السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هي الأم ؟؟
الأم هي مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حـدود ...
هـي الجندي المجهول الذي يسهر الليالي ، ليرعي ضعفنـا ويمرض علتنـا ...
هـي الايثـار والعطـاء والحـب الحقيقـي الذي يمنـح بلا مقابـل ويعطـي بلا حـدود أو منــّـة
هـي المرشـد الي طريق الايمان والهدوء النفسي
هي المصدر الذي يحتوينا ليزرع فينا بذور الأمن والطمأنينة
هـي البلسـم الشافـي لجروحنـا والمخفف لآلآمنـا
هـي اشـراقة النـور في حياتنـا
هي نبـع الحنـان المتدفـق بل هي الحنـان ذاتـه يتجسد في صورة انسـان
هـي شمـس الحيـاة التي تضيء ظـلام أيامنـا وتدفـيء برودة مشاعـرنا
هـي الرحمـة المهـداة مـن الله تعالـى
هـي المعرفـة التي تعرفنا أن السعادة الحقيقية في حـب الله
هي صمام الأمان ...
ولن تكفينا سطور وصفحات لنحصي وصف الأم وما تستحقه من بر وتكريم وعطاء
امتنانا لما تفعله في كل لحظة
ولكن نحصرها في كلمة واحدة هي
"النقـاء والعطـاء بكـل صـوره ومعانيـه"
ولقد عني القرآن الكريم بالأم عناية خاصة
وأوصي الاهتمام بها حيث انها تتحمل الكثير كي يحيا ويسعد ابنائها
وقد أمـر الله سبحانه وتعالي ببرها وحرم عقوقها وعلق رضاه برضاها
كما أمر الدين بحسن صحبتها ومعاملتها بالحسني ردا للجميل
وعرفانــــا بالفضل لصاحبه
وحث النبي صلي الله عليه وسلم علي الوصية بالأم
لأن الأ م أكثر شفقة وأكثر عطفا لأنها هي التي تحملت آلام الحمل والوضع والرعاية والتربية
فهي أولي من غيرها بحسن المصاحبة ورد الجميل
لقد أوصى القرآن الكريم بالأم، لفضلها ومكانتها فقال عزّ وجل: " ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"، سورة لقمان/14-15.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " الجنة تحت أقدام الأمهات".
وردت الأم في اللغة بقول ابن منظور في لسان العرب، من أنّ: الأم والأمة بمعنى: الوالدة؛ وأنشد ابن بري:
تقبلها من أمة ولطالـما *** تنوزع فـي الأسواق منها، خمارها
وقال ذو الرمة:
سوى ما أصاب الذئب منه وسربة *** أطافت به من أمهات الـجوازل
الأم في العصور الأدبية:
وقفنا في هذا البحث لاختيار الأبيات التي أشار فيها الشعراء العرب عبر العصور المختلفة إلى الأم من عصر قبل الإسلام وإلى العصر الحديث، وذلك من خلال قراءتنا لدواوين الشعر العربي الكبير، آملين أن نكون قد رسمنا صورة للأم الرؤوم الحانية التي تعطي أكثر مما تأخذ، حتى خلدها الشعراء في قوافيهم في ذاكرة الناس من خلال التوقف عند شعراء ما قبل الإسلام، وعند الشعراء المخضرمين، وفي العصر الأموي، والعصر العباسي، وفي شعر العصر الفاطمي، وفي المغرب وبلاد الأندلس، وكذلك في أشعار شعراء العصر الأيوبي، والعصر المملوكي، وعند شعراء العصر العثماني، وأخيراً ختام البحث بذكر نماذج من شعر شعراء العصر الحديث عن الأم.
