ربع الخبازين لم يراعوا قواعد المهنة خلال 2009حبات دواء ''الإيبسا'' لتحسين مظهر الخبزأصبحت مهمة البحث عن خبز قابل للهضم، سببا آخر لمتاعب الجزائريين، يتجدد يوميا أمام جشع بعض الخبازين اللامحدود وحيلهم لإيهام الزبون بجودة المنتج، الذي ما إن تمر سويعات على طهيه حتى يتحول إلى قطع بلاستيكية لا يفقه أي جهاز هضمي كيفية التعامل معها، فقد كشفت بعض المصادر أن بعض الخبازين يلجأون إلى حيل لتحسين مظهر الخبز كالاستعانة بحبات دواء ''الإيبسا'' .
لم يشفع تذمر المواطنين من رداءة الخبز واضطرارهم لرمي كميات كبيرة منه لدى أصحاب هذه المهنة، كي يبادروا بالتحسين قليلا من منتوجهم، إذ يستفحل الأمر منذ سنوات، وتحديدا منذ انتشار الأفران الكهربائية، التي يتخذها هؤلاء حجة لتبرير رداءة منتوجهم، بحجة أنها تتطلب الكثير من المادة المحسنة، إلا أن تحريات لدى بعض من تخلى عن المهنة بسبب المنافسة غير النزيهة، بيّنت لنا أن العيب يكمن في عدم تقيد هؤلاء بالوقت الكافي في التحضير جريا وراء البيع الوفير. وقد طالت بعض حيلهم في ذلك المواد الصيدلانية، باستخدام الأقراص الفوارة مثل ''الإيبسا'' للحصول على مظهر جيد للخبز ما يفتأ أن يتغير طعمه بمجرد أن يبرد، لكن الحيلة انكشفت بعد أن أصبح الخبز يتسبب في ارتفاع ضغط الدم .
''من يحترف الخبازة يتعلم الكثير من الحيل''. هذه العبارة هي لأحد معتزلي المهنة، فمن أكثر ما يشغل بال زملائه السابقين، حسبه، حيل تحسين مظهر الخبز وحجمه وإيهام الزبون بجودته وكل الوسائل مستباحة للحصول على أكبر كمية ممكنة في أقصر فترة وبأقل التكاليف، منها تعويض الزبدة بالزيت ثم بالتدريج إنقاص كمية الزيت، ثم كمية قليلة جدا منه وتعويضه بالماء. أما الخميرة فقد وجدوا لها بديلا في عالم الصيدلة، وبالتحديد في الأقراص الفوارة مثل ''الإيبسا'' التي ظلت لفترات طويلة نادرة بالصيدليات لهذا السبب، ولحسن الحظ أن أمر ''الإيبسا'' انكشف بعد أن صار يتسبب في ارتفاع ضغط الدم لدى المستهلكين، لينحسر عدد المتحايلين بهذه الطريقة في بعض المغامرين. وكشفت مصادرنا أن عددا من الخبازين تعرضوا إلى تعليق نشاطهم من قبل مديريات مراقبة الجودة بعد انكشاف اعتمادهم على حبات ''الإيبسا'' لتحسين مظهر ''الخبزة''. وتتجاوز الحيل المنتوج نفسه، إلى اقتصاد الكهرباء التي يحققها الخباز بتقليص فترة الطهي، مما يحقق له أيضا كمية كبيرة في لحظات قليلة، لا تسمح للخبز بالتخمر، والنتيجة تحوله بعد ساعات قليلة إلى قطع مطاطية.
المسؤولون الذين قصدناهم لإجراء هذا التحقيق، أجمعوا على أن من أهم أسباب الظاهرة، انعدام ثقافة الاحتجاج لدى المستهلك الذي ''يقبل بكل ما يعرض عليه لا من حيث النوعية ولا من حيث السعر''. أما المواطنون فقد اختصروا ردودهم في كونهم ''سئموا الاحتجاجات التي تتحول دون طائل إلى مشاجرات مع الخبازين'' والعبارة المألوفة ''اشري ولا خلي''. إلا أن المتهم بتبذير هذه المادة هو المستهلك بطبيعة الحال، وليس هذا افتراء، لكن دراسة أجراها مكتب الاستشارات الدولية لصاحبه الخبير الاقتصادي مالك سراي حول الظاهرة توصلت إلى أنه من أهم أسباب هذا السلوك رداءة الخبز نفسه الذي يتحوّل بعد سويعات من طهيه إلى بلاستيك يعسر هضمه. وبينما يتباهى المسؤولون باستمرار دعم الدولة لسعر الخبز العادي الذي تجاوز خلال 2007 و2008، 22500 دينار لقنطار من الفرينة، أي أكثر من 50 دينارا للخبزة الواحدة، يعرض الخبازون الذين يدفعون 2000 دينار مقابل القنطار الخبزة بـ 10 دنانير عوض 5,7 دينار المحددة في المرسوم التنفيذي رقم /402 07 الصادر في 25 ديسمبر 2007 المنظم لأسعار إنتاج وتوزيع الدقيق، ولا أحد يجرؤ على مناقشة هؤلاء بلا طائل، ما دام النقاش ينتهي دائما بشجار مع البائع أو بدفع الثمن المطلوب. أما حجتهم في ذلك أمام مصالح المراقبة، فهي إضافة المادة المحسّنة التي يفترض أن يكون الخبز العادي مقبولا بدونها. وبعملية حسابية بسيطة، تدفع العائلة التي تستهلك خمس خبزات يوميا أكثر من 4180 دينار إضافية عن السعر الحقيقي للخبز كل سنة.
مصالح قمع الغش، سجلت خلال العام الماضي 4852 مخالفة خلال 19839 تدخل عبر الولايات الثماني والأربعين، بسبب عدم مطابقة منتوج الخبازين وعدم صلاحية استهلاكه واستخدام هؤلاء لمواد مقتناة من مصادر غير مأمونة، أي أن ربع المخابز لم يتقيدوا بقواعد المهنة، بينما سجلت 1099 مخالفة في ولاية الجزائر وحدها خلال 3338 تدخل، أي ثلث المخابز المراقبة، واقترحت مصالح الولاية غلق 42 محلا وحجزت 640 كيلوغرام من مادة الخبز غير الصالحة للاستهلاك.
مسؤولون بمصلحة قمع الغش بالعاصمة، أكدوا لنا أن نفس المخابز المتعاقبة، تعود لنفس المخالفة في اليوم الموالي، خصوصا فيما يتعلق بالسعر، رغم أن العقوبات تجر أصحابها إلى المحاكم بتهمة الغش طبقا للمادة 42 من قانون العقوبات.
ومع تدهور نوعية الخبز، ازدهرت صناعة الخبز الشرقي وظهرت مخابز لإنتاجه تعتمد على الأفران التقليدية بعكس البقية، لكن أسعار ونوعية منتجاتها هي الأخرى فيها كثير مما يمكن أن يقال، إذ تتجاوز أسعارها إمكانيات العائلات البسيطة. أما ''المطلوع'' أو ''خبز الدار''، فقد طالته هو الآخر يد الحيلة والتمويه، ليلجأ بعض صناعه إلى إعادة طحن الخبز الجاف وعجنه مجددا.