يرد مفهوم (اضطرابات التفكير) في أدبيات الطب النفسي مقترناً
بالاضطرابات العقلية. ويعدّه كثيرون ” عرضاً من أعراض الفصام يتصف بفقدان
الترابط بين الأفكار وفقر محتواها من حيث المعنى ، واستعمال لغة جديدة “.
فيما يرى آخرون بأنه ” تشويش في قابلية الفرد على اتخاذ حكم، وعلى سرعة
التفكير، أو ترجيح فكرة على أخرى “. أو هو ” عدم الترابط والاتساق بين
الأفكار بحيث لا يستطيع الفرد الاستمرار في موضوع واحد لمدة طويلة ، وعدم
قدرته على إكمال ما بدأبه من حديث ، وصعوبة في إيجاد المعنى بسهولة ،
والمزج بين الواقع والخيال “.
وتتعدد طرائق تصنيف اضطراب التفكير ، بمعنى لا توجد طريقة واحدة معتمدة ،
غير أننا ، ولغرض السهولة والتبسيط ، سنقوم بتصنيفها على النحو الآتي :
أولا. اضطرابات تتابع أو تدفق الأفكار .
وتشمل الأنواع الآتية :
1. تطاير الأفكار . ويعني ازدحام الأفكار في رأس الفرد ، وتسابقها على
النطق بها، وتدفقها بسرعة غير عادية تفوق الحد الطبيعي . وقد تتغير أهداف
تلك الأفكار بشكل سريع ، إلا أنها تبقى في الغالب محافظة على الترابط في
سياقاتها . ويلاحظ فيه وجود نوع من السجع او التشابه او الترابط اللفظي بين
الأفكار . وتظهر هذه الحالة في اضطراب الهوس (المانيا).
2. تباطؤ الأفكار. ويكون بعكس الحالة السابقة ، إذ تأتي الأفكار بسرعة
بطيئة جداً ، والترابط بينها ضعيف أو شبه معدوم ، ويكون في حدود موضوع واحد
، غالباً ما يكون مؤلماً أو كئيباً ، ويظهر في حالات الاكتئاب.
3. توقف الأفكار . يتحدث الفرد ، وفجأة يتوقف عن الكلام ، فيشعر كأن عقله
قد غدا خالياً من الأفكار . ويحدث هذا الاضطراب في حالات الفصام .
4. التفكير الدوامة . في هذا النوع من الاضطراب تعاد الأفكار بتكرار معين
بالرغم من انتهاء موضوعها والحديث بخصوصه . بمعنى ان الفرد يبقى في دوامة
الفكرة نفسها ولا يستطيع التحول والانتقال الى فكرة أخرى . وتكثر هذه
الحالة في اضطرابات الدماغ العضوية .
5. التفكير غير المترابط . وفيه يتحدث الفرد بتدفق وتلقائية كما لو كان
طبيعياً غير ان كلامه لا يوجد فيه ترابط منطقي ، فضلاً عن أن الأفكار تبدو
غامضة ، ويزيدها غموضاً ان الفرد يستعمل ” لغة جديدة ” او مفردات غير
متداولة ، يقوم هو بنحتها . ويحدث هذا الاضطراب في حالات الفصام والهوس
والذهان العضوي .
6. التفكير الخرافي . ويتصف بانعدام القدرة على التمييز بين ما هو مهم وما
هو غير مهم من الأفكار ، فضلاً عن ان المريض يخوض في تفاصيل كثيرة ليست لها
علاقة بالموضوع . ويلاحظ في حالات التخلف العقلي وبعض حالات الصرع .
ثانياً. اضطرابات عائدية الأفكار والسيطرة عليها .
يشعر الإنسان الطبيعي أن أفكاره تعود إليه وخاصة به ، وله قدرة السيطرة
عليها . أما الإنسان المصاب بهذا النوع من الاضطرابات فيشعر أن أفكاره
غريبة عنه ، ولا سيطرة له عليها . وتظهر هذه الاضطرابات في حالات الفصام ،
وتكون بثلاثة أنواع :-
1. سحب الأفكار. وفيه يعتقد المريض جازماً أن أفكاره تسحب منه برغم إرادته ،
أو تقلع من رأسه قلعاً .
2. زرع الأفكار . وهذه عكس الحالة السابقة ، فالمريض يعتقد هنا أن أفكارا
تزرع في عقله برغم إرادته .
3. إذاعة الأفكار. وفيه يشعر المريض أن أفكاره (خصوصياته) معروفة للآخرين .
كما لو أن رأسه محطة إذاعة تبث أفكاره للجميع .
ثالثاً. اضطراب صيغة التفكير .
