هذا تقرير نشره موقع "إسلام أون لاين" كتاب "ما هي السلفية" الذي ألفه
نخبة من الباحثين الفرنسيين، أنقله هنا للإطّلاع.. والله الموفق.
http://www.islamonline.net/servlet/S...wa%2FDWALayout
السلفية... رؤى فرنسية
معاذ محمود
"ما هي السلفية؟"، كتاب جماعي صدر بالفرنسية في آخر 2008 تحت إشراف الباحث
المتخصص في شئون الشرق الأوسط برنارد روجيه.. تنبع أهمية الكتاب -كما يقول
روجيه في المقدمة- من الاهتمام المتزايد في الدوائر الغربية بالسلفية بعد
أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غير أن تناول تلك الظاهرة في الإعلام يتسم
بالسطحية الشديدة لعدم تمكن معظم الإعلاميين والباحثين من الموضوع، وهو ما
حدا بهذه المجموعة من الباحثين إلى الشروع في هذا المشروع الطموح.
يتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أقسام رئيسية، وقد تناولت المقدمة التي
كتبها روجيه تعريف السلفية وأبرز اتجاهاتها، فيما تناولت الأقسام الثلاثة
واقع الحالة السلفية في بلدان العالم العربي وفرنسا بالدراسة والتفسير.
السلفية.. المفهوم والاتجاهات
يحاول
برنارد روجيه في المقدمة تقديم تعريف للسلفية وظروف نشأتها والفرق بينها
وبين التيارات الأخرى التي تزاحمها في ساحة العمل الإسلامي، فيشرع في رحلة
إلى الماضي، بداية من وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والظروف التي
أدت إلى الشروع في تدوين الأحاديث الشريفة، ثم ينتقل بعدها إلى الجدل
الفكري اللاهوتي في العصر العباسي بين المعتزلة وابن حنبل، وبعد ذلك يقفز
إلى التراث الفكري لابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب ليصل بعد ذلك إلى
السلفية في وقتنا الحاضر، والتي يصنفها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:
1- "السلفية النصية" التي تدعو إلى الانكباب على النصوص الدينية
من قرآن وسنة وترفض كل أشكال المشاركة السياسية، وهو ما يفسر عداء ذلك
التيار للإخوان المسلمين، غير أن هذا العداء المبدئي تجاه الممارسة
السياسية قد يقترن أحيانا بموقف أكثر تصالحا تجاهها طالما كان ذلك من أجل
تحجيم نفوذ الإخوان المسلمين، كما هو حاصل في الكويت على سبيل المثال،
ويتماهى هذا الاتجاه أحيانا بشكل كامل مع الوهابية، وإن كان يضم تيارات
معادية لنظام الحكم في المملكة العربية السعودية، وهذا الاتجاه وإن كان
يدين الإرهاب بكل أشكاله ضد الغرب، إلا أنه يحمل نظرة سلبية جدا تجاه
البلدان والمجتمعات الغربية بشكل عام. 2- السلفية الإصلاحية (السرورية)
ويجسدها في المملكة العربية السعودية تيار الصحوة الذي ظهر في نهاية
الثمانينيات، وينحاز هذا التيار لقراءة سياسية للعالم، وهو ما يعكس تأثره
بفكر الإخوان المسلمين، وقد وجه علماء ذلك التيار نقدا لاذعا للسياسات
الأمريكية وما يرونه من تواطؤ حكام المنطقة معها، كل ذلك بلغة سهلة في
متناول الجمهور العريض، عكس الأدبيات السلفية التقليدية. 3- السلفية
الجهادية التي تضع الجهاد على رأس أولوياتها، وتطالب المسلمين بالخروج على
الحاكم إذا فرط في أمور الدين.. الخلاف الرئيسي الذي يقسم هذا التيار يدور
حول مستوى الجهاد، وهل يجب أن يقتصر على الجبهة المحلية، أم يجب أن يمتد
لكل أرجاء العالم، ويمثل تنظيم القاعدة ذلك التيار بامتياز.
