بداية التزام الشيخ عائض
السؤال: تمر على الشاب فترات يتقلب فيها بين الصلاح وغيره، فمتى
كانت بداية التزامك ومن أثَّر عليك؟
الجواب: الذي أعرفه من نفسي أنني عادي في أموري، عادي في الذكاء
والالتزام، وعادي في الحماس وفي التوجه، ولكن مجتمع القرية -على كل حال- أسلم
بكثير من مجتمع المدن قبل سنوات لا توجد امرأة فيما أعلم متبذلة
مع أن الحجاب عندهم كان هو هذا الحجاب الذي هو رأي لبعض أهل العلم ألا يغطى
الوجه، لكن الآن أصبح يغطى الوجه والكفان، فلم تكن امرأة
متبذلة مع أنَّ عند بعض النساء قلة دين؛ لكن هناك
مروءة، ونخوة قبلية، وأنفة، وكذلك لم يكن هناك مغريات وأجهزة إعلام تنساب بهذا
الركام وهذا الزيف، ولم يكن هناك صور خليعة، ولا جلسات البلوت ولا
الباصرة، ولا مقاهي تستضيف حملة السيجارات ولا الأغاني، إنما كان عندنا المسجد
والبيت والمزرعة، فكنا بين هذه الثلاثة وربما اجتمعنا مع أهل القرية في
جلسة سمر أو جلسة في العصر يتذاكرون ما لذ من الأخبار وأخبار
الآباء والأجداد، وما جرى بين القبائل وقصائد وأشعار
وأسمار ومن هذا القبيل.
فبدأت على هذا المنوال، ولكني لما وصلت إلى الرياض تأثرت
ببعض الإخوة وببعض الأساتذة، وأكثر ما أظن أنه أثر في مساري كثرة القراءة في كتب
السلف وخاصة تراجم السلف الصالح يوم طالعت تراجم الصحابة مثل: كتاب رجال حول الرسول
لـخالد محمد خالد ، وأنا يعجبني هذا الكتاب ولي عليه ملاحظتان:
في ترجمة أبي ذر ملاحظة، وفي عدم توثيق النصوص أخرى، لكن أسلوبه عجيب
وأخاذ، وقد أثر فيَّ تأثيراً بالغاً حتى كأني أعيش مع الصحابة، ولا بأس أن
يطالع ويستفاد منه لأسلوبه العظيم ولطرحه العجيب، وكذلك
بعض التراجم، فأظن أن من ما أثر فيَّ التراجم، ثم ولعت
وبصراحة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف لي، وطالعت في كتاب الرسول
صلى الله عليه وسلم لـسعيد حوى ولي عليه ملاحظات، وقد استفدت منه كثيراً، ثم طالعت
السيرة لـابن هشام ، وأحسن ما أعجبني في هذا الباب زاد المعاد
لـابن القيم ، فإنه من أحسن ما دبجت يد مسلم، فغفر الله لذاك الإمام
العظيم، وأنا أنصح بهذا الكتاب.
وعلى كل حال؛ فسيرته صلى الله عليه وسلم وافية حتى كنت أفرح -والله- إذا ذكر في
المجلس، وإذا ذكره بعض المشايخ، وقد كنت أصلي في الرياض وأنا في
السنة التمهيدية وأنا مع الشيخ: محمد الراوي فكان إذا ذكر شيئاً من السير
لا أملك دموعي وأنا جالس بين المصلين، خاصة إذا ذكر الرسول
صلى الله عليه وسلم، وعظمته، وزعامته، وإصلاحه في
العالم ونوره، وإشراقه، وتعجبني لفتات سيد قطب إذا ذكر الرسول
عليه الصلاة والسلام في الظلال أيما عجب! لأنه يعرضها بأسلوب عصري بديع، ثم
يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم بحرارة، وبشوق، وبلوعة،
هذا مما أظن أنه في بداية الالتزام، وأنا أسأل
الله أن يزيدني وإخوني التزاماً وتوفيقاً وهداية ورشداً، وأن يثبتنا حتى نلقاه.......
حفظ الشيخ عائض للقرآن وما حفظ من السنة
السؤال: كما تعلم أن القرآن والسنة زاد الداعية، فكم تحفظ من
القرآن؟ وهل تحفظ كتاباً في السنة؟ وكم كررته؟
الجواب: بدأت في المهد أحفظ في القرآن، وقد حفظت في
المهد ما يقارب من ثمانية أجزاء، ولما عدت إلى الكلية، قلت: لا
بد من حفظه جميعاً، فمن بداية أولى أصول الدين بدأت في حفظه حتى انتهيت إلى
الثالثة في نهاية حفظه، ولكني أقول: أنا لا أحفظ القرآن
جميعاً حفظاً ترضى به النفس، ويطمئن إليه القلب، لأن
الحافظ هو الذي يقرأ من أي مقطع في أي وقت كان ويستذكر، أما أنا
فالمقطع الذي أريد أن أصلي به في الناس لا بد أن أكرره قبل الصلاة في
الغالب، فقد حفظت القرآن؛ ولكني أحتاج إلى مراجعته، وأحتاج إلى
أن أعود إليه وأن أثبته؛ لأني شغلت عنه وإن كان لي
ورد يومي ولكنه لا يكفي؛ فإن المشاغل كثيرة، وبعض الطلبات، والمحاضرات، والجلوس
مع الأحبة، وأشغال الدنيا تلهي عنه، فعندي منه خير، والذي يهمني كثيراً في
القرآن أن أعمل به، وأطبق تعاليمه، وأن أعيشه في حياتي وسلوكي.
