بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصيدة: تفيض عيوني بالدموع السواكب
قصيدة مباركة من روائع قصائد الإمام الداعية الناصح عبد الله بن علوي
الحداد، تحدث فيها بلسان الذل والإنكسار والخضوع لجلال الله، والاعتراف
بالذنب والتقصير، يلفت فيها النظر إلى أحوال كثير من المؤمنين في تعاملهم
مع رب العالمين تبارك وتعالى. وتتضمن الكثير من الدروس والعبر المهمة التي
يحتاجها العبد ليصل إلى رضوان الله عز وجل.
تَفِيضُ عُيُونِي بِالدُّمُوعِ السَّواكِبِ … ومَالِِيَ لاَ أَبْكِي عَلَى خَيْرِ ذَاهِبِ
عَلَى الْعُمْرِ إِذْ وَلَّى وَحَانَ انْقضَاؤُهُ … بِآمَالِ مَغْرُورِ وَأَعْمَالِ نَاكِبِ
عَلَى غُرَرِ الأْيَّام لَمَّا تَصَرَّمَتْ … وَأَصْبَحْتُ مِنْهَا رَهْنَ شُؤْمِ الَمكَاسِب
عَلَى زَهَرَاتِ الْعَيْشِ لَمَّا تَسَاقَطَتْ … بِرِيحِ الأْمَانِي وَالظُّنُونِ الْكوَاذِبِ
على أشرف الأوقات لمَّا غَبِنْتُها … بأسواقِ غَبنٍ بينَ لاهٍ ولاعِبِ
عَلَى أَنْفَسِ السَّاعَاتِ لَمَّا أََضَعْتُهَا … وَقَضَيْتُهَا في غَفْلَةٍ وَمَعَاطِبِ
عَلَى صَرْفِي الأْيَّامَ فِي غَيْرِ طَائِلٍ … وَلا نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ فَضْلٍ وَوَاجَبِ
عَلَى مَا تَوَلَّى مَنْ زَمَانْ قَضَيتُه … وَزَجَّيْتُه فِى غَيْرِ حَقٍّ وَصَائِبِ
عَلَى فُرَصٍ كَاَنتْ لَوَ أنِّى اْنتَهَزْتُهَا … لَقَدْ نْلِتُ فِيها مِنْ شَرِيفِ المَطَالِبِ
وَإحْيَاءِ آناءٍ مِنَ الدَّهْرِ قَدْ مَضِتْ … ضَيَاعاً وَكَانَتْ مَوْسِماً لِلرَّغَائِبِ
عَلَى صُحُفٍ مَشْحُونَةٍ بِمَآثِمِ … وَجُرْمٍ وَأَوْزَارٍ وَكَمْ مَنْ مَثَالِبِ
عَلَى كَمْ ذُنُوبٍ كَمْ عُيُوبٍ وَزلَّةٍ … وسَيِّئةٍ مَخْشِيَةٍ فِي الْعَوَاقِبِ
عَلَى شَهَوَاتٍ كَانَتْ الَّنْفسُ أَقْدَمَتْ … عَلَيْهَا بِطَبْعٍ مُسْتَحِثٍّ وَغَالِبِ
عَلَى أَنَّنِي آثَرْتُ دُنْيَا دَنيَّةً … مَنَغَّصَةً مَشْجونَةً بِالمْعَائِبِ
عَلَى عَمَلٍ لَلْعِلْمِ غَيْرِ مُوَافِقٍ … وَمَا فَضْلُ عِلْمٍ دونَ فَعْلٍ مُنَاسِبِ
* * *
عَلَى فِعْلِ طَاعَاتْ بِغَيْرِ تَوَجُّهٍ … وَمِنْ غَيْرِ إِخْلاَصٍ وَقَلْبٍ مُرَاقِبِ
أُصَلّي الصَّلاَةَ الخَمْسَ وَالْقَلْبُ جَائِلٌ … بأوْدِيَةِ الوَسْوَاسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
على أنني أتلو القرآنَ كتابَهُ … تَعَالى بقلبٍ ذَاهِلٍ غيرِ رَاهِبِ
على أنني قد أذكرُ اللهَ خالقي … بغير حضورٍ لازمٍ ومصاحِبِ
عَلَى طُوْلِ آمالٍ كَثِيرٌ غُرُوُرهَا … ونِسْيانِ مَوْتٍ وَهْوَ أَقْرَبُ غَائِبِ
علَى أَنَّنِي لاَ أَذْكُرُ القَبْرَ وَالْبِلَى … كَثِيراً وَسَفْراً ذَاهِباً غَيْرَ آيِبِ
عَلَى أَنَّنِي عَنْ يَوْمِ بَعْثِي وَمَحْشَرِي … وَعَرْضِي وَمِيزَانِي وَتِلْكَ المَصَاعِبِ
مَوَاقِفُ مِنْ أَهْوَالِهَا وَخُطُوبِهَا … يَشِيبُ مِنَ الوِلْدَانِ شَعْرُ الذَوَائِبِ
تَغَافَلتُ حتى صِرْتُ مِن فَرطِ غَفْلَتي … كأنَّي لا أَدْري بِتِلكَلمَرَاهِبِ
