مواويل دمشقية لنزار
قباني
أيْقَظتْني بَلْقيسُ في زرقةِ الفَجْرِ
وَغَنَتْ مِنَ العِراقِ
مُقاما
أرْسَلَتْ شَعْرَها كَنَهْرٍ ، ويا لي
أَرَأَيْتُمُ شَعْراً ،
يقولُ كلاما
كانَ في صَوْتها الرَّصَافَةُ والكَرْخُ
وشَمْسٌ ، وحِنْطَةٌ
وخُزامي
حَمَلَتْ لي جرائِدَ اليوْمِ والشَّاي
وفاضَتْ أُمومَةً
وابْتساما
مالها زَوجتي تُطارِحُني الحُبَّ
وكَأَنَّ الهوى عَليْنا
حراما
لَكَ عِنْدي بِشارَةٌ يا حبيبي
فَعَلَ القَوْمُ ما فَعَلْنا
تماما
ذَكْروني قالتْ بليْلَةِ عُرْسٍ
ورَفيفِ المُني ، وظُرْفِ
النُّدامي
قَبْلَ عَصْرِ التَّوحُّدِ ، نحْن اتَّحدنا
وجَعَلْنا راوا
دِمَشْقَ الشاما
أخذوا الحُبَّ والصَّبابةَ عنا
ونَسَوا أنْنا
اخْتَرَعْنا الغراما
إنْ يكونوا تَعَلَّموا لُغَةَ العِشْقِ
فَنَحْنُ
المُتَيَّمونَ القُدامى
الْتِزامي أنا بِوَجْهِ حبيبَتي
أَوَلَيْسَ
الحُبُّ الكبيرُ الْتزاما
تُهْمَةُ الحُبِّ لا تَزالُ ورائي
لا رَآني
ربِّي ، أرُدُّ اتْهاما
وتَزَوَّجْتُ زَوْجتي مِنْ جديدٍ
وَضَحِكْنا ،
وَقَبْلُ كُنَّا يَتَامى
يا شِراعاً وراءَ دِجْلَةَ يَجْري
اقْتَرِبْ
إنْني أموتُ هُياما
لي علي الشَّطِّ نَخْلَةٌ تَيَّمَتْني
بِهَواها
فاقْرأْ عليها السَّلاما
كيْفَ أنْسى في الأعْظُميَّةِ ظَبْياً
أشْعَلَ
النارَ في دِمائي وناما
تلكَ بغْدادُ بعدَ عَشْرِ سنينٍ
تَلْبَسُ الماءَ
والنجومَ حزاما
دِجلةٌ عاشقٌ يزورُ دِمشقاً
وكريمٌ أتي يزورُ
كراما
إنَّ كَفَّ المأمونِ في كَفِّ مروانَ
وماء الفراتِ يَجري
مُداما
ليلةُ القدرِ .. ما أراهُ أمامي
أمْ يكونُ الذي أراهُ
مناما
بابِلٌ ضَوَّأَتْ .. وقبْرُ عليٍّ
تركَ الأرضَ واستحال
غماما
انتظرنا هذا الزِّفافَ طويلاً
وشربْنا دُموعَنا أَعْواما
لا
بريدُ المحبوبِ يأتي إلينا
لا ولا النَّومُ قابِلٌ أنْ يناما
حُلُمٌ
مُدْهِشٌ أخافُ عليهِ
فَلَكَمْ كسروا لنا أحْلاما
بَرَدي .. يا أبا
النُّهورِ جميعاً
يا حِصاناً يُسابِقُ الأيَّاما
كُنْ بتاريخِنا الحزينِ
نبياً
يتَلقَّي من ربِّهِ الإلْهاما
الملايينُ بايَعَتْكَ
أميراً
عربيَّاً .. فصَلِّ فيها إماما
وتزَوَّجْ نَخْلَ العراقِ
وأنْجِبْ
خالداً ثانياً .. وأنِجبْ هشاما
يا عيونَ المها ببادِيَةِ
الشامِ
أَطِلّي .. هذا زمانُ الخُزامي
حبسوكُنَّ في الخيامِ
طويلاً
فَغَزَلْنا مِنَ الدموعِ خياما
واسْترَدْوا الجسرَ المُعلَّقَ
منَّا
واسْترَدوا الغروبَ والأنْساما
شَهِدَ اللهُ ما حَنَثْنا
بوَعْدٍ
أوْ خَفَرْنا لمَنْ نُحِبُّ الذِّماما
غيرَ أنَّ الرياحَ هبَّتْ
علينا
ورَمتْنا علي الخليجِ حُطاما
علَّمونا ألا نُحِبَّ ..