يفكر الإنسان السوي بطريقة منطقية وتجريدية (Abstract). بمعنى انه يعتمد
على معاني الأشياء وما يقابلها من الأرقام والألفاظ ، ولا يعتمد على وجودها
المادي المجسّم ، يتوصل من خلالها الى استنتاجات وحلول واقعية وعملية .
أما في حالة اضطراب صيغة التفكير فانه تنعدم القدرة على التفكير المجرد ،
ويأخذ التفكير صيغة مختلفة وغريبة وتكون على نوعين هما :-
1. التفكير المبهم . وفيه يبتعد التفكير عن المواقف الحقيقية أو الواقعية ،
يشبه ما يحدث في الخيال والأحلام . غير ان الفرد هنا يقوم بأفعال مطابقة
لما في خياله . ويحدث في حالات الفصام .
2. التفكير الجامد . وفيه يفتقر التفكير الى المرونة والتبصر والتجريد
والاستنتاج .
رابعاً. اضطرابات محتوى التفكير .
الصفة العامة لهذا النوع من الاضطرابات هي الوهم العقلي ، ويقصد به الأفكار
والمعتقدات والآراء التي لا تنطبق على الواقع ، ولا يمكن ربطها بأساس سببي
يفسره ، كما لا يمكن إزالتها بالمنطق والإقناع ، فضلاً عن تناقضها مع ما
هو معلوم عن المستوى الثقافي والاجتماعي للفرد . وتأتي هذه الأوهام بأنماط
وصور متعددة على النحو الآتي :
1. الأوهام الاضطهادية . اعتقاد الفرد بأنه مضطهد ، وان الآخرين يراقبونه
ويضمرون له العداء ويتآمرون عليه لالحاق الأذى به . وشعوره بان حيفاً لحق
به أو ظلماً أصابه ، أو انه معرض لهما . وتأتي هذه الأوهام في حالة المصاب
بالزَوَر الفصامي (البارانويا ) .
2. أوهام العظمة وأوهام الضعة . في الأولى يضفي المريض على نفسه مظاهر
العظمة ، وانه يتمتع بأهمية فريدة أو عبقرية أو قوة . وتظهر واضحة في حالة
النرجسية . وفي الثانية (الضعة) يصف المريض نفسه بعدم الأهمية والتفاهة .
3. أوهام العائدية أو المرجعية . اعتقاد المريض بان ما يدور من كلام بين
الناس أو حركات أو أحداث على أنها تعنيه هو بالذات . أي انه يربط بين الذي
يحدث حوله من قريب أو بعيد وبين نفسه . بل يصل الأمر الى أن الخبر الذي
تناقلته القنوات الفضائية ليلة البارحة (خبر مهم مثلاً) كان يعنيه هو ..
وان الحرب ستقوم من اجله ، ويكثر هذا في حالة الهوس والزور (البارانويا) .
وهناك نوع منها يكثر في حالة جنون العشق . كاعتقاد الفتاة بان ” المطرب
الفلاني ” الذي لا يعرفها أصلا ، اصدر ” ألبومه ” الغنائي الأخير من اجلها ،
وانه عندما يظهر يغني في التلفاز ويقول ” حبيبتي ” فانه يعنيها هي بالذات
!.
4. أوهام العدم . وفيها يعتقد المريض بأن جزءاً منه ، أو أحد أعضاء جسمه:
قلب ، معدة ، دماغ ،… لا وجود لها ، أو أنها ساكنة لا تعمل . وفي الحالات
المتطرفة يدعي المريض بأنه ميت لا وجود له ! وتحصل في حالات الاكتئاب
الشديد والفصام.
5. أوهام الإثم . وفيها يشعر المريض بالذنب ، ويدعي مسئوليته عن آثام لم
يرتكبها. ويصف نفسه بالمذنب الذي ارتكب خطايا فضيعة يستحق العقاب الصارم
عليها ، ولذلك فهو يسعى الى التكفير عن آثامه وذنوبه وخطاياه بوسائل مختلفة
، من إيذاء النفس وعقابها ، بالامتناع عن الطعام مثلاً ، الى تدمير الذات
بمحاولة الانتحار أو ارتكابه فعلاً .
6. الأوهام المراقية . وفيها يعتقد المريض بأنه مصاب بمرض بالرغم من توكيد
الأطباء بأنه سليم من أي مرض واثبات ذلك بالفحص السريري والفحوصات
المختبرية . ومع ذلك يظل يفسر أي ألم جسمي طفيف على انه دليل قاطع بوجود
مرض خطير . ويستمر متنقلاً من طبيب الى آخر .