وأما الحديث؛ فالحمد لله يعلق بذهني شيء كثير، ولو أني ما تعمدت حفظ
كتاب بعينه، حاولت في الجمع بين الصحيحين واللؤلؤ والمرجان مرة، ولكن ما
اصطبرت على ذلك، ولكن -والحمد لله- يعلق بالذهن كثيراً من
كثرة ما أراجع وكثرة ما أُحَضِّر؛ لأني ألزمت نفسي بدرس
كل صباح -من قريب- مع بعض الإخوة في شرح المسند ، فهذا ينفع كثيراً في تذكر
الأحاديث، والتدريس في الكلية كله في متون الأحاديث، والمحاضرات لا
بد أن يعاد إلى الأحاديث قبل إلقائها قبلها، وكثرة القراءة في الحديث،
ولذلك يعلق بالذهن كثير ولله الحمد والمنة.......
بداية تأليفه الشعر وأول قصيدة قالها
السؤال: عرفك الناس شاعراً، فيا ترى كيف كانت بدايتك في الشعر؟
وما هي أول قصيدة قلتها وهل تذكر منها شيئاً؟
الجواب: الحمد لله، أنا أقول الشعر، والشعر قد يكون
نعمة أو نقمة، نعمة: إذا قُصِدَ به طاعة الله وكان في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى،
ونقمة: إذا كان مجوناً وسخفاً وعبثاً ولعباً -والعياذ بالله- وإذا كان زندقة فهذا
كفر.
فأنا أقول الشعر وأهواه وأحبه كثيراً، وأحفظ فيه من أجمل المقطوعات، وأنا
أعزم مع بعض الأحبة -إن شاء الله- جمع بعض الأشرطة والكتيبات اسمها من أعذب الشعر،
أو الأدب الذي نريده، ليكون عوضاً عن هذه السخافات والركام الذي في الساحة التي
رزحت به، ركام يعرض وركام يستمع إليه وركام يطالع، يقول أحدهم
في قصيدة حداثية:
أنا ذبابة ليمون أطير من شجرة إلى شجرة
قلنا: اللهم حوالينا ولا علينا،
اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا، اللهم لا تزغ قلوبنا.
والآخر نبطي يقول:
يا ونتي الونيت يوم صليت ونت وطارت وراء حمامة
قلت: أين هذا؟ وأين هذه المدلولات من
أبيات الشعراء ومقطوعاتهم التي رأيناها في كتبهم ودواوينهم التي تستحق الإجلال؟
فليتها تفضى على الناس، وليتها تفرغ لتعيها القلوب، ويحفظها الخطباء، ويتهدرون بها
على المنابر، وتذكر في الجلسات، ويحفظها الشباب في المخيمات لكانت لهم بعد القرآن
والسنة زاداً.
وعلى كل حال؛ فإن لكل بداية نهاية فإن العبرة بتمام النهايات
لا بنقص البدايات، بدأت في معهد الرياض في أولى متوسط وثاني متوسط ببعض القصائد،
وفي ثاني متوسط أذكر أنه جاءنا معهد لعله معهد الجوف زيارة، فكلفوني بنظم قصيدة،
فنظمت قصيدة فجعلتها مثل فهرس، توفي الأمير فيصل رحمه الله في
تلك الفترة فرثيته في القصيدة، ورحبت بمعهد الجوف، وأثنيت على معهد الرياض،
ودعوت الشباب إلى الالتزام، وذكرت العلم والعلماء، فكانت
شبه فهرس، وهي ضعيفة البنية سقيمة المعاني، لكن
أوهمني الأساتذة في معهد الرياض أني متنبي العصر!! فظننت أنني
كما قالوا، وهم يريدون تشجيعي فمنها.
لك يا معهدي الأجل سلامي عامر الود والتحايا أمامي
جئتك اليوم نافضاً عن إهابي أسأل الجهل والأماني أمامي
فكان أهم شيء أن تختم بالميم، وأما المعاني فيضحك منها عجائز نيسابور !......
أول موعظة ألقاها الشيخ عائض
السؤال: هل تذكر أول موعظة قلتها وفي أي مسجد
كانت؟
الجواب: أول موعظة فيما أذكر في مسجد في حي المرقب في الرياض ، وكان معي في
النشاط الشيخ: صالح السحيباني ، وهذه الموعظة في وفاته عليه الصلاة والسلام،
واكتشفت فيما بعد أن الموعظة مكذوبة وموضوعة وليست بصحيحة، قرأتها
من كتاب مكذوب، فقمت أمام الناس بعد صلاة المغرب فقبضت المكرفون وأخذت
أتحدث، وأخذت أرجلي ترتعش بجانب الإمام؛ لأنها أول مرة، والمسجد
كبير، والمصلون مزدحمون، فكنت أتكلم وأنظر في السقف
وما نظرت إلى مصلِّ حتى انتهيت من شدة الخوف والوجل، وكانت أي
كلمة تخرج من لساني أخرجها بحول الله، فأتيت إلى قصة عكاشة أو عكَّاشة
-واللفظان صحيحان- فأتيت بها فاضطربت مرةً أقول: عكاشة ،
ومرة بلال ، ومرة معاوية ؛ فأصبح الناس في حيص بيص ما
يدرون بماذا يخرجون؟ لكن كنت أتعمد رفع صوتي؛ لأنني ظننت أن الموعظة هي الصوت، حتى
انتهيت وأنا وجل خائف خوفاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، والعرق يتصبب، وما
أدري ماذا قال الناس؟ لأنني ما التفت إلى أحد، ثم خرجت من الباب
الجانبي للمسجد.......