مسارات السلفية
جاء
القسم الأول من الكتاب تحت عنوان "مسارات السلفية: من صحراء الجزيرة
العربية إلى الفضاء الافتراضي"، ويبدأ ببحث لديفيد كومنز، أستاذ تاريخ
الشرق الأوسط بجامعة ديكنسون، عن السلفية في المملكة العربية السعودية،
حيث يعزو نشأة السلفية إلى الدعوة الوهابية التي ظهرت في القرن الثامن عشر
ليشرح عوامل نشأة الوهابية وطبيعة تلك الدعوة، ثم الظروف التي أدت إلى
تحالف الوهابية مع آل سعود، ويعرض الباحث المراحل المختلفة التي مر بها
هذا التحالف الثنائي مع تسليط الضوء على المرحلة الأخيرة التي بدأت مع
تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932، حيث اتسمت تلك المرحلة
بانفتاح نسبي للمملكة على العالم الخارجي وفتح أبوابها لمن تصفهم الوهابية
بالمشركين، وبحسب كومنز فإن المؤسسة الدينية أصبحت الطرف الأضعف في تلك
العلاقة بعد أن تم إدماج شيوخ الوهابية في جهاز الدولة، وهو ما أضعف كثيرا
من مكانتهم في المجتمع.
ويرى الباحث أن التناقض بين التوجه الغربي المنفتح للعائلة الحاكمة
ومحافظتها على تطبيق الوهابية بشكل صارم في الداخل كان لا بد أن يتفجر،
وهو ما حدث فعلا في أحداث الحرم المكي في عام 1979، وكان الغزو السوفيتي
لأفغانستان فرصة لتنفيس الاحتقان الديني الداخلي وتصدير المشكلة للخارج،
فسمحت السلطات السعودية للشباب السعودي بالمشاركة في الجهاد الأفغاني
وقامت بتمويله بسخاء، وهو ما جعل الانسحاب السوفيتي في 1989 بمثابة نصر
كبير لنظام الحكم في المملكة من أجل ترميم شرعيته، وما إن انتهى فصل
الجهاد الأفغاني حتى وجد آل سعود أنفسهم أمام اختبار أكثر تعقيدا حين قام
صدام حسين بغزو الكويت في 1990 وقرر الملك فهد الاستعانة بالجيش الأمريكي،
وأدى إصدار المؤسسة الدينية الرسمية، بضغط من نظام الحكم، فتوى تبيح
استعانة ولي الأمر بالأجنبي إلى صدع كبير في شرعية ومصداقية تلك المؤسسة،
وهو ما سيؤدي لاحقا إلى ولادة سلفية جدية بعيدة عن التقليد الوهابي.
ثم ينتقل الباحث إلى العلاقة بين الوهابية وباقي التيارات السلفية، فيذكر
أن المرحلة الأولى من السلفية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، ويمثلها
محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وغيرهم، كانت تتسم بالتقدمية والانفتاح
والرغبة في تحديث الإسلام واستيعابه لكل العلوم الحديثة، وذلك وفق ما يرى
الباحث هو ما يفسر النظرة السلبية لأولئك الإصلاحيين للوهابية أسيرة
الطقوس والشعائر، ذلك البعد الإصلاحي كان حاضرا أيضا لدى الإخوان المسلمين
الذين كانوا يتعاطون السياسة عكس الوهابيين، غير أن ذلك لم يمنع التيارين
من أن يتعاونا بعد نزوح كثير من الإخوان إلى المملكة بعد تعرضهم للاضطهاد
في مصر وسوريا، لكن اختلاف أولويات التيارين عجل بانتهاء فترة التعاون
تلك، أما القطبيون فلم يكن من الوارد أن يحصل أي نوع من التعاون بينهم
وبين الوهابيين الذين يدينون بالولاء الكامل لولي الأمر ويرفضون الخروج
عليه بشكل شبه كامل.
يقدم برنارد روجيه في هذا القسم من الكتاب دراسة عنونها بـ"الجهاد
الأفغاني ونشأة السلفية الجهادية"، حيث يعود روجيه لمرحلة الجهاد الأفغاني
التي تمثل حسب رأيه بداية تحول الجهاد من المحلية إلى العالمية، إلا أن
تلك الجهادية العالمية التي تركز على استهداف العدو البعيد ما لبثت أن
ارتدت إلى الداخل مرة أخرى في المملكة بعد الحادي عشر من سبتمبر وغزو
العراق وظهور تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وقد دارت جولات من الصراع
بين تنظيم القاعدة ومجموعاته وبين أجهزة الاستخبارات السعودية، وقد لعبت
الوسائط الإعلامية المستحدثة، وخاصة الإنترنت، دورًا مهمًّا في هذا
الصراع، فرغم أن السلفية تحمل دائما في خطابها على العولمة، فإن ذلك لم
يمنع الشبكات الجهادية من أن توظف بشكل فائق الفعالية كل "منتجات" هذه
العولمة الممقوتة، فقد استخدمت المجموعات السلفية - الجهادية الإنترنت
بشكل واسع النطاق من أجل نشر فكرها والتنسيق بين خلاياها المتوزعة في
الدول المختلفة، فالسلفية استغلت ذلك الفضاء من أجل خلق "أمة افتراضية"،
مستفيدة من صعوبة سيطرة الحكومات وأجهزة الاستخبارات على سيل الرسائل
المتدفق عن طريق الشبكة العنكوبية، فتنظيم القاعدة يدين بالفضل لشبكة
الإنترنت في بقائه نشطا بعد أن تم تدمير قواعده الإقليمية إبان الغزو
الأمريكي لأفغانستان.
