ماذا نحكى لأطفالنا ؟
محمد سعيد مرسي *
إذا كنا نريد جيلاً إيماني النشأة ، إسلامي النزعة ربانيّ المنهج ، ملائكي الخلق ، يعيش على الأرض وقلبه في السماء ، يرى بنور الله ، ويسير على هدى من الله ، لذا فنحن بحاجة إلى نوع خاص من القصص و الحكايات، ربانية الهدف ، إيمانية الإيحاء ، قرآنية المفهوم ، ملائكية التأثير ...
قصص تكون إلى الله قربة ، وعلى طريق التربية خطوة ، وحكايات تكون مصباحاً منيراً لأطفالنا في عصر كثرت فيه الأهواء ، واختلطت فيه الرايات ، وندرت فيه القدوات.
وهذا النوع من الحكايات لن تجده إلا في:
1- أحسن القصص :
قال تعالى : } نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ { روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالوا يا رسول الله ]لو قصصت علينا ؟ فنزلت : " نحن نقص عليك أحسن القصص[ فأرادوا القصص ، فدلهم على أحسن القصص .
وإننا حين نحلق في آفاق القصص القرآني نجد أنه يمتاز بالآتي :
* بسمو غاياته، وشريف مقاصده، وعلو مراميه .
* يشتمل على فصول في الأخلاق ، مما يهذب النفوس ويجمل الطباع، وينشر الحكمة والآداب ، تساق أحياناً مساق الحوار، وطورا مسلك الحكمة والاعتبار ، وتارة مذهب التخويف والإنذار.
* كما يحوى كثيراً من تاريخ الرسل مع أقوامهم ، ويشرح أخبار قوم هُدوا فمكّن الله لهم في الأرض ، وأقوام ضلوا فساءت حالهم ، وخربت ديارهم ، ووقع عليهم النكال والعذاب، يضرب بسيرهم المثل، ويدعو الناس إلى العظة والتدبر .
كل هذا قصّه الله في قول بيّن ، وأسلوب حكيم، ولفظ رائع، وافتنان عجيب، ليدل الناس على الخلق الكريم ، ويدعوهم إلى الإيمان الصحيح، ويرشدهم إلى العلم النافع ،بأحسن بيان، وأقوم سبيل، وليكون مثلهم الأعلى فيما يسلكون من طرق التعليم، ونبراسهم فيما يصطنعون من رسائل الإرشاد.
2- سيرة سيد المرسلين :
قال تعالى :} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا{
منذ القدم والناس مولعون بالحديث عن عظمائهم، وأصحاب الفضل منهم، وكلما ارتفعت مرتبه الذي يتحدثون عنه زاد لديهم الشوق والغرام بسجل حياته، ومواقف عمره ، وفضائل أعماله.
وشتان بين الحديث عن صفوة الله من خلقه، وخير رسله، والحديث عن عظيم قوم، أو صاحب فضل، لذا فمنذ طليعة ظهور الإسلام والناس في شوق لتتبع السيرة النبوية العطرة، وازداد ذلك الشوق مع الغزوات النبوية المباركة.
وتمر الأيام ، ويزداد إقبال الناس على السيرة النبوية إذ إنها تسجل حياة الإنسان الكامل والقدوة العظمى ، والأسوة الحسنة،
كما قال تعالى :
} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا {
والمرء في زماننا أحوج ما يكون إلى الناس برسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا من باب المندوب إليه حتى يتراخى المرء ، بل هو من الأمور التي أوجبها الله تعالى ، فالقرآن الكريم يعلمنا أن رحمة الله ستكون من نصيب من يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال جل شأنه : } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{ .
لهذا رأينا حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرس حبه في نفوس أبنائهم، وذلك عن طريق تعليمهم السيرة النبوية والمغازي المباركة .
فعن سعد بن أبى وقّاص أنه قال : " كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن " وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنهم قال: " كان أبى يعلمنا المغازى والسرايا ويقول : "يا بني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها ."
ومما لا شك فيه أن من أهم الأسباب التي دفعت السلف الصالح إلى الاهتمام الشديد بتعليم أبنائهم السيرة والمغازي هو علمهم بأن المحب مولع بتقليد المحبوب، فتلقين الأبناء هذه السيرة المباركة هو من أحسن الطرق لتشكيل شخصياتهم على هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
3- أخبار النجوم :
روى البيهقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :] أصحابي كالنجوم بأيهم اقتد يتم اهتديتم[
فهؤلاء الذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال : } وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {يريد: يذكرون المهاجرين والأنصار بالجنة والرحمة والدعاء لهم ، ويذكرون محاسنهم .
وقال في رواية أخرى : والذين اتبعوهم بإحسان على دينهم إلى يوم القيامة .
والمتأمل في هذين التفسيرين لمعنى الإتّباع للمهاجرين والأنصار بإحسان يدرك أن كليهما يستلزم ذكر محاسنهم والفرح بالحديث عنهم والشوق إلى لقائهم والتأسى بأخلاقهم وأفعالهم .
فقد روى أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قال : " إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ، ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار الله له أصحابه ، فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيّه صلى الله عليه وسلم ، فما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن ، وما رآه المؤمنون قبيح فهو عند الله قبيح "
وأخرج أبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " من كان مستناً فليستنّ بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا خير هذه الأمة ، أبرّها قلوبا ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم ، وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا على الهدى المستقيم والله ربّ الكعبة . "
4- عظماؤنا فى التاريخ :
روى الإمام أحمد وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ] لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً ، يستعملهم في طاعته إلى يوم القيامة .
[ وقال صلى الله عليه وسلم : ] إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها [
إن المتأمل في هذين الحديثين ، يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فجر لنا ينبوعاً تربوياً لا ينضب أبداً ، حيث نستقى منه زاداً قصصياً رائعاً إلى يوم الدين.
إن أمتنا أغنى الأمم بالعظماء ، وما عرف تاريخ أمة من الأمم ، قدراً من العظماء يملئون التاريخ بمآثرهم وآثارهم ، كما عرف ذلك تاريخ أمتنا العظيمة .
ولكم يحتاج الأطفال في زماننا إلى الارتواء من نبع العظماء، إذ أننا في عصر ندرت فيه صور التضحية والجهاد ، والوفاء والإخلاص والإباء، فلم يعد من السهل على الطفل أن يرى هذه الصور حية أمام عينيه في واقع الناس ، اللهم إلا من فئة اعتصمت بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا تأتى أهمية قصص وأخبار العظماء إذ أن لها المقدرة على أن تجعل الطفل يرى مثل هذه الصور سمعاً وفهماً وفقهاً وتطبيقها ،
كما قال إبن الجوزي رحمه الله :
" عليكم بملاحظة سير السلف ، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم ، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم " .
وهكذا ، نجد أن لدينا نبعاً صافياً معطائاً للحكايات النافعة التي لا يستغني عنها أطفالنا ولا نستغني عنها نحن أيضاً كعامل مؤثر في عملية التربية .