السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الفاضل الحريص على طاعة الله، يقول الله تعالى: {قُل إن كنتُم تُحبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم والله غَفُورٌ رحيمٌ(31) قُل أطِيعُوا الله والرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإنَّ الله لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ(32)} (أل عمران )، فمن الآية الكريمة يتضح أمران:-
الأول: أن طاعة الله وطاعة الرسول أمران متلازمان، فيقول سبحانه في سورة النساء: {من يُطعِ الرَّسولَ فقد أطاعَ الله ومن تَولَّى فما أرسلناكَ علَيهِم حفيظاً(80)}. فطاعة الرسول هي طاعة لله عزَّ وجل ومعصيته معصية لله، لأن أوامره ما هي إلا وحي من الله وعمل بكتابه الكريم حيث يقول الله تعالى {وما يَنْطقُ عن الهوى * إن هوَ إلاَّ وحيٌ يُوحى * علَّمهُ شديدُ القُوى} (53 النجم آية 3ـ5).
الأمر الثاني: والهام هو أن حب المؤمن لربه ولنبيه هو السبيل للطاعة، والحب الحقيقي الصادق يعني أن يكون العبد مطيعاً لله في السر والعلن، ويكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فكثير من الناس يدَّعون محبَّة الله ورسوله؛ ولكن تأتي المعصية واتباع الأهواء لتظهر نقيض ذلك.
والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث بل وتؤكد حتمية طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المسلمين. ففي سورة النساء يقول سبحانه وتعالى: {يا أيُّها الَّذين آمَنُوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسولَ وأُولي الأمرِ منكُم فإن تنازعتُم في شيءٍ فرُدُّوه إلى الله والرَّسولِ إن كنتم تؤمنونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً(59)}.
ويقول أيضاً: {ومن يُطع الله والرَّسولَ فأولَئِكَ معَ الَّذين أنعَمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رفيقاً(69) ذلك الفضلُ من الله وكفى بالله عليماً(70)}.
وحتى تكون الأمور واضحة ومحددة، فإنني أقدم إليك بعض النصائح التي أسأل الله العلي القدير أن تكون نعم المعين لك، وأن تكون سبباً في ثباتك على الطاعة:-
1- المداومة على الأعمال الصالحة: فإن أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، واعلم أنه إذا حدث وانقطعت عن عمل صالح كنت تداوم عليه بسبب مرض أو سفر أو نوم كُتِبَ لك أجر ذلك العمل. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) (رواه البخاري).
2- استصغار العمل: لا تجعل ما تقوم به من عمل صالح يصيبك بالعجب أو الغرور، فمهما قدَّمت من أعمالٍ صالحة، فلن تستطيع أن تؤدي شكر نعمة واحدة من التي من الله عليك بها.
3- الخوف من عدم قبول العمل: فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، والمؤمن مع إقباله على الطاعات، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
4- الاقتصاد في العبادة وعدم المغالاة وعدم تحمل مالا تطيق النفس، فكما قلنا سابقا داوم على الأعمال ولو القليل منها.
5- التوبة المستمرة والإنابة إلى الله سبحانه.
6- تذكر الموت دائما والاستعداد للقاء الله... فمن صدق في ذلك انقطع قلبه عن الدنيا وأقبل على طاعة الله وأخذ ينهل من الأعمال الصالحة لعل الله يقبله.
7- مجالسة الصالحين وقراءة سير الأنبياء والصحابة الكرام.
8- الرجاء وكثرة الدعاء: الدعاء المستمر بأن يرزقك الله الصبر على الطاعات ويثبتك ويعينك عليها وأن يجعل خير أعمالك خواتمها.
واعلم أخي الكريم أن للطاعة والثبات عليها نتائج وثمار، و بُشْرَيَات أبث لك بعضها:-
1 – الفلاح في الدنيا والفوز بالآخرة: ففي سورة النور يقول الله تعالى: {إنَّما كان قولَ المؤمنينَ إذا دُعُوا إلى الله ورسولِهِ لِيَحْكُمَ بينهم أن يقولوا سَمِعنا وأطَعنا وأولئِكَ هم المفلِحونَ(51) ومن يُطع الله ورسولَهُ ويَخشَ الله ويتَّقْهِ فأولئِكَ هم الفائِزونَ (52)}.
2 ـ إن المطيع لله ورسوله، يتبوَّأ منزلته في عليين، مع الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين، في ظلال عرش الرحمن، فيقول الرسول في حديثه الشريف: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في طاعة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".
واعلم- أخي الفاضل- أن الله إذا قبل منك الطاعة يسَّر لك أخرى وأبعدك عن معاصيه، فيقول تعالى جل شأنه في سورة الليل: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}).
وكما أن للطاعة ثمراتها، فإن للمعصية عواقبها، فإذا عصيت الله ورسوله فقدت معونة الله، وخرجت عن مسارك المستقيم، وتلاعب بك الشيطان، وجعلك عبداً لأوامره.