كنت طالباً في مرحلة أولى ثانوي أعيش حياة الطالب الطبيعية ولا أعاني من أي مشاكل أو ضغوط أسرية .. والداي ولله الحمد استطاعا بفضل الله ثم بتفاهمهما من بناء أسرة متماسكة خالية من المشاكل .
مما جعل ذلك ينعكس علينا نحن الأبناء وربما أنني الابن الأكبر في العائلة أستطيع القول إنني كنت نموذجاً مثالياً ومضرباً للمثل منذ صغري في الجد والاجتهاد والمثابرة والحفاظ على الصلوات ..
ودائماً ما كنت أحوز على أحد المراكز الثلاثة الأولى مع نهاية العام الدراسي واستمريت على هذا المنوال حتى انتقلت إلى مرحلة الأولى ثانوية ، وبدأ مستواي الدراسي يتذبذب ولم أستطع المحافظة على نفس وتيرة عطائي السابق حيث كان لأصدقاء السوء وقفتهم في حياتي .
تعرفت على المخدرات وتحديداً الكبتاجون ( الأبيض ) في أول ثانوي وكان عمري ( 16 ) سنة وقصة وقعي فيها غريبة جداً فحواها :
كان هناك تنافس في الدراسة بيني وبين أحد الزملاء في الفصل للحصول على المركز الأول ، وفي فترة الاختبارات أتاني أحد الأصدقاء وقال يا فلان لدي طريقة تضمن لك الحصول على الترتيب الأول وتحتاج إلى مزيد من الجرأة حتى تتأكد مما أقول .
من شدة رغبتي في الحصول على أعلى معدل سألته بنية الصادق البريء ، ما هي ؟ فأشار علي بحبوب الكبتاجون ونصحني أنها سترفع مستواي أكثر وأكثر كما إنها ستضفي علي شيئاً من الفرح والسعادة .
لم أتردد في تجربة الحبوب بدواعي عدة منها أن من قدمها لي زميل قد جربها ويضمن مفعولها على العطاء الدراسي .. وآخر أنها ستكون فقط أيام الامتحانات لرفع معدل الدرجات على الرغم من أنني كنت في غنى عن ذلك ، وفي البداية اقتصر التعاطي على أيام الامتحانات ..
ولكن سرعان ما أصبح عادة أسبوعية ، ومن ثم شبه يومية فيومياً إلى أن تردت صحتي ونحل جسمي وأصبحت لا اشتهي الأكل لاحظت أسرتي هذا التغير الذي صاحبه تغير بسيط في السلوك ، ولم يشكوا في تعاطي المخدرات وظنوا أن الأمر طبيعي .
لاحظ أحد الأصدقاء المقربين أيضاً حالتي الصحية وأخبرته أن ذلك من تعاطي الحبوب فأشار علي مشورة كان لها أثراً أسوأ من سابقتها بناء على مشورته التي ستعيد شهيتي للأكل وصحتي كما كانت عليه وأفضل ، انغمست في تعاطي الحشيش وبين عشية وضحاها وجدت نفسي مدمناً عليه بكل تأكيد كان لابد من أن يصاحب الانحراف في المخدرات تراجع مستواي الدراسي يدل أن هناك شيئاًَ خفي .
تعاطي الحشيش لم يزد حالتي الصحية إلا تدهوراً وقل أيضاً عطائي الدراسي ( هذان العاملان ) لفتا انتباه أبي وقلبه المعلمين في المدرسة ولم يتوقع أحد أن ذلك الطالب البريء والمتفوق أصبح أسيراً للحبوب والحشيش .
بدأت أشعر بنظرات الشك من أبي وأخذ يراقب تصرفاتي وسرعان ما اكتشف أمري بعد أن وجد بعض الحبوب في غرفتي ، الصدمة كانت عظيمة وكبيرة على أبي الذي كان ينتظر أن أكبر حتى أكون سنداً وعوناً له وشرفا للعائلة ، وأجبرني أبي على دخول مجمع الأمل بالرياض للعلاج ، وبالفعل وقفت عند رغبته ودخلت المجمع .. ووجدت كل اهتمام وعناية وتوعية وبرامج جعلتني اتخذ قراري بالتوقف عن المخدرات .
وبعد انتهاء مرحلة العلاج وخروجي من المجمع التحقت بالجامعة وانقطعت عن التعاطي لمدة سنة ومن ثم انتكست وعدت إلى تعاطي الحبوب بفعل أصدقاء السوء ودون سابق موعد صَاحَبَ الانتكاسة التعرف على نوع جديد من المخدرات ألا وهو الهيروين .
ليلة الانتكاسة تلقيت اتصالاً مفاجئاً من صديق قديم سألني فيه عن حالة التعاطي ؟ أجبته : كأنك تعرف أنني سأنتكس الليلة . سأل هل عدت إلى التعاطي ؟ أجبته : نعم ومن الليلة فقط .
