وطنية المونديال!

وطنية المونديال!

منذ أزيد من أسبوعين ووسائل الإعلام الجزائرية بمختلف توجهاتها شرعت في التسخين لمباراة الإياب لحساب الدور الفاصل المؤهل لكأس العالم 2014، بل وتعدى الأمر حتى شاهدنا تصريحات وإعلانات وإشهارات يَحسب المشاهد أننا تأهلنا بالفعل للمونديال... وفي خضم هذا الجنون الذي ألفناه قبل كل مباراة قلتُ في نفسي: "لو قدر الله ولم نتأهل..." ثم كبحت خيالي خوفا من أن يقذف بي في ما يخشاه كل جزائري.

موقعة البليدة هي مباراة كرة قدم حمّلتها وسائل الإعلام ما لا تطيق، موقعة البليدة تلعب في 90 دقيقة، لكن البعض لعبها قبل المباراة بآلاف الدقائق وسيلعبونها بعد المباراة بآلاف مؤلفة، لو تأملتم معي لأدركتم أننا نبالغ في تقدير الأمور، زيارة رئيس الحكومة شخصيا لمعسكر الخضر، الحوافز المالية الضخمة المقدمة للاعبين، رسائل رئيس الجمهورية إلى الطاقم المسير للمنتخب، فضلا عن آمال ملايين الجزائريين الذين يتنفسون كرة القدم، كل هذا و أكثر على عاتق 11 لاعبا في مدة 90 دقيقة بين عشرات الآف من المشجعين ومن ورائهم مئات الملايين عبر العالم، هل عرفتم لماذا يجب أن نقول: "يحسن عون اللاعبين".

لنتكلم الآن عن ساعة الحسم، الساعة تشير إلى السابعة و ربع، خرجتُ من المنزل متوجها نحو صديق، فإذا بالشوارع فارغة تماما، غير أنني كنت أستمع للمباراة بوضوح، ذاك أن جميع المنازل مضبوطة على قِبلة واحدة، قناة واحدة لم ينقطع صوتها عن أذني حتى بلغت مرامي، المباراة الموعودة بدأت وبدأ معها ارتفاع الضغط ونسبة السكر في الدم، كانت المباراة حذرة في شوطها الأول وأكثر متعة مع بداية شوطها الثاني، يا سلام.. الخضر يسجلون الهدف الأول، هدف ليس جميل - كما قال حفيظ دراجي - ولكنه يبقى هدفا والمهم أنه هدف، ولكن بعد هذا الهدف ومع اقتراب نهاية المباراة بدأ الضغط يزداد، وفي لحظة ما ضربت الكرة في قائم المرمى وبلغت القلوب الحناجر، الجميع سكت والمؤكد أن البعض فضل عدم متابعة اللحظات الأخيرة... صفر الحكم، لا لم يصفر، نعم صفر لقد صفر، الخضر يتأهلون إلى المونديال...

الأجواء لا توصف، رجال، نساء، أطفال، سيارات، دراجات، أعلام وطنية، فرحة عارمة، الكل خرج للشارع ليفرح، حتى أن بعضهم نسي نفسه، خرج حافيا، بلباس لا يقي من برودة الطقس، و بعضهن خرجن بدون حجاب... ليلة ليست ككل ليلة، وصيحات "One two three viva l'Algérie" تدوي في سماء مدينة أولف، بل في الجزائر قاطبة.

أعتقد أننا نحاكي يوم 05 جويلية 1962 الذي لم نعشه نحن، وربما لم يعشه الكثير من آبائنا، حيث لو كانت الوطنية تقاس بجهاز، لانفجر هذا الجهاز ليلة الأمس، كيف لا وقد تزينت المدينة قبل أيام بأعلام كبيرة وضعت في الشوارع الكبرى، ضف إليها تلك الرايات على السيارات والدراجات النارية، أيضا على أسطح المنازل، حتى أنني رأيتُ الكثير من الأطفال وهم يجوبون المتاجر الواحد تلو الآخر يسألون عن العلم الوطني الذي أصبح أعز مفقود.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن بحاجة إلى هدف عنتر يحي أو مجيد بوقرة حتى نعطي هذه الصورة الرائعة لحب الوطن؟ أو بعبارة أخرى: لو مالت الكرة التي ارتطمت بالقائم قليلا ودخلت شباكنا وانتهت المباراة بالتعادل، وفقدنا بطاقة التأهل للمونديال، هل سنرى ما عشناه البارحة، وهل ستتواصل هذه الأغاني الحماسية التي لاتزال تبثها وسائل الإعلام إلى هذه اللحظة، وهل سنرى بقاء الرايات الوطنية في منازلنا وشوارعنا وعلى سياراتنا؟ الإجابة نعرفها جميعا، وتلك المشكلة، وطنيتنا لا تظهر سوى مع مباريات كرة القدم، وفي حالة الفوز فقط، ثم تختفي بعدها ليعود المواطن لسب الجزائر وما ولدت، و يعود التلميذ للاستهزاء بالنشيد الوطني في المدارس، و يعود اليائسون إلى الهجرة السرية نحو المجهول، و يعود البعض إلى الاحتجاج بالتخريب والتكسير، و يعود أصحاب المال و النفوذ إلى مص خيرات الأمة ويعود الفاسدون إلى الفساد... لتبقى وطنيتنا محصورة في جلد منفوخ ينط هنا وهناك.

