاثة قرون من الآن، وكان ذاك عملاً رائعاً في منطقة وعرة ضخمة بها أشجار بلوط ضخمة يبلغ ارتفاع بعضها مائتين وثمانين قدماً، ومحيطها خمساً وثلاثين قدماً!! والمنطقة مليئة بهذه الأشجار، وبها جبال وعرة؛ مما يصعب أي عمل عسكري فيها، وهذا من فضل الله على أولئك الدعاة.
ومنذ أن دخل الشيشانيون إلى الإسلام عمدوا إلى الدفاع عن الإسلام ورفع لوائه إلى يوم الناس هذا، ولم تفلح معهم كل محاولات التغريب والتنصير، وهناك شعوب دخلت قبلهم في الإسلام لكنها أجبرت على التحول إلى النصرانية، عندما اجتاحها الروس القياصرة مثل شعب الكرج (جورجيا) التي دخلها الإسلام منذ عصر التابعين لكن الشيشانيين ثبتوا ولله الحمد.
بداية الجهاد
كان لشامل صاحب يكبره بخمس سنوات يسمى «غازي محمد ملا»، وكان رفيق دربه، فكانا يدرسان معاً على المشايخ، ويدوران على المساجد، وابتدآ الجهاد معاً، وكان لبدء الجهاد سبب مؤثر وهو أن غازي ملا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثلاث مرات وهو يدعوه للجهاد ضد الروس.
والروس آنذاك هم الذين ابتدأوا بالاعتداء، حيث كانت القيصرة «كاترين» تملكهم فأرسلت الجيوش إلى تلك المناطق، وتتابع القياصرة من بعدها على إرسال الجيوش.