وصممت على مواصلة
المشوار ، مشوار البحث عن الحقيقة ، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في
منامي وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله سبحانه وتعالى .. فأخذت أجازة من
عملي ، ثم بدأت رحلة بحث طويلة ، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل
عن رجال يلبسون ثيابا بيضاء ، ويتعممون عمائم بيضاء أيضاً ... وطال بحثي
وتجوالي ، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال ويضعون على رؤوسهم
الكوفيات فقط .. ووصل بي تجوالي إلى مدينة جوهانسبرغ ، حتى أنني أتيت إلى
مكتب استقبال لجنة مسلمي أفريقيا ، في هذا المبنى ، وسألت موظف الاستقبال
عن هذه الجماعة ، فظن أنني شحاذاً ، ومد يده ببعض النقود فقلت له : ليس هذا
أسألك ... أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا ؟ فدلني على مسجد قريب ..
فتوجهت نحوه .. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري فقد كان على باب المسجد رجل
يلبس ثيابا بيضاء ويضع على رأسه عمامة. ففرحت ، فهو من نفس النوعية التي
رأيتها في منامي .. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى ! فإذا بالرجل
يبادرني قائلاً ، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة : مرحباً إبراهيم !!! فتعجبت
وصعقت بما سمعت !! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرفه بنفسي .. فتابع الرجل
قائلاً : لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا ، وتريد أن تعرف الحقيقة ..
والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده الإسلام !
فقلت له : نعم ، أنا أبحث عن الحقيقة ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته
في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ماتلبس .. فهل يمكنك أن تقول لي ، من ذلك
الذي رأيت في منامي؟ فقال الرجل : ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق ،
رسول الله صلى الله عليه وسلم !! ولم أصدق ماحدث لي ، ولكنني انطلقت نحو
الرجل أعانقه ، وأقول له : - أحقّاً كان ذلك رسولكم ونبيكم ، أتاني ليدلني
على دين الحق ؟ قال الرجل : - أجل .. ثم أخذ الرجل يرحب بي ، ويهنئني بأن
هداني الله لمعرفة الحقيقة .. ثم جاء وقت صلاة الظهر .. فأجلسني الرجل في
آخر المسجد ، وذهب ليصلي مع بقية الناس ، وشاهدت المسلمين ـ وكثير منهم كان
يلبس مثل الرجل ـ شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله ، فقلت في نفسي : (
والله إنه الدين الحق ، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون
جباههم على الأرض سجّدا لله ) . وبعد الصلاة ارتاحت نفسي واطمأنت لما رأيت
وسمعت ، وقلت في نفسي : ( والله لقد دلني الله سبحانه وتعالى على الدين
الحق ) وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي ، ونطقت بالشهادتين ، وأخذت أبكي
بكاءً عظيماً فرحاً بما منَّ الله عليَّ من هداية ..
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام ، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلا ،
فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضاً ، يدعون الناس للإسلام ، وفرحت
بصحبتي لهم ، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق
والأمانة ، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين
الله ، وتعلمت كيف أكون مسلماً داعية إلى الله ، وتعلمت منهم الحكمة في
الدعوة إلى الله ، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة ..
وبعد عدة شهور عدت لمدينتي ، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني ، وعندما
شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي ، أنكروا عليَّ ذلك ، وطلب مني المجلس
الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلاً .. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني لتركي
دين آبائي وعشيرتي ، وقالوا لي : لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك !!
فقلت لهم : لم يخدعني ولم يضلني أحد .. فقد جاءني رسول الله محمد صلى الله
عليه وسلم في منامي ليدلني على الحقيقة ، وعلى الدين الحق ..إنَّه الإسلام
.. وليس دين الهنود كما تدعونه .. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام .. فبهتوا !!
ثم جاءوني من باب آخر ، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب ،
فقالوا لي : إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر ، في انتداب مدفوع
القيمة مقدماً ، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك ، ومبلغ من المال
لتحسين معيشتك ، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة ! فرفضت كل ذلك ، وقلت لهم :
- أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني .. والله لن أفعل ذلك ، ولو قطعت
إربًا !! ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام ، فأسلم اثنان من القسس ،
والحمد لله... فلما رأوا إصراري ، سحبوا كل رتبي ومناصبي ، ففرحت بذلك ،
بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك ، ثم قمت وأرجعت لهم مالدي من أموال وعهدة ،
وتركتهم .. انتهى !!د
قصة إسلام إبراهيم سيلي ، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور عبدالخالق ميتر
سكرتير مكتب الرابطة بجنوب أفريقيا ، وكذلك بحضور شخصين آخرين .. وأصبح
القس سيلي الداعية إبراهيم سيلي .. المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب أفريقيا
.. ودعوت القس إبراهيم .. آسف !! الداعية إبراهيم سيلي لتناول طعام الغداء
بمنزلي وقمت بما ألزمني به ديني فأكرمته غاية الإكرام ، ثمّ ودعني إبراهيم
سيلي ، فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة ، في رحلة عمل ، حيث
كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون .
ثم عدت لجنوب أفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون وبينما كنت في المكتب المعد
لنا في معهد الأرقم ، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ ، فعرفته ،
وسلمت عليه .. وسألته : ماذا تفعل هنا يا إبراهيم !؟
قال لي : إنني أجوب مناطق جنوب أفريقيا ، أدعو إلى الله ، وأنقذ أبناء
جلدتي من النار وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام وبعد أن
قص علينا إبراهيم كيف أصبح همه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرا نحو آفاق
رحبة .. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله .. ولقد شاهدته وقد تغير
وجهه ، واخلولقت ملابسه ، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة ! ولم يمد يده
يريد دعما!... وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي .. لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا
.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين : أنتم أناس تلعبون
بالدعوة .. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله !؟
نعم إخواني لقد تقاعسنا ، وتثاقلنا إلى الأرض ، وغرتنا الحياة الدنيا ..
وأمثال الداعية إبراهيم سيلي ، والداعية الأسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون
ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين !!!! فيا رب رحماك !!!