الإعلام الخليجي متهم دائماً بالتطبيل للمؤسسة الرسمية، ويعتقد البعض بأنها حالة خاصة في الخليج، بينما الحقيقة الموثقة تقول شيئاً اخر، فقد كشفت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في دراسة وزعتها سنة 2007، أن دولة عربية دفعت مبالغ محترمة، في الفترة ما بين عامي 2006 و2007 مقابل خمسة وعشرين في المائة من الأخبار والتقارير والتحقيقات المنشورة عنها في ثماني صحف ومجلات تصدر من دولة عربية، ويمكن العودة الى معلومات الشبكة العربية للتأكد، والفساد في الإعلام العربي عام وشامل، طبقاً لإحصاءات الجمعية الدولية للعلاقات العامة في سنة 2002، فقد سجلت الجمعية إقرار 40 في المائة من مكاتب العلاقات العامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأن الافتتاحيات اليومية في الصحافة العربية محايدة ولا يتدخل فيها طرف ثالث، وتبقى ستون في المائة لا يعرف مصيـرها، والمكاتب المذكورة اتفقت وبنسبة 80 في المائة على قبول الصحافيين لعروض السفر المجاني والهدايا، ورأى 60 في المائة أن الصحافيين يوافقون دائماً على نشر أخبار العلاقات العامة مقابل الإعلان في الجريدة، فيما أكد 40 في المائة أن الحبارين يستلمون مبالغ مالية لنشر التصريحات الصحافية في إصداراتهم، وبعض المطبوعات الصحافية تنتزع المال انتزاعاً من جيوب بعض الحكومات العربية، باسم الحرية والديموقراطية ومحاربة الفساد.
بدون شك الإعلام العربي الآن يتحرك في مساحات حرية أوسع مقارنة بالماضي القريب، بل ووصل الأمر الى درجة أن بعض المتفائلين في أوساط الصحافيين العرب تجاوز وخرج باستنتاجات صحيحة جزئياً، على الأقل في السنوات القليلة السابقة وبعد حروب أمريكا الأخيرة، ولكنها غبية كذلك، واعتبر أن الحرية في الإعلام العربي تفوقت على اختها «غير الشقيقة» في الإعلام الأمريكي، وأشار استطلاع للرأي أجرته «بي بي سي» و«رويترز» سنة 2006، بأن 74 في المائة من مواطني دولة عربية يثقون تماماً في إعلامهم، وهذه نسبة انتخابية وليست إحصائية، وتشبه نتائح الانتخابات العربية، ومع كل الاحترام والتقدير لـ «رويترز» و«بي بي سي» لا أستطيع فعلاً فهم أو تفسير نسبة الرضا والثقة المرتفعة جداً، والصحافي العربي لو سلم من الحكومة فلن يسلم من المعارضة، ولو سلم من الحكومة والمعارضة فلن تتركه الجماعات المتشددة أو المتطــــرفة في حاله، ولابد أن تلقنه درساً على طريقتها، ولم أسمع بصحافي عربي انتقد مؤسسة صحافية أو إعلامية وهو يعمل فيها، والنقد، إن وجد، لا يكون إلا بعد إنهاء الخدمة ولتصفية الحسابات الشخصية، بينما الإعلامي في أمريكا ينتقد إعلامه وهو على رأس العمل ولا يجامل ويعترف باخطائه، ولا يعتمد الواقعية السياسية أو الـ «ريالبوليتيك» والمدرسة الأخيرة لها جمهورها الواسع في الصحافة العربية وأخلاقها «مطاطة» والصحافي العربي لا يجد حرجاً في لبس «طاقية صحافية» واخرى «سياسية»، ولا يتردد في إعلان مواقفه وانتماءاته السياسية، ومثل هذا السلوك الصريح والواضح، قد ينهي مستقبل الصحافي في أمريكا، والأمر بالتأكيد لا يشمل الكتاب العاملين من اوكارهم بنظام «القطعة» أو صحافة الرأي...!
الصحافي الذي يعد خبراً أو تقريراً أو تحقيقاً صحافياً أو متلفزاً، ليس مصلحاً سياسياً أو اجتماعياً ولا يفترض أن يدخل انطباعاته أو توجهاته فيما ينشر أو ينقل، والموضوعية مهمة مستحيلة في المنطقة العربية، لأنها محكومة بقيود اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، حتى لو تظاهرت بأنها حرة ونزيهة، والموضوعية في أصلها ومعناها الأمريكي تشترط العـرض المتوازن للقضــــايا دون التصريح أو الانتقــــاص من موقف أو رأي أو شخص أو جماعة باساليب ملتوية أو مباشرة، مثلما يحدث في الإعلام العربي، الذى لا يرى إلا بعين المكاسب السياسية والاقتصادية لملاكه ومعلنيه، ومهما تعارضت هذه المصالح مع البديهيات والابجديات البسيطة والمعروفة في العمل الصحافي.
أيضاً غالبيــة الصحافيين في العالم العربي لا يحملون مؤهلات جامعية، وذكر ديفيد ويفر وزملاؤه في اصدارهم: الصحافة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين(2007) أن تسعة وثمانين في المائة من الصحافيين في الولايات المتحدة لديهم مؤهلات جامعية، كما كتب ثيو دولن ومارك وايتهاوس (2006) بأن كبار المحررين في جريدة عربية يأخذون نسبة من إجمالي الإعلانات المنشورة في جريدتهم، وأن الرواتب الشهرية لاهل الصحافة في بلد الجريدة، لاتتجاوز في أحسن الأحوال مئـات قليلـــــة من الدولارات شهرياً، وهما يفترضان بعد قـــراءة المشهد الصحافي في الدولة المقصودة، استحالة وجود حياد في الخط التحريري للجريدة، لأن وجـوده سيضر حتماً بعلاقتها مع المعلن ويقطع عنهـــا الإمدادات، والاكسجين اللازم لدورة الحياة الصحافية، ومتـــوسط أجور معظم الصحافيين العرب، العاملين بنظام الدوام الكامل، كما قرأت، في حـدود ألف دولار أو أقل شهـرياً، ونخبة محـــــدودة جداً لا تقبل التعميم تقبض أكثر من سبعة آلاف دولار شهرياً، وهذه الأرقام المتواضعة قد تجبر الصحافي صاحب المسؤوليات الأسرية الكبيرة على الانحــــــراف رغماً عن أنفه، والواجب أن تعمل المؤسسات والهيئات الصحافية في العالم العربي، على معالجة المشكلة المالية للصحافي وتغطي مصاريف السفر والتكليفات حتى يعمل الإعلامي في جو صحي ومريح يحرك أخلاقه ولا يحرك غريزته البدائية وجيبه الفارغ، وليتهم يتخلصون من حملة الشهادة الابتدائية ومحدودي التعليم، أما الضغوط والقيود فـ«حلها» عند «أهلها» وهم أعلم بها من غيرهم...!