"الدلاع" صدقة من المحسنين والبلدية تعتبر الحالة مرضية فقط
المتأمل في الصورة المرفقة يعتقد أنها من مشاهد المجاعة التي تضرب بعض الدول الإفريقية، لكن للأسف الشديد وبمرارة نقول إنها لجزائري يسكن في منطقة هي الأقرب لمنابع الغاز والبترول بولاية الوادي الواقعة 180 كلم عن عاصمة الذهب الأسود حاسي مسعود أو البقرة الحلوب كما يسميها غالبية الجزائريين.
كان بودنا أن ننصح القراء أقل من 15 سنة عدم مشاهدة هذه الصورة المأساوية وتجنب قراءة الموضوع أصلا لأنه يمثل العار بالنسبة للمسؤولين المحليين حسب كل من يعرف الشيخ عمي "محمد حمايده" الظاهر في الصورة التي تقشعر لها الأبدان وتتفتق لها الحجارة بعد أن نخر جسمه المرض، فهو لا يقدر على الكلام ولا على الحركة ما عدا عظمة اللسان ولا يكاد الذباب يفارقه، كما يظل صائما عن الأكل والشرب منذ مدة وحتى قبل حلول شهر رمضان المعظم بسبب الداء المزمن.
وقد تحول "عمي محمد" إلى ما يشبه الهيكل العظمي تتصاعد منه رائحة لا يمكن وصفها، كما أصبحت الديدان تتغذى من جسده النحيف فوق وجه الأرض ممدودا على ظهره يفترش غطاء رثا ويتوسط غرفة تقليدية مصنوعة من جذوع النخيل وبقايا الحلفاء بمنطقة تسمى "المنشية" والتي تبعد بحوالي 15 كلم عن مبنى بلدية حاسي خليفة بالوادي، أمام صمت السلطات المحلية..إنها فعلا حالة نادرة وظروف قاسية ومحنة عائلة فقيرة لم تجد ما تقتات به سوى الماء الساخن وحبات دلاع تبرع بها بعض المحسنين خلال شهر رمضان.
حالة هذا الشيخ الهرم محرجة للغاية خاصة بعد أن تخلت عنه الجهات المعنية بالتضامن ولم تكلف نفسها حتى زيارته، وهي وضعية صعبة ومزرية تتطلب تدخل رئيس الجمهورية شخصيا لمحاسبة أصحاب القرار تقول زوجته بسبب الإهمال وعدم إنقاذ هذه العائلة الصغيرة من الهلاك الجماعي بسبب الجوع والعطش.
ونحن في طريقنا لزيارة "عمي محمد حمايده" المريض نصحني زميلي سامي أن المشهد يتطلب شجاعة كبيرة للنظر في صورة الشيخ ذاته لأن ذوي القلوب الرهيفة لا يمكنهم تقبل مشهدا من هذا النوع، وكم كانت الصدمة كبيرة "شيخ يمكن أن نقول إنه حي ميت" والأرزاق بيد الله لا يقوى حتى على نفض الذباب عن وجهه الذي يكاد يختفي من شدة الجوع والمرض، يعاني لأعوام ولم يجد من يساعده على العلاج كباقي المرضى أو نقله للمستشفى واقتناء الدواء كما يشكو من قلة الحاجة وصرف النظر عنه من طرف الجميع، حيث أضحت الديدان تتصاعد من جسده الضعيف جدا وتأكل منه مع تراجع وزنه إلى حوالي 20 كلغ فقط.
البلدية: على المعني ايداع ملف طلب سكن
وجدناه طريح الأرض وبجنبه إبريق به ماء ساخن في عز الصيف، ولولا زوجته التي تساعده على شرب الماء بالتقطير وبصعوبة كبيرة لكان في عداد الموتى، هذا المشهد المؤلم حرك مشاعرنا ولم نتمالك أنفسنا وفضلنا التوجه نحو أرجاء المنزل الذي ذكرنا بعيشة القرون الغابرة، عائلة تتكون من ابن وحيد يبلغ من العمر 15 سنة وأم وشيخ مريض يعيشون حياة صعبة في شبه منزل لا أثر فيه للمطبخ والمرحاض ويفتقر لأبسط ضروريات العيش، وغالبا ما تلجأ الأم إلى دس المأكولات في التراب قصد تبريدها بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
فلا حديث هنا عن الثلاجة والمكيف الهوائي وكل ما في هذه "الزريبة" "ڤربة قديمة جدا يسيل منها الماء" وبعض الأغراض، وتروي زوجة الشيخ المريض أنها تجهل حتى عمرها بداعي الوضع المزري فهي تتكفل برعاية زوجها المشلول حركيا، مؤكدة أنها لا تنام سوى سويعات وتضل طوال اليوم ساهرة تلازمه ولا تغفل عنه ولو للحظة بالتداول مع ابنها الذي يعد بمثابة الضوء الذي ينير ظلام يومها كما تقول محدثتنا، وقد حرم هذا الأخير من الدراسة وتحقيق أحلامه وهو يصارع حياة صعبة بغية توفير دراهم معدودات لسد رمق الأسرة الفقيرة التي لم تنل نصيبها من الحقوق المشروعة باستثناء قفة رمضان التي تسلمتها من مصالح البلدية مؤخرا، أما نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي فقد أوضح لـ "الشروق" أن حالة الشيخ مرضية لا أكثر وما على الأسرة المذكورة سوى تكوين ملف لمساعدتها في الحصول على سكن يأويها. ..الموضوع للمتابعة.
الشروق: 2010/08/29.