تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل في حياة الإنسان، وتعتبر مرحلة الشباب فيما بعد المرحلة الثانوية مرحلة حاسمة في حياة كل شاب. ولا شك أن شباب هذه المرحلة هم بحاجة إلى الكثير من الاهتمام على كافة المستويات فهم مستقبل الوطن ككل.فبعد سنوات قليلة سيكون هذا الشاب مسئولاً عن مكان هام في الحياة العملية والاجتماعية...
ولا شك أن الشاب الجامعي - أو شاب ما بعد ثانوي بصفة عامة – يعيش مرحلة جديدة من حياته تتميز بالعديد من الملامح التي ينبغي لنا إدراكها قبل أن نخوض في هذه المرحلة بكل ما فيها من امتيازات وعقبات.
أولاً:طالب جامعة يأتي إلى هذه المرحلة وقد اجتاز مرحلة المراهقة بكل ما تحمله من مشكلات. فالشاب المراهق كانت تسيره حماسة وعاطفة جياشة وأحلام يقظة بها الكثير من المؤثرات التي تؤثر على المراهق تأثيراً شديداً. وها هو الآن يدخل إلى مرحلة جديدة سوف ترسم مستقبله وتحدد معالم حياته بالكامل. فلا ينبغي له أن يتعامل مع حياته على ضوء تلك المعطيات السابقة التي عاشها في مرحلة المراهقة، ولا يجوز أيضاً أن نخاطبه ونعامله معاملة المراهقين.
ثانياً:يعيش الشاب في مرحلته الجديدة تغيراً في عاطفته، فقد كان في السابق يحمل عواطف معينة تتمحور حول دائرة ضيقة، أما الآن فقد صار له العديد من العواطف الاجتماعية والإنسانية في انطلاقه نحو المجتمع المحيط بكل ما به من مشكلات ومشجعات، صار مدركاً واعياً بأهميته في خدمة مجتمعه حيث أنه صار ركيزة هامة تحتاج إليها الأمة في خدمة مراحل العمر الأخرى من أطفال ومسنين ، بل وفي خدمة أخوته البعيدين في نفس المرحلة التي يمر بها. فالشخص في هذه المرحلة يتخطى اهتمامه بذاته ومحيطه القريب إلى اهتمام بكل ما يخص مجتمعه ووطنه بل وفي أحيان كثيرة يتطلع إلى المشكلات العالمية بغية أن يكون له رأي فيها.
ثالثاً:يعيش الشاب في هذه الفترة مرحلة خصبة في تفكيره العقلي، وتعتبر هذه الفترة من أخصب مراحل العمر، ولهذا نرى الشاب يتعامل مع تخصصات جديدة وعلوم جديدة فيستطيع اجتيازها. هي مرحلة تمتاز بالعمق والقدرة على الاستيعاب أكثر من غيرها، هي المرحلة التي يقرأ فيها الشاب كثيراً، وهي التي يستوعب فيها الشاب أكثر. هي مرحلة صار فيها متطلعاً لا يقبل أسلوب التلقين والتلقي ولكنه يرغب في المشاركة العملية الحية في كل ما يقدم له.
رابعاً:هذه المرحلة هي مرحلة التفكير في المستقبل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وتتحكم رؤية الشاب للمستقبل في تحديد مدى هذا التفكير ومساره، ثم ما يترتب على هذا التفكير فيما بعد من رؤية للإعداد للمستقبل وصياغته.
لقد كان الشاب في المرحلة الثانوية، وكان يعيش مرحلة المراهقة، فمنهم من كان همه الفريق الرياضي وانتصاره ، أو مشاهدة مسلسل تليفزيوني ، أو متابعة أخبار فلان وفلانة ،أو...وربما يكون همه ظروف معينة يعيشها داخل أسرته، ويقف اهتمامه دون خطوط معينة لا يتجاوزها، حتى مستقبله لا يفكر فيه إلا تفكيراً عاجلاً، فلم يبدأ التفكير الجاد في المستقبل إلا في الشهور الأخيرة من المرحلة الثانوية حينما بدأ في التفكير في الكلية والوظيفة بل وفي سائر ما يتعلق بالمستقبل ، بدأ يفكر في ذلك كله تفكيراً جاداً.
