هذه امرأة حزينة .. ابيضَّ شعرها من طوارق الأيام .. وبدا وجهها بائسا من الآلام .. تحكي معاناتها مع زوجها المدمن .. وبكائها يتخلل حديثها المحزن .. ولو أنني لم أقف على هذه القصة وأنقل مشاهدها المؤلمة عن لسان من عاش أحداثها لظننتها من نسج الخيال أو المبالغة .. تقول :
كان زوجي يعمل رئيسا في شركة مرموقة .. كان يحبني ويدللني ويفيض العطف عليّ وعلى أولادي .. كنت أشعر بأنني أسعد زوجة في الدنيا .. وتمضي الأيام وسرعان ما يتحول هذا النعيم إلى جحيم ..
بدأت الأحداث المرة بتغير مفاجئ في حالة زوجي النفسية .. مزاج متقلب .. عصبية لأتفه الأسباب وأحيانا كان يضربني حتى يتورم وجهي ! كان يأتي للبيت ورائحته كريهة .. وفي يوم من الأيام أخذت ثيابه لغسلها فوقعت يدي على قطعة من الحشيش المخدر ..
اكتشفت المصيبة وهي أن زوجي مدمنا للمخدرات .. لم تنجح محاولاتي المتكررة في نصحه .. فلجأت لوالديّ .. استجابا لطلبي وحضرا المنزل وليتهم لم يحضرا .. فما إن تحدثا في الموضوع إلا وشتمهما وطردهما من المنزل .. وازدادت حالة زوجي سوءاً .. حتى صار يشك في سلوكي ..
كنت أتصبر أمام هذه الاتهامات المرة حفاظا على أسرتي وأولادي .. ربما لا تصدقوني بأنه كان يشك في سلوك ابنتي البالغة من العمر سبع سنوات !
في أحد الأيام طرق الباب فقامت ابنتي المسكينة بفتح الباب لكنه كان في سكره .. تخيل حينها أن هذه الطفلة تجلس مع رجال ! كيف لا أدري انهال عليها بالضرب .. فهربت منه .. فانطلق ورائها حتى اختبأت في غرفتي .. رماها بزجاجات العطور فكسر يدها ..
صرخت بأعلى صوتي من هول الموقف .. اتصلت بأخي .. نقلنا ابنتي للمستشفى وقد دخل الزجاج في عينيها البريئتين .. وفي يوم آخر دخل كالمسعور وأخذ ابني الصغير وألقى به في الشارع فتورم رأسه .. ولكن من لطف الله كانت أم زوجي في البيت معنا فأخذته للمستشفى ليتمَّ إسعافه .. كان ما إن يتناول هذه السموم حتى يتحول إلى مخلوق آخر .. قلب بلا رحمة .. جسم بلا عقل .. حيوان في مسلاخ بشر ..
دخل علينا يوما وكان فاقدا لعقله فألقى بالشاي الحار على رأس ابنتي الصغيرة فأصيبت بحروق وتشوهات .. لا تزال على يومي هذا تنطق على وجهها ببشاعة الموقف .. أما أعظم المصائب فكانت بابني الأكبر .. كان عمره في ذلك الوقت 12 عاما .. كان هذا الولد هو الأمل الذي بقي لي في حياتي .. فقد يأست من زوجي ..
فقد قتل آمالي وحطم المعاني الجميلة في نفسي .. في أحد الليالي جلس زوجي مع رفاقه في إحدى مجالس الشيطان .. كنت أخشى مما يحدث في نهاية هذا المجلس أخذت أبنائي للغرفة وأقفلت الباب .. مضت الساعات ونام الأولاد .. وبقيت لوحدي وكيف لي أن أنام في هذا الليل المرعب ..
وفي ظلمة الليل وعند الساعة الثالثة ارتج باب الغرفة .. وإذ بزوجي يصرخ افتحي الباب صرخت لن أفتح .. استيقظ الأولاد .. فسرعان ما تحطم الباب فدخل زوجي الغرفة فانهال علي وعلى أولادي بالضرب حتى تمزقت ملابسي ..
أخذ العصا .. وسرعان ما انكسرت على رأس ولدي التفت يمينا ويسارا فلم يجد سوى طاولة رفعها للأعلى ثم هوى بها على رأس الولد فإذا بالدماء تتفجر من رأسه صرخت مستنجدة بالجيران ولكن لا مجيب ولا معين ..
أسرعت للثلاجة لأخرج قطع الثلج وأضعها على رأس ولدي ولكن لازالت الدماء تصبُّ من جرحه .. خرجت من المنزل أجري من هول المصيبة .. بلا شعور .. بلا نعال .. بل والله بلا حجاب !
طرقت باب أحد الجيران فأخبرته بما جرى .. فذهب للمنزل يجري وأنا أجري وراءه فإذا بابني يسبح في دماءه .. حملناه للمستشفى ووضع في العناية المركزة لمدة 3 أسابيع .. وتأتي الفاجعة الموجعة ... ولدي قد أختل عقله بسبب الضربة .. وبعد شهرين خرج ابني من المستشفى عالة علي في المنزل .. لا يملك نفعا فكيف يكون عونا لي على مصائب الحياة !
صدقوني تمنيت أن يموت .. كانت هذه أمنيتي تجاه زوجي .. دعوت الله أن يُقبض عليه ويُسجن .. وبعد أسبوع قبض عليه رجال الأمن ليقضى عليه لمدة عامين .. وفي البيت بدأت معاناة أخرى مع أسئلة أولادي المتكررة أين أبونا .. لماذا قبضوا عليه ؟ لماذا في السجن ؟
كنت أزوره مرات ومرات ومضت الأيام في السجن .. ابتعد زوجي عن رفقة السوء .. فاستقام سلوكه .. خرج محافظا على الصلاة متمسكا في الخلق والفضيلة .. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان ..
تجمع حوله رفاقه الأولون واستدرجوه للإدمان من جديد .. تردت أحوالنا المادية بسبب إدمان زوجي على المخدرات .. باع أثاث المنزل بل وحتى أدوات المطبخ ! ولم تكن هذه الأموال لتشبع شراهته في تعاطي المخدرات ..
فكان لابد من ثمن أغلى ما هو ؟ إنه ابنتي الصغيرة وكان عمرها 11 عاما قام بتزويجها لرجل مريض ومصاب بتخلف عقلي .. كل ذلك ليستولي على المهر البالغ 50 ألف لينفقه على سمومه ..
ضاقت نفسي ولم أعد أطيق أعباء المنزل .. مع كل ذلك لم يكن يعيرنا أي اهتمام إلا إذا نفذ ما بيده من النقود .. فيدخل ويأخذ ما وقعت عليه يده من قُوتنا الذي كان يصلنا من المحسنين ثم يمضي .. تفكرت في أيامي الخالية فكدت أموت حزنا وكمدا وحسرة .. ولكن عزائي بعد هذا العمر الطويل أنني ولله الحمد مؤمنة بالله ..
لم أفقد الأمل .. لم أيأس من روح الله وأدعو الله ليلا ونهارا أن يردَّ لي زوجي ويصلح أولادي ويعيد أيامي السعيدة التي غربت شمسها وأفلت نجومها فلعل فجراً صادق يضيء حياتي من جديد .
من شريط ( عِبرَة وعَبرة ) للرائد / سامي الحمود .