فَخِفْنا
لوْ فَعَلْنا .. أن نَسْتَحيلَ رُخاما
واعتذرنا عنْ أي حُبٍ
بديلٍ
ورَفَضْنا التَّخويفَ والإرْغاما
كلُّ هذا الخِصامَ كانَ
افْتعالاً
حينَ يَقْوي الهوى يصيرُ خِصاما
يا شذا " الرَّازِقيِّ " في
ليلِ بغْدادٍ
عَشِقْنا .. فمَنْ يَرُدُّ السِّهاما
يا سؤالَ الورْدِ
الدمشْقيِّ عنّي
يا حُقولا رَكَضْتُ فيها غُلاما
سَنَواتٌ عشْرٌ نَسَيْتُ
حُروفي
وَدَواتي .. كما نَسيتُ الكلاما
سامَحَ اللهُ منْ علي غيرِ
قَصْدٍ
سَرَقوا مِنْ طُفولَتي الأعواما
لي حبيبانِ يمْلآنِ
حياتي
أَتْعَباني .. تَنافُراً وانْسِجاما
لَمْ نُفَرِّقْ ما بينَ شَعْبٍ
وشَعْبٍ
كيفَ يَرْضي لونُ السماءِ انقساما
وَطَنٌ واحِدٌ رَسَمْناهُ
قَمْحاً
ونَخيلاً وأنْجُماً ويَماما
نينَوي البوكْمالَ طَرْطوسَ
حمص
بابلٌ كَربلاءُ ،، رُدِّي السَّلاما
وَطَنٌ واحِدٌ .. ولا كانَ
شِعْري
لوْ يُغَنّي قَبيلَةً أو نِظاما
هلْ أَتَتْكَ الأخْبارُ يا
مُتَنَبي ؟
أنَّ كافورَ فَكَّكَ الأهراما
سَقَطَتْ مِصْرُ في يَديْ
قَرَويٍّ
لَمْ يَجِدْ ما يَبيعُ إلا التِّراما
مَسْرَحيُّ الطُّموحِ
يَلْبَسُ وَجْهاً
للكوميديا .. وآخر للدراما
هُوَ فاروقُ شَهْوَةً
وَغُرورا
والخديوي تَسَلُّطاً وانتقاما
وَعَدَ الناسَ بالرَّحيقِ
وبالشَّهْدِ
ولكِنْ سَقاهُمُ الأوْهاما
ساقَ مَنْ فَكَّروا لمَحْكَمَةِ
الأمْنِ
وألغي المِدادَ والأقلاما
وظَّفَ النيلَ مُسْتَشاراً
لديْهِ
والملايينُ ساقَها أغْناما
أضْرَمَ النَّارَ في مَنازِلَ
عَبْسٍ
وَتَميمٍ .. وأنْكَرَ الأرْحاما
عَصَبيُّ يَصيحُ في مِصْرَ
كالديكِ
وفي القُدْسِ .. يَمْسَحُ الأقْداما
جَرَّدوهُ منْ كلِّ شيءٍ ..
ولَمَّا
اسْتَهْلَكوهُ ألقوا إليهِ العِظاما
غَيَّرَ الثَّائرونَ
خارِطَةَ الأرضِ
وشَدوا مِنْ حَوْلها الأنْغاما
واسْتَفَقْنا معَ الذينَ
استفاقوا
فامْنَحونا .. حُرِّيَّةً .. وَطَعاما
لمْ تُغيِّرْ حَضارَةَ
النِّفْطِ شَيْئاً
مِنْ أظافيرها .. ولا إبهاما
قدْ حَبَلْنا بالنِّفْطِ
دونَ زَواجٍ
وَوَضَعْنا بعْدَ المَخاضِ سُخاما
أيْقَظتْني بَلْقيسُ في
زرقةِ الفَجْرِ
وَغَنَتْ مِنَ العِراقِ مُقاما
أرْسَلَتْ شَعْرَها
كَنَهْرٍ ، ويا لي
أَرَأَيْتُمُ شَعْراً ، يقولُ كلاما
كانَ في صَوْتِها
الرَّصافَةُ والجِسْرُ
وشَمْسٌ وحِنْطَةٌ وَخُزامي
لنْ يكونَ العراقُ إلا
عراقاً
وهِشامُ العَظيمُ يَبقي هِشاما