خامساً:لقد انتقل الشاب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية نقلة بعيدة، كان في المرحلة الثانوية يدرس كتاباً مطبوعاً بالألوان مكون من عناصر وفقرات محددة ، مع مساعدة كاملة من مدرس الفصل أو المدرس الخاص. كتاب محدد بصفحاته ثم يتلقى أسئلة الامتحان محددة فيما يدرس، والدراسة الثانوية تعتمد على حفظه المعلومات واستظهارها فيما بعد، أما في الجامعة فالصورة مختلفة كلية، فقد يكون المتوفر مرجعا أو كتاباً مختلفاً في تنسيقه أو طريقة عرضة عن الكتب التي اعتاد عليها، وقد يكون الطريق هو الكتابة من وراء الأستاذ في المحاضرة، أو تصوير الأوراق من بعض المراجع ذات الصلة بالموضوع أو من الزملاء الذين قاموا بالكتابة. ولهذا التغير أثره الكبير في نفسية الطالب، وقد تشعره بالاضطراب إن لم يكن مستعداً لذلك. كذلك طبيعة المقررات والتخصصات، فهو الآن أمام مقررات جديدة ، فقد يقرأ في الجدول عنوان المادة ولا يفهم إلا العنوان وبعض المفردات، أما مضمون هذا العنوان وما وراءه فلا يعرف شيئاً منه. ، بخلاف دراسته السابقة فقد كان يدرس مادة تتكرر معه طوال دراسته ومراحله .
كما أنه يوجد اختلاف كبير في نظام الدراسة وطريقتها، محاضرات وسط عدد كبير من الطلاب، المعامل، المجموعات الصغيرة للدراسة، الأبحاث... كل هذه الأوضاع وهذا التغير في طبيعة الدراسة لابد أن يسهم في تغير شخصيه طالب الجامعة ويؤثر فيها بصورة أو أخرى.
سادسًا:كان الشاب في المرحلة السابقة يعيش في مدينته وسط أسرته، ولكن قد تتطلب الحياة الجامعية الانتقال إلى مكان آخر، وأن يتحمل مسئوليته تحملاً كاملاً. بعد أن كانت الأسرة هي المسئولة عن ذلك. فهو المسئول عن إعاشة ذاته، مسئول عن ضبط مواعيد المحاضرات وتنظيم أوقات الطعام والمذاكرة والميزانية والترفيه ... الخ ، والأهم من ذلك أن للشاب الجامعي الحرية الكاملة في حضور المحاضرات وعدمه ولهذا نرى بعض الطلاب قد لا يستطيع أن يحسن استخدام هذه الحرية التي لم يعتد التمتع بها، فتكثر حالات الحرمان والغياب في المراحل الأولى من الجامعة، ثم يستقر به بعد ذلك المطاف بعد أن يكون قد فقد وقتاً هاماً كان من الممكن أن يساهم في نجاحه وتفوقه.
سابعاً:لقد انتقل الشاب من اجتماعات إعدادي وثانوي حينما كانت المسئولية التامة ملقاة على خادم الاجتماع فهو المسئول عن إعداد الدروس والافتقاد وتلقين مبادئ الإيمان والحياة مع الله، أما اجتماعات الشاب الجامعي فإنها تعتمد على المشاركة، فالجميع خدام لاجتماعهم، كل في مكانه وفي ما يرغب فيه . فيعتمد الاجتماع على الحوار والمصارحة وتبادل الخبرات ، أما الافتقاد فهو مسئولية مشتركة بين الجميع، وعمل اللجان يقوم أساساً على أكتاف الشباب الجامعي. أما خادم الاجتماع الجامعي فلا يزيد عن كونه مرشد أو موجه يلجأ إليه الشباب في مشكلاتهم الطارئة أو يساهم في تدريبهم وإمدادهم بالخبرات الضرورية.
وهناك بعض المبادئ الهامة التي ينبغي عليك اتباعها:
1.اقبل تخصصك الذي التحقت به، فربما كان لديك الرغبة في الالتحاق بكلية أو معهد آخر غير ما التحقت به، ولكن ظروف المجموع والتنسيق قادتك إلى مكان آخر. اقبل هذا المكان، واعلم أنه عطية من الله ووزنة ينبغي أن تتاجر بها وتربح. اعتني بدراستك ، واهتم باستيعاب مناهجك حتى تكون فيما بعد ناجحاً في عملك ومؤهلاً لان ترتقي في وظيفتك لأنك تحمل المؤهلات التي تؤهلك لذلك، مؤهلاً لأن تنجح في إدارة عملك حين تقوم بالعمل.
2.اعلم أنك في الجامعة ولست في السنة الرابعة من المرحلة الثانوية!
فبعض الطلاب الجامعيين يعيشون بعقلية طالب المرحلة الثانوية وتفكيره، فلا يعدو انتقاله إلى المرحلة الجامعية من أن يكون زيادة في رصيده الدراسي من السنوات.