أخبرته أنني أعيش في جو نفسي كئيب جداً وخاصة أن لدي امتحان غداً فما كان منه إلا أن طلب مقابلتي لإعطائي شيئاً جديداً سيزيل الهم عن قلبي ..
تركت الدراسة وتجاهلت اختبار الغد وعلى الفور حددنا موعداً وتوجهت لمقابلته ، قدم لي البودرة ، وكالعادة كنت متهوراً وتعاطيتها شماً دون تردد ..
أحدث الهروين مزاجاً جديداً لي من أول مرة وأصبحت أقضي وقتاَ طويلاً أبحث عن وراء هذه السعادة الزائفة ، وكان الهروين كسابقيه من ناحية الأسعار سعره مرتفع جداً ولا يوجد بسهولة الأمر الذي جعلني أطلب المال من والدي باستمرار وأغيب الوقت الطويل للبحث عن البودرة .
أثار ذلك حفيظة والدي وجعله يعاود الشك في مدى علاجي من التعاطي .. صبر والداي عدة أسابيع على أمل أن يصلح حالي لكن المؤشرات كانت تدل على أنني في انحدار نفد الصبر وفوجئت أحد الأيام وأنا عائد إلى المنزل بأبي وأحد أصدقائه ينتظراني ..
اتهمني والدي على الفور بعودتي إلى التعاطي فأنكرت ، طلب مني الذهاب إلى المجمع لإثبات ذلك ، فرفضت ، أيقن من إجاباتي إنني عدت إلى التعاطي وما كان منه إلا أن أخذني بالقوة إلى المجمع حيث كانت الصدمة الجديدة تنتظر والدي .
كان أبي ينتظر نتيجة التحليل معتقداً أنها ستحصر على الحبوب والحشيش فقط ولكن دهش عندما أبلغه الطبيب بأن النوع جديد هذه المرة ، صدم أبي وصعق من الخبر ولم يتخيل أن الأمر سيصل بي إلى التعرف على أنواع جديدة من المخدرات لا سيما أنه لم يقصر معي في شيء للتخلص من ألإدمان .
على الرغم من الصدمة المؤلمة التي استقبلها والدي ، لم يغادر المجمع إلا بعد وقت طويل قضاه في إسداء النصائح ، وقطع الوعود لي بالوقوف معي مهما كلف الأمر شريطة التوقف عن التعاطي ..
وعَدْت أبي خيراً وبدأت رحلة علاج جديدة لم تتكل بالنجاح ، واستمريت أدخل المجمع وأخرج منه دون فائدة رغم كل ما يقدمونه لي إلا أن المخدرات قد تغلغلت في دمي فسرعان ما أعود للتعاطي بعد العلاج ..
ولكن أنا ألان عاقد العزم وصادق النية إن شاء الله في التوقف وتعويض أسرتي ما سببته لهم من متاعب مضنية وأن أحاول استعادة ما فقدته بسبب المخدرات التي دمرت حياتي ونقلتني من طالب متفوق وصالح على مريض ومدمن .
ويروي التائب بعضاً من المشاكل والمآسي التي جرتها عليه المخدرات فيقول : كان لي صديق تعودت معه على التعاطي الذي أوجد بيننا علاقة قوية جداً ، ذات يوم طلب أن أسدي له خدمة في العلاقة المتوترة مع أسرته باستئجار شقة له باسمي لأن بطاقة أحواله مفقودة .
وما هي إلا أيام وجهزت الشقة باسمي وأصبحت وكراً لنا ومكاناً نتعاطى فيه المخدرات بأنواعها ، بعد فترة وجيزة قررت أنا التوقف عن التعاطي حيث لم يعد جسمي قادراً على تحمل المخدرات وخصوصاً الهيروين ، أخبرت صديقي عن نيتي الصادقة بالتوقف ، ويا حبذا أن نبدأ ذلك سوياً لكنه رفض .
غادرت الشقة وتوجهت إلى المنزل وأخبرت أسرتي إنني ذاهب لطلب العلاج بمجمع الأمل ، سر والديَّ لما سمعاه مني ، وبالفعل توجهت إلى المجمع بعد عشر أيام من فترة التنويم فوجئت باتصال هاتفي في أواخر الليل ما يقارب الساعة ( الواحدة ) ليلاً من أبي وذهلت أكثر عندما سمعت أبي يهلل ويحمد الله على أنني ما زلت على قيد الحياة ، سألته ما الأمر ؟
أجاب : اتصل بنا رجال الشرطة وأخبرونا أنهم وجدوك ميتاً في إحدى الشقق المؤجرة باسمك لم أكن بحاجة إلى مزيد من الذكاء لمعرفة بأن زميلي هو من توفي ..
حزنت كثيراً وعندما خرجت من المجمع أخبرني السكان المقيمون في نفس العمارة بأن صديقي توفي بسب التعاطي وأمره لم يكشف إلا بعد وفاته بثلاثة أيام بسبب تسرب روائح كريهة من الشقة .
جريدة الرياض . العدد 14228