قال أبو الأسود الدؤلي
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداءٌ له وخصومُ
وترى اللبيبَ محسداً لم يجترم ..... شتمَ الرّجال وعرضهُ مشتوم
وكذاكَ من عظمتْ عليه نعمةٌ ..... حساده سيفٌ عليه صروم
فاترك مجاراة السّفيه فإنها ..... ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيم
فإذا جريتَ مع السّفيه كما جرى ..... فكلاَ كما في جرْيه مذموم
وإذا عتبتَ على السّفيه ولمتهُ .... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
يا أيها الرجلُ المعلّم غيره .... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصفُ الدّواءَ وذي السّقام وذي الضّنى.. كيما يصحُّ به وأنت سقيم
وأراك تصلحُ بالرّشاد عقولنا ... أبداً و أنت من الرّشاد عقيم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله.... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها .... فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيم
فهناك يقبلُ ما وعظتَ ويقتدى .... بالعلم منك وينفع التّعليم
لا تكلمنْ عرض بن عمّك ظالماً .... فإذا فعلتَ فعرضك المكلوم
وحريمه أيضاً حريمك فاحمهِ ... كيلا يباع لديك منه حريم
وإذا اقتصصت من ابن عمّك كلمةً.... فكلومهُ لك إن علقتَ كلوم
وإذا طلبت إلى كريم حاجةً ..... فلقاؤه يكفيك والتّسليم
فإذا رآك مسلّماً ذكر الذي .... كلّمتهُ فكأنه ملزوم
ورأى عواقب حمدِ ذاك وذمّه ... للمرء تبقى والعظام رميم
فارجُ الكريم وإن رأيتَ جفاءه.... فالعتب منه والكريم كريم
إن كنتَ مضطرّاً وإلا فاتخذْ ... نفقاً كأنك خائفٌ مهزوم
واتركه واحذر أن تمرّ ببابه ... دهراً وعرضك إن فعلتَ سليم
فالناس قد صاروا بهائم كلُّهم ...ومن البهائم قائلٌ وزعيم
عميٌ وبكمٌ ليس يرجى نفعهم ... وزعيمهم في النّائبات مليم
وإذا طلبتَ إلى لئيم حاجة ... فألحّ في رفقٍ وأنت مديم
والزم قبالةَ بيته وفنائه... بأشدّ ما لزمَ الغريَم غريمُ
وعجبت للدّنيا ورغبة أهلها .... والرّزق فيما بينهم مقسوم
والأحمق المرزوقُ أعجبُ من أرى ... من أهلها والعاقلُ المحروم
ثم انقضى عجبي لعلمي أنّه..... رزقُ موافٍ وقتهُ معلوم