السلفية في العالم العربي
القسم
الثاني من الكتاب يقدم عرضا لتطور الحالة السلفية في العالم العربي، ففي
دراسة كارين لحود الباحثة بمعهد العلوم السياسية بباريس تشرح كيف اضطر
سلفيو الكويت للخوض في غمار السياسة حتى لا يتركوا الساحة للإخوان
المسلمين والليبراليين، وبفضل جمع سلفيي الكويت بين الواقعية السياسية
والقيم القبلية المحافظة استطاعوا أسلمة المجتمع بشكل كبير، فالعلاقة
بينهم وبين العائلة الحاكمة تختلف تماما عن علاقة الوهابية بآل سعود، حيث
لا يتورع سلفيو الكويت عن توجيه الانتقادات الحادة للعائلة الحاكمة والضغط
عليها "لتصحيح" مسارها.
هذا الاستقلال للسلفية الكويتية أمام النظام الحاكم لا نجده في السلفية
اليمنية التي تعيد إنتاج الوهابية السعودية بشكل أو بآخر، وبفضل هذا
الطابع اللاسياسي لم تشهد اليمن صداما بين سلفييه من جهة والنظام الحاكم
من جهة أخرى كالذي شهدته سوريا وأدى إلى نفي معظم رموز السلفية السورية،
إلا أن أرنو لينفان الباحث المتخصص في الحركات الدينية في سوريا يرى أن
السياسة الخارجية الممانعة لسوريا تجاه أمريكا وإسرائيل تقيها هجمات
السلفية الجهادية المخترقة، حسب بعض المصادر، من قبل الاستخبارات السورية.
ويتعرض عبد الله الترابي، الباحث بمعهد العلوم السياسية بباريس، لظروف
نشأة المجموعات الجهادية في المغرب التي طالما اتسمت معارضتها الإسلامية
بالطابع السلمي حتى وقوع هجمات الدار البيضاء في 2003، ووفقا للباحث، فقد
شهدت الوهابية صعودا كبيرا في الثمانينيات بتشجيع من النظام الحاكم من أجل
موازنة نفوذ المعارضة اليسارية، كما أن الظروف الاقتصادية لعبت دورا في
ولادة السلفية - الجهادية في المغرب.
السلفية في فرنسا
القسم الثالث من الكتاب يتناول "ديناميكية
السلفية في فرنسا" ويبدأ بالتشديد على الطابع المتنوع للإسلام في فرنسا
والتنافس القائم بين التيارات المختلفة لزيادة حصتها من "سوق العرض
الإسلامي".
هذا التنوع الكبير للإسلام الفرنسي يمكن تفسيره في ضوء عنصرين رئيسيين:
الأول هو الانفتاح الكبير للإسلام الفرنسي على المؤثرات الخارجية،
فالخلافات القائمة بين تيارات الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي تفرض
نفسها على الحالة الإسلامية في فرنسا التي لم تطور بعد نموذجها الخاص، أما
العنصر الثاني الذي يتيح لنا فهم هذه الفسيفساء هو أن الإسلام لم يعد مجرد
موروث تقليدي يستقيه أبناء الجيل الثاني والثالث من آبائهم، فالأبحاث
الميدانية تشير إلى أننا بصدد عملية "إعادة تشكيل فردانية للديني" (of the
religious resetting individualist) على يد الأجيال الجديدة.
ووفقا لمحمد الأدراوي، باحث الدكتوراه في معهد العلوم السياسية بباريس،
فإن التيار الإسلامي الأوسع انتشارا في ضواحي المدن الكبرى كباريس وليون
هو التيار السلفي، حيث يبلغ عدد منتسبيه 5000 مسلم، يشكل السلفيون
الجهاديون أقلية ضئيلة بينهم لا يزيد عددها عن 100 ناشط، ويمكن تفسير ذلك
الحضور القوي إلى الدور المتزايد لدول الخليج التي بدأت من ثمانينيات
القرن الماضي بالتعهد بتأهيل وإعداد أئمة المساجد الفرنسية الذين يقومون
بالتبشير بالسلفية حال عودتهم، كما أن السلفية تمنح منتسبيها شعورا
"بالاصطفاء" والتفوق على باقي المجتمع، بل على المسلمين غير المنتسبين
لهذا التيار كذلك.