عَلَى النَّارِ أَنِّى مَا هَجَرْتُ سَبِيلَهَا … وَلاَ خِفْتُ مِنْ حَيَّاتِها وَالْعَقَارِبِ
عَلَى السَّعي لِلْجَنَّاتِ دَارِ النَّعِيمِ وَالـ … ـكَرَامَةِ وَالزُّلْفَى وَنَيلِ الْمآرِبِ
مِنَ الْعِزِّ وَالْملُكِ المُخَلَّدِ وَالبَقَا … وَمَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ مِنْ كلِّ طَالِبِ
وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا رِضَا الرَّبِ عَنْهُمُ … وَرُؤْيَتُهْم إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِبِ
فَآهاَ عَلَى عَيْشِ الأَحِبَّةِ نَاعِماً … هَنِيئاً مُصَفَّى مِنْ جِمَيعِ الشَّوَائِبِ
وَآهاً عَلَينا فِى غُرُورٍ وَغَفْلَةٍ … عَنِ الْمَلإِ الأَعْلَى وَقُرْبِ الحَبَائِبِ
وَآهاً عَلَى مَا فَاتَ مِنْ هَدْي سَادَةٍ … وَمِنْ سِيَرٍ مَحْمُودَةٍ وَمَذَاهِبِ
* * *
عَلَى مَا لَهمْ مِنْ هِمَّةٍ وَعَزِيمَةٍ … وَجدٍّ وَتَشمِيرٍ لنَيلِ المراتِبِ
عَلَى مَا لَهمْ مِنْ عفَّةٍ وفتوَّةٍ … وزهدٍ وتجريدٍ وقطع الجواذبِ
عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ عُزْلةٍ وَسِيَاحَةٍ … بِقَفْرِ الفَيَافِي وَالرِمَالِ السَّبَاسِبِ
عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ صَوْمِ كُلِّ هَجِيرَةٍ … وَمِنْ خَلْوَةٍ بِاللهِ تَحْتَ الغَيَاهِبِ
عَلَى الصَّبْرَ والشُكْرِ اللَّذْينِ تَحَقَّقا … وَصِدْقِ وَإِخْلاَصٍ وَكَمْ مِنْ مَنَاقِبِ
عَلَى مَا صَفَا مِنْ قُرْبِهِمْ وَشُهودِهِمْ … وَمَا طَابَ مِنْ أَذْوَاقِهِمْ وَالمَشَارِبِ
فَكَمْ بِفُؤَادِي مِنْ غَلِيلِ وَمِنْ أَسَى … وَمِنْ حَسَرَاتٍ مُتْعِبَاتٍ غوَالِبِ
وَكَمْ مِنْ دُمُوعٍ فِي الْخُدودِ أُسِيلُهَا … تَجُودُ بِهَا سُحْبُ العُيُونِ السَوَاكِبِ
وَلَوْ أَنَّنِي أَبْكِى الدُّمُوعَ وَبَعْدَهَا … الدِّمَاءَ عَلَى مَا فَاتَنِي يَا مُعَاتِبِي
لَكَانَ قَلِيلاً منْ كَثِيرٍ وَمَا عَسَى … يَرُدُّ البُكَا مِنْ ذَاهِبٍ أَيِّ ذَاهِبِ
فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ جَلاَلُهُ … وَقُدْرَتُهُ فِي شَرْقِهَا وَالمَغَارِبِ
إِلَيْهِ مَآبِي وَهَوَ حَسْبِي وَملْجَئِي … وَلِى أَمَلٌ فِي عَطْفِهِ غَيْرُ خَائِبِ
وَأَسْأَلُهُ التّوْفِيقَ فِيمَا بَقِي لِمَا … يُحِبُّ وَيَرْضَى فَهْوَ أَسْنَى المْطَالِبِ
وَأَنْ يَتَغَشَّانَا بِعَفْوٍ وَرَحْمَةٍ … وَفَضْلٍ وَإِحْسَانٍ وَسَتْرِ المَعَايِبِ
وَأَنْ يَتَوَّلاَّنَا بِلُطْفٍ وَرَأْفَةٍ … وَحِفْظٍ يَقِينَا شَرَّ كُلِّ المَعَاطِبِ
وَأَنْ يَتَوَفَّانَا عَلَى خَيْرِ مِلَّةٍ … عَلَى مِلَّةٍ الإِسْلاَمِ خَيْرِ المَوَاهِبِ
مُقِيميِنَ لِلْقُرْآنِ وَالسَّنَّةِ التِي … أَتَانَا بِهَا عَالِي الذُّرِى وَالمَرَاتِبِ
( مُحَمَّدٌ ) الهَادِي البَشِيرُ نَبِيُّنَا … وَسَيِّدُنَا بَحْرُ الهُدَى وَالمَنَاقِبِ
عَلَيهِ صَلاَةُ اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ … وَآلٍ وَأَصْحَابٍ لَهُ كَالْكَوَاكِبِ