النجارة والحفر والتنزيل
]النجارون في الشام من أشهر نجاري العالم باعتنائهم بصنعتهم, والنجار الدمشقي ذكي يلم بال[rightهندسة والمساحة والحساب والمقاييس وهو يعمل بيديه والآلة عنده وسيلة لأنه يؤمن بأن هذه الآلة, والأداة, مهما كان نوعها, لايمكن أن تحل محل الابداع والعبقرية. وهو متقن في عمله أنيق في انتاجه صبور على الآشياء الدقيقة والوقت عنده لايساوي انتاجه, فالمهم أن تنتج أعمالا مضبوطة خالية من العيوب, فترى العامل وقد قضى في حفر (ترس) منضدة أياما وشهورا ليكون أمامك قطعة حية, قطعة من حياته المجالدة المحبة للخير والجمال, وبعد هذا فهو قانع بأنه يعمل..
ان من يتأمل هذه القطع الفنية لايسعه إلا أن يحني رأسه اجلالا لهذا المناضل الوديع ويشد على يده بايمان وحرارة وقوة مثل ايمان وقناعة هذا العامل وهؤلاء الصناع لم يكتفوا في منجوراتهم بأخشاب الشام على كثرتها بل أخذوا يستوردون الأخشاب من قلقيلية ورومانيا. وكانوا يستعملون أخشاب الحور والجوز والزيتون والشربين والميص والعرعر والدردار والصندل والصنوبر والسرو. فيعتمدون على عمال ينشرون هذه الأخشاب بوسائل قديمة أو آلية.. ثم يصنعون منها أشياء كثيرة من مناضد ومقاعد ومغاسل وكراسي وصناديق وأعواد للطرب. وقد اشتهرت بهذه الصناعة دمشق وحلب وبيروت وهذه المدن الثلاث كادت تستأثر بتجهيز الدور والقصور..
وان مايسمى بالحلقات في القصور والقاعات القديمة دليل كاف على رقي فن النجارة فان القصر أو القاعة يبلغ متوسط طوله ستة أمتار وكذلك عرضه وارتفاعه وهذا ان دل على شيء فانما يشهد على سلامة في الذوق وتصميم على العمل ودقة في الصنعة..
أما صناعة التنزيل فكانت مزدهرة في خشب الخزائن والأصونة والمقاعد والكراسي وتزدان بمصنوعاتها الانديات والردهات وتباع منها مقادير كبيرة في أمريكا وأوروبا. ويقال لصناعة الحفر والتنزيل (الابلق) وهي من أجمل الصناعات أيضا...
المصري: لاتزال تشاهد إلى اليوم
(اسكملات) وخزائن للثياب ومايعرف (بالبيرو) وبعض الارائك التي ترسل بها البيوت القديمة إلى السوق..
جميع هذه الأشياء كانت من مفاخر دمشق خاصة وبلاد الشام قاطبة ويطلقون عليها اسم المصري. فبعد أن تصنع الأريكة أو المنضدة أو الصندوق فانهم يصقلونها (بورق الزجاج) ثم يرسمون على أوراق خاصة, مساحتها نفس مساحة السطح المراد تنزيله، يرسمون عروقا وأشكالا في غاية الابداع ثم يصفون هذه الأوراق على السطح الذي يريدون تنزيله ثم يحفرون هذه الرسوم وينزلون فيها الغراء المائع وبعدئذ يرصفون فيها الصدف من بيت لحم والمقدس مما يزيد عن أعمالهم هناك...
ويميزون بين نوعين من هذا التصديف فما كان دقيق الرسم والصنع يسمى (المصري) وماكان رسم عرقه ظاهرا كل الظهور يسمى عرقلي (العرق) ويصنعون منها أنواعا كثيرة منها مايسمى اليوم (بالجاردينه) وهي أثاثة يوضع فيها تحف زهور صناعية بعرض مترين ويجعل فوقها اطار من داخله مرآة فوقها تاج, وعلى جانبي المرآة جناحان لهما رفوف توضع عليها التحف, وهذا كله مطرز بالصدف الذي يتخلله صباغ أسود يزيد في لمعان الصدف. ومنها أيضا (البيرو) وهو عبارة عن صندوق فيه أربعة (دروج) كبيرة فوقها درجان صغيران توضع في هذه الأدرج الملابس والأشياء، أما القاعدة العليا (الظهر) فيرسم عليها رسوم بديعة وأشياء رمزية مجردة مستمدة من تفكير القوم ومعتقداتهم. وفي بعض الأحيان يمتد هذا البيرو ويتمم بمرآة محاطة بإطار مصدف أيضا. وقد مرت بهذه الصناعات أزمات كثيرة منها المزاحمة الخارجية وظهور الطرق الحديثة ونفور الناس عن هذا النوع من الانتاج حتى اقتصرت على بيوت الريف لدرجة أن من كان عنده شيء مصنوع بهذه الطريقة فانه كان يرسل بها إلى السوق ليتخلص منها يأي ثمن أو يلقي بها في القبو ليخفيها عن العيون, لأنهم أصبحوا يعتقدون أنها من مخلفات الأذواق القديمة... وغالبا مايكون للبيرو (5) دروج. ويصنع من خشب الجوز ويطعم بالقصدير والنحاس الأحمر. وينزل بالعظم والصدف. وتمثل الرسوم وردات وعروق شجرية وزنابق..
وقد مرت فترات كان الطلب على هذه الصناعة شديدا في الأسواق الخارجية, وخاصة أوروبا. في أواخر القرن التاسع عشر. ولكن اهمال الحكومة لهذه الصناعة وعدم وضع المراقبة اللازمة لها وبالتالي عدم تشجيعها وجشع سماسرتها.. كل هذا عمل على انتشار الغش فيها فبارت تجارتها وقل الطلب ثم انعدم نهائيا...
ثم جدد شبابها صناع دمشق منذ نحو ثمانين سنة حتى أصبح مايعمل منها آية في الروعة ومتعة للناظر, مما يتنافس في اقتنائه حتى نسبت هذه الصناعة لدمشق ويسمونها (دامسكينة).
في أسواق العاديات وفي البيوت القديمة صناديق ومناضد صغيرة[/right]