ويميز الأدراوي بين أربعة نماذج من الإسلام تتعايش جنبا إلى جنب في
الضواحي الفرنسية، النموذج الأول يتمثل في الهوية الإسلامية التقليدية أو
"إسلام الآباء" الذي يركز على التواصل الاجتماعي والتضامن بين أبناء
الجالية، النوع الثاني يتمحور حول الهوية "الإسلامية العلمانية" التي تحصر
الدين في المجال الخاص وترفض أن يوظف الدين في التعبئة، النموذج الثالث من
الإسلام يمثله من يدعون إلى هوية تجمع بين الدين والمواطنة ويطالبون بحضور
الدين في المجال العام مع ما يمثله ذلك من تناقض جوهري مع التقليد السياسي
العلماني في فرنسا، أما النموذج الرابع فيمثله السلفيون الذين يعرفون
أنفسهم في حدود الهوية الإسلامية بشكل حصري، ويعتبرون أي محاولة للتقارب
مع المجتمع الفرنسي ابتعادا عن تعاليم الدين.
ويقول الباحث إن الطابع اللاسياسي لسلفيي فرنسا يقتصر على عدم انتقاد ملوك
دول الخليج أو التشكيك في شرعيتهم، في حين لا ينسحب ذلك على فرنسا، فلم
يتورع سلفيو فرنسا مثلا عن وصف شيراك بعد إقرار قانون منع الحجاب في 2004
بأنه "طاغوت"، في حين ظل الملك عبد الله محصنا ضد أي انتقاد حتى حين وجه
انتقادات لاذعة لحزب الله خلال حرب 2006.
الفصل الأخير في الكتاب يتناول ظاهرة هجرة سلفيي فرنسا "لدار الإسلام"،
فاعتقال السلطات المصرية لعشرة رعايا فرنسيين في القاهرة عام 2006 بتهمة
انتمائهم لشبكة إرهابية سلط الأضواء على هذه الظاهرة، ويحاول الباحث ريمون
جاليت في البداية استكشاف الأسباب الكامنة وراء هذا "الخروج"، فيربطها
بالتراث النبوي الشريف وبكتابات محمد نصر الدين الألباني في ثمانينيات
القرن الماضي، كما يعزو تلك الهجرة أيضا إلى رغبة السلفيين المهاجرين في
العيش في بيئة أكثر توافقا مع معتقداتهم الدينية وتوفير تعليم ديني
لأبنائهم، أضف إلى ذلك معاناة المسلمين من ذوي الأصول العربية بسبب عدم
ذوبانهم بشكل كامل في المجتمع الفرنسي وتفشي الإسلاموفوبيا.
ويرى الباحث أن ظاهرة هجرة السلفيين من فرنسا تعد اعترافا من قبل السلفيين
الفرنسيين باستحالة تحقيق حلم أسلمة أوروبا الحاضر بقوة في أدبيات الإخوان
المسلمين وجماعة التبليغ، فتبدد ذلك الحلم الطوباي فتح الباب أمام الرغبة
في ترك دار الكفر طواعية واللجوء لدار الإسلام.
ثم ينتقل الباحث للأسباب التي تدفع هؤلاء المهاجرين لاختيار مصر بالذات
دون غيرها من الدول المسلمة، وتتلخص تلك الأسباب في سهولة الحصول على
تصريح الإقامة وتوافر مراكز تعليم الإسلام المصممة للجمهور الفرانكفوني،
ومرونة نظام تلك المدارس، بالإضافة طبعا إلى انخفاض تكاليف المعيشة في مصر
مقارنة مع غيرها من الدول المجاورة، ويبلغ عدد "المهاجرين" السلفيين في
مصر، وفقا لمصدر دبلوماسي فرنسي، 500 شخص، وهو ما يمثل 10% من إجمالي
الجالية الفرنسية في مصر، كما يعرض الباحث لعدة نماذج من هؤلاء المهاجرين.
الكتاب قيم في مجمله، وإن كان يعيبه تفاوت مستوى الأبحاث المختلفة بالنظر إلى كونه كتابا جماعيا بالأساس.
منقووووووووووول للفائدة