بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مواصلة مع موضوع ( سلسلة الصحابة ) ، نحاول في هذا العدد أن نواصل الحديث عن سيرة عظماء التاريخ الاسلامي من صحابة الرسول (ص) ، واكثرهم شهرة ، ونتعرف في هذا العدد بمن كان له الشرف العظيم في أن يكون راوي النبي (ص) ووارث لعلمه ، إنه الصحابي الجليل :راوي أحاديث الرسول
ابو هريرة
إنه الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه - ، كان اسمه قبل إسلامه عبد شمس ، فلماشرح الله صدره للإسلام سماه الرسول عبد الرحمن ، وكناه الصحابة بأبي هريرة ، ولهذه الكنية سبب طريف ، حيث كان عبد الرحمن يعرف بعطفه الكبير على الحيوان، وكانت له هرة(قطة) يحنو عليها ، ويطعمها ، ويرعاها، فكانت تلازمه وتذهب معه في كل مكان ، فسمي بذلك أبا هريرة ، وكان رسول الله (ص) يدعوه أبا هريرة، فيقول له: (خذ يا أبا هريرة) [البخاري. ولما سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال أبو هريرة لأني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة . وقد ولد أبو هريرة في قبيلة دوس (إحدى قبائل الجزيرة) ، باليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لأهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالإسلام على يدالطفيل بن عمرو . فهاجر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه أربع سنوات في حله وترحاله. وكان يسمى فيما بعد بسيدالحفاظ .قصة إسلامه وبعض كراماته :فيما يحكىأن " أبا هريرة " أسلم عام فتح خيبر (سنة 7ه) ، ومنذ إسلامه كان يصاحب النبي ويجلس معه وقتًا كبيرًا؛ لينهل من علمه وفقهه ، وحاول أبو هريرة أن يدعو أمه إلى الإسلام كثيرًا ، فكانت ترفض ، وذات يوم عرض عليها الإسلام فأبت ، وقالت في رسول الله كلامًا سيِّئًا ، فذهب أبوهريرة إلى الرسول ، وهو يبكي من شدة الحزن ، ويقول: يا رسول الله، إنى كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهى مشركة، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله (ص) : (اللهم أهد أم أبي هريرة)، فخرج أبو هريرة من عندالرسول فرحًا مستبشرًا بدعوة نبي الله ، وذهب إلى أمه ليبشرها ، فوجد الباب مغلقًا ،وسمع صوت الماء من الداخل ، فنادت عليه أمه ، وقالت: مكانك يا أبا هريرة ، وطلبت ألايدخل حتى ترتدي خمارها، ثم فتحت لابنها الباب ، وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.فرجع أبو هريرة إلى الرسول يبكي من الفرح ، ويقول: يا رسول الله أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة ، فحمد الرسول ربه ، وأثنى عليه وقال خيرًا، ثم قال أبو هريرة: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، فقال رسول الله : (اللهم حبّبْ عُبَيْدَك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين)، قال أبو هريرة: فماخلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. [مسلم].زواجه : وقد أكرم الله أبا هريرة نتيجة لإيمانه وإخلاصه لله ورسوله ، فتزوج من سيدة كان يعمل عندها أجيرًا قبل إسلامه، وفي هذا يقول : نشأتُ يتيمًا ، وهاجرت مسكينًا ، وكنت أجيرًا عند بسرة بنت غزوان بطعام بطني ، فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدواإذا ركبوا (أي أمشى أجر ركائبهم)، فزوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين نقوامًا ، وجعل أبا هريرة إمامًا. بعض من ملامح شخصيته ومكانته العلمية : وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحب الجهاد في سبيل الله، فكان يخرج مع المسلمين فيا لغزوات ، وكان يواظب على جلسات العلم ويلازم النبي ، فكان أكثر الصحابة ملازمة للنبي وأكثرهم رواية للأحاديث عنه ، حتى قال عنه الصحابة: إن أبا هريرة قد أكثرالحديث ، وإن المهاجرين والأنصار لم يتحدثوا بمثل أحاديثه، فكان يرد عليهم ويقول : إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم ، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق (التجارة) ، وكنت ألزم رسول الله على ملء بطني، فأشهد إذا غابواوأحفظ إذا نسوا.ولقد قال رسول الله يومًا: (من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئًا سمعهمني، فبسطت ثوبي حتى قضى من حديثه، ثم ضممتها إليَّ، فما نسيت شيئًا سمعته منه) [مسلم]، ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئًا أبدًا {إن الذين يكتمونما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التوابالرحيم } [البقرة: 159- 160]..