حين يطلب من طالب إعداد بحث عن شخصية من الشخصيات، فإنه لا يعدو أن يكتب عن: ولادته، نشأته، طلبه للعلم، ثم يذكر لك نتفاً من أحداثه، ثم وفاته وأين دفن؟ وما ذا قال الناس عنه؟ وهذا يقدم مادة مفيدة لمن يقرأ، لكن هل يليق أن يكون طالب الجامعة بمثل هذه العقلية؟ أليس المطلوب من طالب الجامعة أن يحلل هذه الشخصية وأن يبحث - بعد أن يجمع هذه المعلومات- عن أسباب النجاح الذي حققه هذا الشخص، ثم عما قيل حوله من تهم وأخطاء، وماذا انتقد عليه؟ وما العوامل التي أثرت في تفكيره؟ وما الآثار التي تركها هذا الرجل؟
كثير من البحوث والمقالات التي يقدمها طلاب الجامعة لا تتجاوز القص واللصق، وقد تتفاوت المهارات تبعاً لمهارة الطالب في الحصول على المكان الذي يبدأ منه القص وترتيب هذه القصاصات التي يجمعها، وتختلف مهارة الطلاب في التوفيق بين هذه المقولات أما التحليل والمناقشة ووجهة النظر الشخصية المبنية على منطلقات علمية فهذا يندر أن يوجد عند كثير من طلابنا.
مثال آخر : طريقة تلقى المعلومات، كان الطالب في المرحلة الثانوية يعتمد على سماع معلومات يلقيها عليه الأستاذ ثم يحفظها ويعيد استظهارها، ولهذا فهو لا يستطيع أن يتحدث عن هذا الموضوع أو هذه المشكلة من خلال وجهة نظر أو اقتناع خاص، أما إذا انتقل إلى المرحلة جامعية فإن انتقل بنفس العقلية السابقة فإنه في الواقع لا يعدو أن يكون في السنة الرابعة الثانوية.
إن طالب المرحلة الجامعية يجب أن يسهم في الحصول على المعلومات، وتقييمها ونقدها وتحليلها، وأن تكون لديه القدرة على صياغة أفكار جديدة من خلال معطيات تعطي له سابقاً.
وطالب الجامعة ينبغي أن يكون له دور في فهم الحياة؛ فلا يسوغ أن يكون مجرد إنساناً يعيش في المجتمع ويتطبع بما فيه، ويحمل الأفكار السائدة أياً كانت هذه الأفكار، بل لابد أن يرتقى إلى مرحلة أعلى، فيسهم في فهم الحياة، ويسهم في فهم المجتمع، وفي تقويم الأفكار والعادات والتقاليد التي يراها في المجتمع، وفي الحكم على صحتها وخطئها، ثم يسهم في التغير الإيجابي.
وحين يشارك طالب الجامعة في الأنشطة التي تقدم من خلال الجامعة، أو الأنشطة الأخرى التي يقضيها مع زملائه، فينبغي أن يكون له معها شأن آخر، لقد اعتاد في المرحلة الثانوية أن تقدم له أنشطة في قوالب محددة يسير فيها، ولهذا لا نلومه حين يتهم هذا النشاط بالفشل أو الضعف، ويقف عند هذا الحد دون أن يكون له دور إيجابي.
أما طالب الجامعة فلا بد أن تتغير رؤيته لمثل هذه الأنشطة، لقد كان في السابق لا يزيد على أن يكون مجرد متلق لمثل هذه الأنشطة أو منفذ لها، أما الآن فلابد أن يسهم في النقد البناء، وأن يسهم في التقويم والإصلاح، ولهذا فليس مما يليق بطالب الجامعة أن ينتقد هذا البرنامج ويقف عند حدود النقد، بل لابد أن يتحمل مسئوليته في الإصلاح والتقويم.
إننا كثيراً ما نسمع انتقاد الطلاب للأنشطة التي تقدم في الجامعة، وأنها ليست على مستوى طموحهم، ومن حق الطالب أن ينتقد ويطالب بمستوى أعلى، لكنه لابد أن يدرك بأن عليه أن يسهم هو في صياغة مثل هذه الأنشطة، وأن يدرك أن موقعه قد تغير؛ فلا يسوغ أن ينتظر منا أن نقدم له برنامجاً على مدار الأربع والعشرين ساعة، أو نقدم له مثل البرنامج الذي كان يعيشه في المرحلة الثانوية؛ إنه الآن في مرحلة جديدة ينبغي أن يتأقلم معها