شعراء قبل الإسلام:
أشار شعراء العرب قبل الإسلام إلى الأم في قصائدهم، متخذين صوراً عديدة من حياتها، ومنهم الطفيل الغنوي، وجليلة، وعروة بن الورد، فقال الغنوي:
يقولون لمّا جمعوا العدوّ شملهم *** لك الأم منّا في المواطن والأبِ
وقالت جليلة في الأم:
تحملُ العينَ كما تحمل *** الأمُ أذى ما تفتلي
أما عروة بن الورد أمير الصعاليك، فقال عن الأم:
فإنّي وإياكم كذي الأم أرهنت *** لهُ ماء عينها تفدي وتحمل
الشعراء المخضرمون:
ذكر الشعراء المخضرمون الأم في أبياتهم ومنهم العجّاج، وتميم بن أُبي وحسان بن ثابت الأنصاري، فقال العجّاج:
خواديــــا أهونهـــنّ الأم
بينما قال تميم بن أُبي عن الأم:
وملجأ مهروئين يلفى به الحَيا *** إذا جفلت كُحل هو الأم والأبُ
وقال شاعر الرسول صلى الله عليه وسلّم حسان :
جعلتم فخركم فيه لعبدٍ *** من الأم مضنْ يطأ عَفْرَ التُرابِ
في الشعر الأموي:
تناول شعراء عصر بني أمية الأم في قصائدهم، ونشير إلى عدد منهم مثل: الفرزدق، والكميت الأسدي، والمغيرة بن حنباء، وثابت قطنة، وجرير، وعلي الغنوي، وعمر بن لجأ التميمي، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعن المزني. فأنشد شاعر النقائض جرير عن الأم قائلاً:
أغرّ كان البدر تحت ثيابه *** كريمٌ إلى الأمِ الكريمة والأب
وقال الشاعر الكميت بن زيد الأسدي عن الأم:
وكانت من اللا لا يغيرها ابنها *** إذا ما الغلام الأحمق الأُم غيرَا
وأما المغيرة بن حنباء فقال في الأم:
تهجو الكرام وأنتَ الأم من مشى *** حسباً وأنتَ العِلْجُ حين تكلم
قال جرير شاعر النقائض في العصر الأموي:
فما الأمُ التي ولدت أباكم *** بمقرنة النجار ولا عقيم
وقال الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان:
خالي وعمي وعم الأم ثالثهم *** وحنظل الخير قد أهدى لي الأرَقا
وآخر شعراء الأمويين معن المزني الذي قال بحق الأم:
فما زلت في ليني له وتعطُفي عليهِ *** كما تحنو على الولدِ الأمُ
الأم عند العباسيين:
أبرز شعراء العصر العباسي الأم في أغلب أشعارهم، وتناولوا صفاتها والإشادة بدورها في الحياة الأسريّة، ونشير لذكر طائفة منهم وهم: ابن الرومي، وابن الزيات، وابن نباته السعدي، وأبو نواس، والأمين العباسي، والبحتري، والخليفة المأمون، والشاعر المتنبي، وكشاجم، وآخرهم مهيار الديلمي. ذكر الشاعر ابن الرومي الأم بعدد من قصائده منها قوله عنها:
كيف أهجو أمراً كريماً لئيماً *** واحد الأم خلقة الآباءِ
ثم انشد ابن الزيات قائلاً:
يا بخست الست الأم به برى *** وهو العرش من أنسٍ ومن جانِ
قال الشاعر ابن نباته السعدي:
وفينا لهُ إذا ضيّع النّاس عهده *** وكُنّا إذا الأم الحفية والأبا
كذلك قال الشاعر العباسي أبو نواس في الأم أبياتاً منها قوله:
فإذا أطفنَ بها صمتنَ لها *** صمت البنات مهابة الأمِ
ثم قال أبو نواس عنها:
ربيب بيت وأنيس ولم يُربّ *** بريش الأم محضونا
نشد الخليفة العباسي الأمين بن هارون الرشيد في الأم قائلاً:
يعزُّ عليَّ ما لاقيتُ فيه *** وأنتِ الأمُ خير الأمهاتِ
أما الشاعر أبو الطيب المتنبي فقال:
رموا برأس أبيه *** وباكوا الأم غلبه
أما الشاعر كشاجم فذكر الأم بقوله:
أبعدَ مُصاب الأم ألفا مضجعاً وآوي *** إلى خفض من العيش أو ظلِ
وقال الشاعر مهيار الديلمي للأم:
من خير قوم أباً وأكرمهم أماً *** أما عابت الأب والأُم
في العصر الفاطمـــي :