وكان لأبي هريرة -رضي الله عنه- ذاكرة قوية قادرةعلى الحفظ السريع وعدم النسيان، قال عنه الإمام الشافعي - رحمه الله - : إنه أحفظ منروى الحديث في دهره . وقال هو عن نفسه : ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثًاعنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب. وكان يحب العلم ، فكان طلابه يقبلون عليه، حتى يملئوا بيته، كما كان مقدرًا للعلم، فذات يوم كان ممددًا قدميه فقبضهما ثم قال: دخلنا على رسول الله حتى ملأنا البيت وهو مضطجع لجنبه ، فلما رآنا قبض رجليه ثم قال: (إنه سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم، فرحبوا بهم وحيُّوهم وعلموهم) [ابن ماجه]..وكان أبو هريرة شديدالفقر، لدرجة أنه كان يربط على بطنه حجرًا من شدة الجوع ، وذات يوم خرج وهو جائع فمربه أبو بكر -رضي الله عنه-، فقام إليه أبو هريرة وسأله عن تفسير آية من كتاب الله ، وكان أبو هريرة يعرف تفسيرها ، لكنه أراد أن يصحبه أبو بكر إلى بيته ليطعمه، لكن أبابكر لم يعرف مقصده، ففسر له الآية وتركه وانصرف ، فمر على أبي هريرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - فسأله ففعل معه مثلما فعل أبو بكر.ثم مر النبي (ص) فعلم ما يريده أبو هريرة فقال له النبي : (أبا هريرة)، فقال: لبيك يا رسول الله، فدخلت معه البيت ،فوجد لبنًا في قدح، فقال : (من أين لكم هذا؟) قيل: أرسل به إليك. فقال النبي : أباهريرة، انطلق إلى أهل الصفة (الفقراء الذين يبيتون في المسجد) فادعهم، فحزن أبوهريرة، وقال في نفسه: كنت أرجو أن أشرب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي،ثم قال في نفسه: لابد من تنفيذ أمر الرسول ، وذهب إلى المسجد، ونادى على أهل الصفة فجاءوا، فقال في نفسه: إذا شرب كل هؤلاء ماذا يبقى لي في القدح ، فأتوا معه إلى بيت النبي، فقال له النبي : (أبا هر، خذ فأعطهم)، فقام أبو هريرة يدور عليهم بقدح اللبن يشرب الرجل منهم حتى يروى ويشبع، ثم يعطيه لمن بعده فيشرب حتى يشبع ، حتى شرب آخرهم ، ولم يبق في القدح إلا شيء يسير، فرفع النبي (ص) رأسه وهو يبتسم وقال: (أبا هر) قلت : لبيك يا رسول الله ، قال: (بقيت أنا وأنت) قلت: صدقت يا رسول الله، فقال الرسول: (فاقعد فاشرب) قال أبو هريرة: فقعدت فشربت ، فقال: (اشرب) . فشربت، فمازال النبي يقول لي اشرب فأشرب حتى قلت : والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغًا(مكانًا) ، فقال النبي : (ناولني القدح) فأخذ النبي القدح فشرب من الفضلة. [البخاري]. .وكان أبوهريرة - رضي الله عنه - ناصحًا للناس؛ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وبينما كان يمر بسوق المدينة رأى الناس قد اشتغلوا بالدنيا ، فوقف في وسط السوق وقال : يا أهل السوق: إن ميراث رسول الله يقسم وأنتم هنا، ألا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه! فقالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فأسرع الناس إلى المسجد ثم رجعوا إلى أبي هريرة فقال لهم: ما لكم رجعتم؟! قالوا: يا أبا هريرة، قد ذهبنا إلى المسجد، فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئًا يقسم! فقال: وماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرءون القرآن ،وقومًا يذكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: فذاك ميراث محمد، وقد قال البخاري روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر .وفاته : وعاش أبو هريرة لا يبتغي من الدنيا سوى رضا الله وحب عباده من المسلمين حتى حضرته الوفاة ، فبكى شوقًا إلى لقاء ربه، ولما سئل : ما يبكيك ؟ قال : من قلة الزاد وشدة المفازة ، وقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحبب لقائي . وتوفي - رضي الله عنه- بالمدينة سنة (59 هـ)، وقيل سنة (57هـ)، وعمره (78) سنة، ودفن بالبقيع بعدما ملأ الأرض علمًا ،وروى أكثر من (5000) حديث . اللهم إنا نتوسل إليك بك ونقسم عليك بذاتك أن ترحم وتغفر وتفرج كرب معدها وقارئها ومرسلها وناشرهاوآبائهم وأمهاتهم وأن ترزقنا صحبة النبي (ص) في الجنة ولا تجعل منا طالب حاجه إلا أعطيته إياها فأنك ولى ذلك والقادر عليه وصلى اللهم وسلم على حبيبك ونبيك محمد (ص) .
أمين.... آمين ... آمين
والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته