على مر التاريخ لم ينل المستبد قسطا من الراحة بأرض يحتلها الا ولقى آلاف الويلات من اصحابها ، ولعل السبب في ذلك يعود الى مايعرف بحب الوطن
او كما يسمى في مفهومه الواسع بالوطنية ، فقد كانت تشكل لدى الانسان وازع اوغريزة تحركه لكي يرمي بيده وكتفه وحتى جسده اجمع في وجه المدافع
والرشاشات دون اية مبالاة.... وهو ما لم تفتقده ذكرياتنا كعرب ، بل زخرت به ولعل ابرز الثورات والتغييرات الجذرية التي عرفها التاريخ مستنا نحن..
اليوم لم تعد تلك الرواية القديمة الا قصص تحكيها كتب التاريخ ، فالوطنية اختصرت من نص طويل يحوي في طياته آلاف المعاني والعبر في قطعة قماش
ليس حتى ذات صناعة اصلية، ولنكون اكثر تحديدا فالقميص الرياضي ارتدى عنوة وطنيتنا المبجلة ورمى بجلباب القيم والشيم في سلة العادات المشينة ،
فمشاعر الناس رقم يطبع على قميص رياضي ، ليبلله اللاعب عرقا ، وعلى قدر العرق تأتي المصائب ، فاللاعب المجتهد المتصبب به هو شخص وطني
اما اللاعب البارد فهو " حركي " ، والاكثر هزلا وسخرية ان الفوز يساوي انتصار وطني في الكثير من الاحيان وكأن الفريق الخاسر مرتد او خائن لبلده !
في حقيقة الأمر لا هذا ولا ذاك على صواب او جادة فالرياضة تبقى رياضة مهما علقت عليها اساطير وحكايات ، بينما ما هو حاصل حقيقة تستحق الكتابة
فالصورة النمطية التي يعيش بها مجتمعنا اليوم لم تأتي وليدة للصدفة او بالتحديد هي ابنة بارة لوسائل الإعلام التي وجهت لكي تحرك مشاعر الناس من
الدور الاجتماعي بما يحويه من ثقافة وسياسة او حتى تنمية الى ضجيج رياضي يهز اوصالنا وعلاقاتنا ويريح ساداتنا وحكامنا ويرمي بمستقبلا واحلامنا
الى مهب الريح ...
ولعله لا يوجد ما يجلب المبيعات والفرص الإعلانية بالنسبة لوسائل الإعلام اكثر من الحركة الكروية فتلك بيبسي وهذه كوكا تزغرد على شاشاتنا وبألوان
منتخباتنا الوطنية عفوا اقصد جيوشنا الوطنية التي ستدافع عنا ليس في ساحات القتال بل على اعشاب الميادين !! عشب الاجدر به بقرنا ومعزنا ولا اقصد
السخرية هنا اطلاقا فالملايين التي تصرف على قطع العشب المفبركة لبناء ملاعب رياضية يكفي ما يكفي من قطاعات بحاجة ماسة الى جنيهات لتزاول
نشاطها بالشكل المطلوب ... لربما ماتت هنا او هناك بقرة جائعة في ارض لم تسقط بها قطرة ماء مدة عام ، بقرة ربما كانت بما ستنتجه من حليب او لحم
ستنفع بالقليل اسرتين او ثلاثة لأيام وايام ...وقس عزيزي القارئ البقرة بالعامل والعامل بالسلعة والسلعة بالسوق والسوق بالمعيشة وما يتبعها من حركة
تنموية لتجد ان التيشرت الرياضي اخذ الغالي والرخيس ....!
بالمقابل قد تبدو الحلول شبه مستحيلة طالما ان هذا التوجه اللاعقلاني تجاه الرياضة او بالتحديد كورة القدم وربطها بوطنية وحياة المواطن سببها بالاساس
هو الإعلام نفسه الا ان القليل من الأقلام الصادقة في القليل من الوسائل الإعلامية الطيبة في القليل من القراء المثقفين يكفي لبدء مسيرة تجعل من الوطنية
قيمة انسانية وليست مجرد ألوان مزخرفة بتيشرت ولا ترمي الرياضة مطلقا بل توظفها لمصلحة الاقتصاد او بالاحرى جعلها عجلة اقتصادية تسـاعد في
بناء الدخل الوطني لا وسيلة للنهب والسرقة وتبذير الاموال ، عدا هذا فالاجدر ان نعلق بمؤسساتنا بدل الأعلام الوطنية أقمصة رياضية عسى ولعل في ذلك
خير لنا !!