كذلك أشاد شعراء العصر الفاطمي بالأم في أشعارهم كونها الفؤاد الحاني الذي يحدب على العناية بأولادها والمحافظة عليهم من كل مكروه، ومن هؤلاء الشعراء: ابن الهبارية، وابن منير الطرابلسي، وأبو العلاء المعري. حيث قال الشاعر ابن الهبارية:
قد تضطرب الأم الرؤوم طفلها *** فهل يذم ذو شادٍ فعلها
بينما عبر ابن منير الطرابلسي عن الأم بقوله:
حدب الأب البّر الكبير وأرفة *** الأم الحفية باليتيم الأصغرِ
وأنشد الشاعر أبو العلاء المعري في الأم أبياتاً عديدة منها قوله فيها:
وأردد إلى الأم شبحاً طال معهدها *** بضمه وهي لا ترجى لتربيتِ
عند شعراء المغرب وبلاد الأندلس:
مثلما حظيت الأم مكانتها في قصائد الشعراء العرب خلال العصور المختلفة، فإنّ شعراء المغرب وبلاد الأندلس أشادوا بها في أبياتهم الشعرية، ومجدّوا فعالها لأنّ لها دورها الكبير في بناء المجتمع من خلال تربية أبنائها على القيم والمثُل الأصيلة النابعة من التراث والدين الإسلامي الحنيف. وممن ذكرها من شعراء المغرب والأندلس الشعراء: ابن حمديس الصقلي، وأبو إسحاق الألبيري، والأعمى التطيلي، والعفيف التلمساني، وأميّة الدّاني، وعلي الحصري القيرواني، ولسان الدين ابن الخطيب. فقال عنها ابن حمديس:
خودٌ تلقن تربها حججا *** كالبنِ مُصغية إلى الأمِ
ثم ذكرها الألبيري بقوله:
ولقد عهدنا الأم تلطف بابنها *** عطفاً عليهِ وأنت ما أقساك
بينما أشار إليها التطيلي قائلاً:
وأكرم مضن يُرجى لدفعِ مُلمةٍ *** إذا الطفل لم يسكن إلى لطفِ الأمِ
وقال العفيف التلمساني في حق الأم:
فيأخذ من هذا لهذا بحقهِ *** على نسبة محفوظة الأم والأبِ
أما أميّة الدّاني فقال:
رزئت بأحفى النّاسِ بي وأمرّهم *** وأكبر بفقد الأمِ رزءاً وأعظم
وهذا علي الحصري القيرواني صاحب زهر الآداب، الذي أنشد للأم بقوله:
نهكته علّة مبدؤها وحشة *** الأم متى تذكر تشق
في حين يذكر لسان الدين ابن الخطيب حول الأم:
توالى مَن استرعيت أمناً وارفة *** ورفقاً كما تحنو على المرضع الأم
الأم في أشعار الأيوبيين:
هناك شعراء من العصر الأيوبي تناولوا في أشعارهم دور الأم في المجتمع، نحو الشعراء: ابن مقرب العيوني، واسامة الشيزري، والأمير عبد المؤمن، والحيص بيص، وسبط ابن التعاويذي، وشرف الدين الحلي، ومحيي الدين بن عربي، ومما قاله العيوني هو:
بأيسر مهر عند الأم خاطب *** ووالدها غيظاً معيضّ الرواجيا
وقال الشاعر الشيزري:
بئست الأم رمت أولدها *** برزاياها ألا بئس الرضيع
أما الأمير ابن عبد المؤمن فقال:
وإن كل عاد لاكل الغذا *** وما يترك الأم أو يفتقر
ويقول الشاعر حيص بيص في الأم:
واشتجار الضرب من حرّته *** مذهل الأم عند الطفل الرؤوم
ثم ذكر الشاعر سبط ابن التعاويذي قائلاً:
ولا يرى الأم من خائب *** ينافس العذراء في المهر
كما قال صفي الدين الحلي:
وأيتمت أبناء الرجال وطالما *** دعاهم فأغناهم عن الأمِ والأبِ
بينما أشار إلى الأم محيي الدين بن عربي بقوله:
قالت لها مبلية الأم ثانية عساه *** يحيى كمثل النفخ في الصورِ
في الشعر المملوكي:
أنشد للأم في هذا العصر عدد من الشعراء الذي كتبوا عن دور الأم ومكانتها في النفوس ومنهم: ابن نباتة المصري، والستالي، والشاب الظريف وشهاب الدين المخلوف، وصفي الدين الحلي، ويوسف الثالث، فقال ابن نباتة عن الأم:
ليتَ ابن إدريس لاقى ابن الدروس *** بها لكان يملأ قلبَ الأم بالجَذَل
وقال الشاعر الستالي:
نماه من الأبِ العتكي مجدٌ *** بمجدِ الأمِ من مُضر مشُوب
كما قال شهاب الدين بن الخلوف:
وكم تركت أباً يبكي على ولدٍ *** إذ ذقته طعم ثكل الأم للولدِ
