السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد جاء الابتلاء في القرآن الكريم على غير إفهام الناس وتصوراتهم : قال تعالى في سورة الأعراف، في الآية 168 : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وقال سبحانه في سورة الأنبياء، في الآية 35 : (وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . وقال سبحانه أيضا في سورة البقرة، في الآية 216 (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
فهذه الآيات وغيرها كثير توضح أن الابتلاء على نوعين، النوع الأول يكون بالخير وإسباغ نعم الله على عبده، ظاهرة و باطنة. والنوع الثاني يكون بالشدائد والمحن. فكلا الابتلاءين امتحان للإنسان، وهو كادح إلى ربه كدحا. والإنسان في هذا المقام صنفان، الصنف الأول جذوع هلوع، والصنف الثاني المدرك لحقيقة الابتلاء بأنه يكون بالخير والشر على حد سواء، وأنه سبق في قدر الله وقضائه كل ما يقع للإنسان، وأن البلاء وخصوصا الشق الثاني إنما هو كفارة للذنوب.
ولنا أسوة حسنة في أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين في تعاملهم مع مختلف الابتلاءات التي تعرضوا لها في حياتهم الخاصة والعامة، ويكفي أن نتذكر كرب سيدنا أيوب عليه السلام وصبره الجميل. فالابتلاء سنة جارية في خلق الله، فما من إنسان إلا ويأتي عليه حين من الدهر تجده مكتئبا مغتما، يظن ألا فرج بعد الذي حدث، ولكن ما يفتأ الحال أن يتغير.
وهذا ما عبر عنه الشاعر العربي بقوله :
ثمانية لابد منها على الفتى*** ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة*** ويسر وعسر ثم سقم وعافية
فالكآبة أخي الكريم، حالة عامة يمر بها كل إنسان، وخصوصا في مراحل، ومحطات معينة من حياته. وأسباب هذا الاكتئاب متعددة ومتنوعة، إلا أن الخروج منها، وخصوصا بالنسبة إلى شاب مثلك في مقتبل العمر لا يعدو أمرا صعبا.
وكل ما يتطلبه الأمر هو محاولة السيطرة على الانفعالات، و كسب المزيد من الثقة في النفس.لأن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وان الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الجدوى، هي بداية الفشل (الضياع).
والثقة بالنفس هي الإيمان بالذات أولا، وما وهبها الله من التكريم ومن الإمكانات والطاقات، وثانيا الاعتراف بأن هذه الإمكانات إنما هي منة ربانية استودعها الله عندك واستخلفك عليها فناظر سبحانه ما أنت فاعل فيها و بها.
ولنلقي نظرة سريعة على قصة الملك العظيم الذي لم ولن يكون لأحد مثل ملكه؛ سيدنا سليمان عليه السلام، في موقفه الخارق عند وادي النمل إذ قال سبحانه (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل الآية 19]، فمع ثقته بنفسه عليه السلام وبما حباه الله عز وجل من ملك وإمكانات وقدرة لم ينسى أن ينسب كل ذلك إلى محض فضل الله ومنته.
وللثقة بالنفس فوائد نجملها فيما يلي:
* تشعرك بذاتك وبقدراتك وخصائصك المميزة لك عن غيرك.
* تجعلك مدركا تماما لقدرتك وإمكاناتك.
* تعطيك الاستعداد للانطلاق في الحياة من جديد.
* توضح لك رسالتك في الحيلة وتدفعك إلى الوصول إليها.
* تنتشلك من براثن العجز والسلبية.
إذ هذه البراثن هي المحضن المفضل والنموذجي للوسواس. الكل يخطأ ويسقط، والكل يفشل، ولكن الفرق، أن فريقا ينظر إلى هذا الإخفاق كتجربة يغترف منها ليزداد خبرة وحكمة وكما قال عمر المختار رحمة الله عليه: الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه.
وهكذا حال المؤمن بالله كلما اعترت حيلته نوبات من الضعف إلا وانتفض وهرول مسرعا ليجدد العزم ويواصل رسالته في الحياة الدنيا. والفريق الثاني ينظر إليها على أنها ضربة لازب كما قيل قديما، فيفقد ثقته بنفسه وبمن حوله، وكذا- وهو الأصعب- يفقد حسن الظن بالله، والله يقول (أنا عند حسن ظن عبدي بي).
وللخروج من هذه الدوائر الضيقة يمكن اعتماد الطرق التالية:
الطريقة الأولى:
1- تحديد المشكلة الأساسية التي تعترضك.
2- تحديد كيفية نشوء هذه المشكلة و دورك فيها.
3- تدوين هذه المعلومات في مذكرة.
4- وضع جدول لهذه الحلول و اختيار الأفضل منها.
5- الأقدام على تنفيذ مقتضيات هذه الحلول.
الطريقة الثانية (الطريقة الخماسية) :
أداء الصلاة في أول وقتها.
اقرأ ما تيسر من القرآن يوميا (ولو صفحة واحدة).
اذكر ربك في خلوة ولو لدقيقتين يوميا.
ادع ربك، واقبل عليه بزلاتك واعترف بها وبين يديه وبكل صدق أشك ضعفك بين يديه فهو الذي لا يرد طارقا ولا مستغفراً.
اصنع معروفا ولو واحدا كل يوم مهما صغر، فإسداء المعروف يمنحك شعورا بالسعادة لن تتذوق حلاوتها إلا بممارسته.
وفي الأخير أخي الكريم نهمس في أذنيك :
الله عز وجل هو خالق النفس و بارئها وهو أعلم بكينونتها لا يمكن أن تجد دواءً لسقمها في غير ما افترض عليها من الأوامر، فكل الأوامر إنما هي مثل تلك الوصفة الطبية التي يقررها طبيب لمريض، ويطلب منه الانضباط التام لتعاليمه، إن أراد العلاج، فكذا – ولله المثل الأعلى والأعظم- يجب على المسلم أن ينظر إلى التعاليم الربانية.
وفقكم الله لكل خير وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وتابعنا بأخبارك.