كانــت بعــمــر الـــزهور !

كانــت بعــمــر الـــزهور !

كانت بعمر الزهور حين ألتقينا اول مرة ، مشرقة الوجه ، حسنة الخلق ، والأهم محبوبة من الجميع .. كنت اجلس كل يوم بالمقهى المقابل للشارع لأرى مرورها وأمتع بصري

بجمالها وببهاء منظرها ، فرغم طيبتي إلا أني لم اتجرأ يوما على مخاطبتها ، خجلا ، خوفا ... لا أعرف ... واستمر الحال ومرت الأيام حتى أختفت عن موعدنا اللامبرمج أقصد

مرورها على الشارع ومراقبتي لها ! ... لم افقد الأمل حتى ظهرت مجددً لكنها مستعجلة وكأن أحد ما يطاردها !!

وفي غفلة مني وجدتها تسير نحوي ولازالت على عجلة تفعل لتحجز مقعدا بجنبي ، اصفر وجهي وازدادت دقات قلبي ... على عكسها ..فقدت بدت يائسة من كل شيء قبيحة

الملامح على غير العادة وكأنها عجوز في السبعين من عمرها ! ... حدثتني دون اية مخاوف " أغثني فقد سئمت الحياة ولكني مرغمة على العيش بها ! مثلي مثل المدخن

يكره سيجارته ويعلم خطرها ولكنه مجبر على تدخينها ! ..ساعدني فأنا زهرة جفت وسط حقول الشوك ! ... ارجوك اخبره أن يتركني وأن لا يطاردني .... "

اندهشت ولم أفهم من هو الشبح الذي اذبل هذه الزهرة ومن هو الخوف الذي جعل من الحياة مقبرة ؟!

تلك الفتاة العجوز إن صح التعبير هي الثقة التي كانت بمجتمعنا في وقت ولى ومضى ، حين كان التاجر يتعامل بالبركة والمعلم يدرس بالعلم والمعرفة والصحفي يكتب بالصدق

والقاض يحكم بالعدل والرئيس تؤرقه الرعية !! يومها كانت الثقة بعمر الزهور ... الى أن جاء الشبح وجاء الخوف الذي قلب حقل الزهرة صحراء قاحلة وجعل منها ساحة يتمتع

بها الشوك ! إنها المنفعة أو المصالح الفردية .. فمجتمعنا منذ أن عرف عقله لغة التجارة المادية والمعنوية استبدل المعيار بالدينار والثقة بالإحتراس .. فأضحى الجميع لا يأمن الا

ذراعه ولا يصافح إلا جيبه ومنها راحت الأخلاق ومعها المجتمع .... صدقا هي الثقة كانت بعمر الزهور لكنها اصبحت عجوز بعمر الشوك !!

أما أنا ورغم ما حصل فسأبقى اتردد على نفس المقهى ؛ ليس لكي اترقب غيرها كما اعتقد البعض ! بل من أجل أن احتسي قهوتي فحسب .. ببساطة لأن الحياة مهما امتلئت بالخير

أو الشر فسيبقى هناك دوماً متسع لفنجان من القهوة !! ...

دمتم بود

السلام عليكم و رحمة الله

مقالك الجديد أعاد إلي ذكريات من أعجبوا بصفات أهل المدينة الفاضلة و سعوا جاهدين لنشرها و تلقينها لإنسان القرن الواحد و العشرين
و بما أنك تطرقت لأحد هذه الصفات (الثقة) فأنا أؤيدك في ما ذكرته، و ما دامت الثقة في سن الشيخوخة و لم تصل لحد الموت فنحن نأمل الخير لأن آثارها ما تزال موجودة و يمكن أن تلتمسها في تصرفات الصالحين رغم ندرتهم و خوفهم من بطش الطالحين

تقبل خالص تحياتي و تقديري أخي الجارح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بوركت أخي موضوعك القيم .

لا أعتقد أن التجاعيد نالت من وجه تلك الحسناء

ولا أرى أن الزهرة ذبلت فهي ستبقى دوما زهرة متفتحة

ولكن هو مرض أصاب عيوننا فلم نعد نراها كذلك

العيب في أنظارنا التي ترينا المتفتح ذابلا .

إنه زمن الشقلبة بدو منازع أخي :شقلبة القيم والمفاهيم بلغت أوجها

لا مكان للثقة في ظل خداع يتصاعد بإستمرار وإنتهازية مقيتة ترسم منحنى لا يتوقف عن الصعود

نحن فقدنا حتى الثقة بأنفسنا فكيف لنا نجدها في غيرنا ؟

نحن نتوجس خوفا بداع وبغيره من الأخر لأن غشاوة غلفت قلوبنا قبل أعيننا

أملتها سلوكات معتادة لا تشجع على تداول تلك العملة النادرة والجوهرة المفقودة .