بينما ذكر الشاعر صفي الدين الحلي الأم بقوله عنها:
سليل صفي المُصطفى وابن سبطهِ *** لقد تابَ منهُ الأم والأب والجد
وكقول الشاعر يوسف الثالث:
وكم حالت الأحوال منّا بحالةٍ *** نعمنا بها والنفس الأم طالبُ
عند شعراء العصر العثماني:
تناول شعراء العصر العثماني الأم في أشعارهم مبينين الدور الذي تلعبه في بناء جيل صحيح مثل الشعراء: ابن رازكة، والحبس، والعشاري، وعبد العزيز الفشتالي، وعبد الغني النابلسي، ومحمد الصفاقسي، يقول الشاعر ابن رازكة:
أبو الطلاب لا ينفك منهم *** حنان الأم بالطفلِ العظيمِ
وقول الحبسي:
مَن جَرّب الناس لم تخدمه ضاحكة *** في الناس شتان بين الأم والأبِ
وقال العشاري:
وأنت يماني الأصول ويانع الفروع *** وزكي الأم والأب والجد
ثم ذكر عبد العزيز الفشتالي الأم قائلاً:
يا مولداً وبهِ الأيام قد عُقمت *** وهي الولائد عقم الأم بالولدِ
كذلك قال عنها عبد الغني النابلسي:
لم يُدنس لهُ نسب بكفرٍ *** إذا ما الأم تظهر تزدرِيه
ثم أشد محمد الصفاقسي قائلاً:
فتعطاه بنت الأم إن تكُ حيَّة *** وإلاّ فللّزوج المعصّب ذي الولا
في العصر الحديث:
نختتم أشعار الأم التي ذكرها الشعراء خلال العصور الأدبية، وفي القرون الماضية، بما كتبه شعراء العصر الحديث عن الأم الحنون، نحو: أبو القاسم الشابي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وعلي الجارم، وعلي محمود طه المهندس، ومصطفى الغلاييني، ومصطفى صادق الرافعي، ومعروف الرصافي، وناصيف اليازجي، ونبدأ بنماذج شعراء هذا العصر بقول الشاعر أبي القاسم الشابي:
الأمُ تلثم طفلها وتضمه *** حرمٌ سماويّ الجمال مُقدس
أما الشاعر أحمد شوقي فقال في حق الأم:
يسيرُ على أشلاء والده الفتى *** وينسى هناك المرضع الأم والأبِ
أو قوله عنها:
فيقالُ الأم في موكبها *** ويُقال الحرم العالي المَصُون
وذكرها بقوله:
فأشتغل القلب عليه وأشتغل *** وسارت الأم به على عجل
كذلك أشاد الشاعر حافظ إبراهيم بمنزلة ومكانة الأم في المجتمع في قصيدته المشهورة ومنها قوله فيها:
الأمُ مدرسة إذا أعدَدْتَها *** أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
الأمُ روضٌ إن تعهده الحيا *** بالريِّ أورَق أيمّا إيرَاقِ
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى *** شغَلَت مآثرهم مَدى الآفاقِ
وقال خليل مطران:
نعمت الأمُ أنجبت خيرة الأولاد *** للبِّرِ والنَدى والوفــاءِ
ثم قـــال:
وأحنُو عليها حنية الأمِ مُشفِقاً *** وهيهات تحميها من البينِ أضلعي
أما الشاعر علي الجارم فقال:
هل أُفكر في الأمِ تندب حظها *** والزّوج يسكت والهين يتامى
وقوله الآخر عنها:
نسيتُ به أهلي وياربّ صاحب *** أبَرّ مِن ابنِ الأمِ قلباً وأنفعُ
كما كتب علي محمود طه المهندس عن الأم بقوله:
دَعا فَلَبُوهُ صوت من عروبتهم *** كما يُلبي هتاف الأم أبنَاءُ
وكتب مصطفى الغلاييني قائلاً:
وأطيعُ الأم دومــاً *** فهي روض البركات
وللأديب مصطفى صادق الرافعي قوله عن الأم:
تودعُك الدُنيا وتستقبل الدُجى *** كما ودّع الأم الرحيمة أطفال
ثم قال الشاعر معروف الرصافي:
إن خدمنا فلا تريد جزاء *** ومِن الأمِ هل يُرادُ جزاء
وختام حديثنا عن أشعار الأم في الشعر العربي أبيات للشاعر ناصيف اليازجي منها قوله:
ألِف هذي الحياة جدد في الأم *** نفس أنسابها فطالها الحنين
وأخيراً قوله عنها وهو:
يا أيّها الأم الحزينة أجملي صبراً *** فإنّ الصّبر خير طبيب