التشريع و الفقه في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم
يبدأ هذا الدور من السنة الأولي للهجرة ، حيث تأسست دولة الإسلام
وتهيأ الناس لإقامة المجتمع الإسلامي ، وتطبيق أنظمة الإسلام ,أحكامه ،
والتمسك بشعائر الدين ، و من قصر في العمل أو خالف الأوامر و النواهي فإن
الدولة قادرة علي معاقبته ورده إلي الصراط المستقيم . أما لما كانوا في
مكة قبل الهجرة فإنه لم يكن للإسلام دولته، وإنما امن الناس بطوع اختيارهم
، و التزموا بما أنزل دون أن يكون هناك دولة تلزمهم و تعاقب من لا يلتزم
بما أمر ، إلي انتقاله ( ص) إلي الرفيق الأعلى حيث انقطع الوحي .أي يكون
هذا الدور من السنة الأولي حتى السنة الحادية عشرة من الهجرة .
أما العهد المكي – قبل الهجرة – فإنه لتأسيس العقيدة ، وإرساء قواعد الإيمان . وإبطال عقائد الكفار و الرد عليها
وبعض المؤرخين للفقه و التشريع يرى أن هذا الدور يبدأ من بعثته عليه
الصلاة و السلام إلي موته. فيعتبر العهد المكي عصر تشريع للفقه ، لأنه لا
يخلو من أحكام. و يستدل بما ورد من الآيات التي نزلت بمكة . فهي وإن كانت
خاصة بالدعوة إلي الله تعالي وتصحيح العقيدة و المفاهيم إلا أنه كان
أحيانا ينزل بعضها و هي تتضمن الأحكام و التشريعات كانتقاد الكفار علي وأد
البنات ، و قطيعة الرحم ، و تطفيف المكاييل و الموازين ، وفي مكة شرعت
الصلاة و كل هذا فقه .
تشريع الفقه :
الفقه في عهد الرسول (ص) يشرع من عند الله تعالي بأحد الطرق التالي :
1 – عن طريق الوحي من الله تعالي بكلام يتلي
2- عن طريق الوحي من الله تعالي علي لسان رسوله (ص)
3- عن طريق اجتهاد الرسول (ص) وإقرار الوحي له ، أو تصحيح هذا الاجتهاد و عدم إقراره.
قال الله تعالي ( و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا و حيا أو من ورأي
حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ) سور الشورى – 51-
و العلماء في اجتهاد الرسول (ص) يختلفون فبعضهم ينكر اجتهاد الرسول
(ص) و يقول إن كل ما فعله رسول الله أو يقوله إنما هو بوحي من الله تعالي
مستدلا بقوله جل و علا : ( و ما ينطق عن ألهوي (3) إن هو إلا وحي يوحي (4)
) و بقوله جل ثناؤه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله
و اليم الأخر و ذكر الله كثيرا )
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه مشيرا إلي الخلاف في ذلك فقال :
( باب ما كان النبي (ص) يسأل مما لم ينز عليه الوحي فيقول لا أدري ، أو لم
يجب حتي ينزل عليه الوحي و لا قياس ، لقوله تعالي ( بما أريك الله )
قال ابن حجر
حجة من قال : إنه لم يسن شيا إلا بأمر ، وهو علي و
جهين : إما بوحي يتلي علي الناس ، و إما برسالة عن الله أن افعل كذا : قول
الله تعالي ( و أنزل الله عليك الكتب و الحكمة ) الآية . فالكتب ما يتلي ،
و الحكمة : السنة . و هو ما جاء به عن الله بغير تلاوة . و يؤيد ذلك قوله
، في قصة العسيف : (( لأقضين بينكما بكتاب الله )) أي بوحيه )
ومن قال بأن الرسول يجتهد فيما لم ينز عليه فيه وحي استدل بالحوادث
التي و قعت و أنكر عليه القران اجتهاد . كاجتهاده في أسري بدر ، و الصلاة
علي النافقين و الاستغفار لهم
و مكانة السنة من القران تأخذ ثلاثة أشكال :
أ- أن تكون السنة موافقة للقران من كل وجه ، فتاتي بحكم شرعي قد جاء به القران . و يكون هذا من باب التوفيق
ب- أن تكون بيانا لما أجمل في القران و تفسيرا له ، كالأحاديث في
تفصيل أحكام الصلوات ، و كيفيتها و عددها و أوقاتها . إذ القران جاء
بالأمر بالصلاة و أنها مكتوبة علي المسلمين ، دون أن يتعرض لكيفيتها و
أحكامها . و هكذا في الصيام , وفي الزكاة ، فبينت السنة الأموال التي تزكي
, و مقادير الزكاة , و كذالك الحج و أحكامه بينته السنة . و كثير من
الأحكام و التشريعات جاءت السنة ببيانها , و تفصيل ما أجمل في القران
بشأنها. قال الله ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم
يتفكرون ) و قال جل وعلا : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي
اختلفوا فيه وهدي ورحمة لقوم يؤمنون )
ج- تأتي السنة بحكم سكت عنه القران ، قال (ص) (( ألا أبي أوتيت الكتاب و مثله )) يعني السنة .
قال الخطابي :- قوله ]( ص) (( أوتيت هذا الكتب و مثله )) يحتمل و جهين من التأويل :-
أحدهما : أن معناه. أنه أتي من الوحي الناطق غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
والثاني : انه أوتي الكتاب وحيا ، و أوتي من البيان مثله ، أي أذن له
أن ما في الكتاب ، فيعم ويخص ، ويزيد عليه ، و يشرع ما ليس في الكتاب
فيكون في وجوب العمل به و لزوم قبوله كالظاهر المتلو من القران [