اشكرك اخي عبد الحميد على موضوعك المتميز وفكرك الراقي
اعجبت كثيرا بمقالك هذا وما شد اعجابي اكثر هو انتقائك لافضل العبارات المترجمة عن طبيعة الحدث ( الخضر في مونديال 2014 ) .
الكل يعلم ان ( مجيد بوقرة ) ارقص ملايين الجزائريين اطفال وشبان وشيوخ ونساء ....بل ارقص حتى مدربه واستاذه ( حليلوزيتش )... وهي مناسبة عظيمة لابراز روح الوطنية والتغني بها .
لكن ما اوقفني في هذا المشهد سؤال تبادر لنفسي وهو : هل نال الجزائريين استقلالهم ؟ ام فقط رخصة الدخول لمونديال قد نقصى فيه من الدور الاول او يمكننا الوصول للدور الثاني ...والاكيد ان وصولنا لنهائي كاس العالم امر تهكمي عند البعض .
وتصوروا معي كيف سيصبح الجزائريين ...او كيف ستكون الجزائر لو تمكن الخضر من التاهل للدور النهائي في هذا المونديال ؟؟؟...
فالوطنية - حسب ظني - لاتقاس بمثل هذه اللحظات ، بل الاجدر بنا ان نغرس حبها في نفوس جيلنا الناشئ بالمعرفة لتاريخ هذا الوطن والوقوف عند نوفمبر كثورة.....لا نوفمبر حماس ....
اشكرك مجددا اخي عبد الحميد

أشكرك حبيبي عبد الحميدد على هذا الموضوع،بل الغريب في الأمر أن الجميع يتحدث مثل حديثك تماماً و أنا واحد منهم،و فرحت و خرجت حافيا للشارع لولا ان تداركني احد الأساتذة بسيارته لنواصل التعبير عن فرحتنا و بعد رجوعنا للبيت بعد ان بحت حناجرنا سأتني أمي:هل تحررت الجزائر يا بني؟؟؟؟؟
و أردفت قائلة:" لماذا لم تظهر هذه الوطنية فقط في الكرة؟؟؟؟ و لماذا لم يخرج الشعب بمثل هذا الحجم ليلة اولف نوفمبر؟؟؟الخخخ من الأسئلة التي طرحت على نفسي مسبقاً....
و لو رجعنا لجوهر الأمر لأدركنا ان الأمر اريد له هكذا.....
الشعب يخرج فرحاً بدون رخصة للشارع و الشرطة تؤطره و تساهم في تأطيره....
و لما يريد الشعب ليخرج تضامنا مع فلسطين أو سوريا او شهداء رابعة لا تمنح الرخصة بعدة حجج واهية...
المهم في الأمر اننا تأهلنا للمرة الرابعة....و اتمنى أن لا يكون التأهل مطية للعهدة الرابعة

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

أشكرك جزيل الشكر يا أخي على طرح موضوعك هذا في وقت كهذا ... ذلك لأننا في حاجة لمن ينبهنا بعدم التيهان في ما تاه فيه (عُبّاد الجلود المنفوخة) و يذكرنا بواقعنا المعاش من جهة، و تبيين المعنى المعنى الحقيقي للروح الوطنية من جهة أخرى

فالروح الوطنية لا يمكن أن تنحصر في مجال واحد، بل يجب أن نلتمسها في جميع المجالات، و كنت سابقاً قد تطرقت لهذا الموضوع ضمن "هذا الرابط" مذكرا بأنه لا ينبغي أن تظهر وطنيتنا إلا بعد الفوز في مباريات كرة القدم (مثلما أشار أخي) ثم نجد الجزائريين في حياتهم العادية يتذمرون من وطنهم و يعافون حتى الاستقرار فيه

هي دعوى لنا جميعاً، و تذكير للغافلين منا بالمحافظة على هذا الوطن

لو كانت رئيس تحرير جريدة وطنية يا أخي عبد الحميد ، لنشرت مقالك هذا تحت عنوان : ما يجب أن يقال .
مقال ممتع وثري وناضج
سلمت يداك فقد أبدعت في تجلية الحقيقة .

شكرا لك في انتظار جديدك الماميز

» قمصان منافسينا في المونديال
» قراءة في أوراق المونديال
» المنتخب الوطني يقترب من المونديال
» لجزائر تتأهل إلي المونديال علي حساب مصر
» الإذاعة الوطنية لن تغطي المونديال