فجأة، وجدت رمضان قد جاء، مضى منه بضعة أيام، كنت أريد أن ينتظر قليلا، كنت أريد أن أستعد لاستقباله؛ فسيئاتي كثيرة، ومعاصٍ عديدة، غير أني مسلم، كأي مسلم، يحب رمضان، ويرجو فيه رحمة الله تعالى.
ماذا أفعل؟ أريد أن أعيش رمضان، أريد أن أترك أعمالي السيئة، أريد أن يكون صومي مقبولا، أنا خائف جدا. أخاف أن أموت في رمضان. صحيح عصيت الله كثيرا، غير أن كرم الله تعالى لي أن أبقاني إلى رمضان. إنه يريد أن يتوب علي، نعم أشعر بهذا، إنها رسالة خاصة بيني وبين ربي، إنه يحبني.. نعم أعصيه، لكنه رحيم، غفور، تواب، لا شك أنه يريد أن يتوب علي، لكن أنا لست مستعدا، يا لحيرتي، ماذا أصنع؟ "يااااااااااااارب" أعنّي لأتوب إليك، أريد أن "أعووووووووووود"، أريد أن "أتووووووب". إلهي، خذ بيدي، تب علي، أعنّي على نفسي الأمارة بالسوء. أيها الشيطان اغرب عن وجهي، دعني.. اتركني، آآآآآآآآه أسمع ضحكات الشيطان، يقول: لن أتركك؛ فأنت ضعيف، وسآخذك بعيدا عن الطاعة، لكن أسمع صوتا آخر يقول لي: لا تطعه، إنه ضعيف، لست أنت، اسمع قوله تعالى { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، آه، صراع بداخلي، هل أنا ضعيف؟ لالالالالالا، أنا لست ضعيفا.. هل الشيطان قوي؟ لالالالالالا، إنه ضعيف، إن ربي لا يكذب، إنه قال إنه ضعيف؛ يعني أنا قوي، يعني يمكن لي أن أعود إلى الله بصدق، لقد فاتتني بعض أيام في رمضان، لكن ما زال في رمضان الكثير.
ما الذي يمنعني من أن أعود؟ قم الآن، توضأ، واتجه إلى ربك، ما الذي يجلسك؟ إن الشياطين مصفدة، و أبواب الجنات مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، والناس كلها في طاعة؛ فالمساجد مليئة، والكل يصوم، والناس يصلون التراويح، ويقرءون القرآن، أليس كل هذا يساعدني أن أفك قيدي؟
ما هذا؟ الباب يطرق؟ من ينادي؟ من؟
أنا صديق. (إنه صديقي العزيز صديق، شاب خلوق ومتدين).
تفضل يا صديق.
السلام عليكم، كيف حالك؟
وعليكم السلام ورحمة الله
سامحني لم أتصل بك، فقد كنت مشغولا.
لا عليك.
لم أرك في المسجد منذ رمضان؟ لعل المانع خير.
لم أرد عليه، صمتُ برهة، بدا علي الذهول، لاحظ سكوتي، لكنه سرعان ما قطع ذلك، وقال: أحب أن أراك اليوم في المسجد، جو التراويح جميل، يبعث على السعادة، قال والفرحة على وجهه: لم أر سعادة في حياتي مثل سعادة اجتماع المسلمين على الطاعة.
أريد أن أكلمه لكن هناك صمت يطبق علي، جاهدت نفسي، لا بد أن أكلمه، آخذ بنصيحته، بعد مجاهدة سريعة كلمته، وقلت له: صديق، أنا متعب جدا، انهمرت في البكاء، اقترب مني يحاول أن يهدئ من روعي، وقال لي: ما لك أخي؟ قل لي، ما لك؟
قلت له: أريد أن أتوب، ولكن نفسي تمنعني؟ أريد أن يتقبل الله صيامي، غير أني لا أقوى على الطاعة.
فرد علي قائلا : لا تصدق، تستطيع أن ترجع وتتوب، كل ما في رأسك أوهام ووساوس شيطان، لكن سرعان ما تنتهي.
قلت له: كيف هذا؟
فقال لي: إن لم تكن تصدقني، فقم الآن، وتوضأ وصلِّ، قم الآن هيا، وأنا أنتظرك.
ربي، سبحان الله، أشعر الآن أني حر طليق، أسرعت للوضوء، وتوضأت وصليت، كأنما غشاوة كانت على عيني وذهبت، وكأنما نشطت من عقالي.
وبعد الصلاة قلت لصديقي: هل يمكن أن تجلس معي لنقرأ شيئا من القرآن؟ تهلل وجهه بالبشر والسعادة، وأمسكت كتاب الله تعالى فكأني لأول مرة أمسكه، أحسست براحة وهدوء نفس، وشعرت ساعتها أنه يمكننا أن نغير من حياتنا، وأن كثيرا من الأوهام تعوقنا عن العودة إلى الله؛ فلنحطم هذه القيود الواهية؛ فالطريق إلى الله مفتوح لا يمنع منه مانع، إلا الوهم الذي يجب ألا يكون له محل في حياتنا.