في الطائرة التي
أقلتني من جدة متجهة الى باريس قابلته بعد أن عرفته ، كان قد أرخى رأسه على
وسادة المقعد وأراد أن يغفو ، فقلت له : السلام عليكم أبا محمد ، أين أنت
يا رجل ، إنها لصدفة جميلة أن ألتقي بك هنا في الطائرة ، ولن أدعك تنام
فليس هناك وقت للنوم ، ألا ترى هؤلاء المضيفين والمضيفات يحتاجون إلى دعوة
ونصح وإرشاد ، قم وشمر عن ساعد الجد لعل اللّه أن يهدي أحدهم على يدك فيكون
ذلك خيراً لك من حمر النعم ، ألسنا أمة داعية ؟! لم النوم ؟!! قم لا راحة
بعد اليوم !!
فرفع الرجل بصره وحدق بي ، وما أن عرفني حتى هب واقفاً وهو يقول : دكتور
سرحان غير معقول !! لا أراك على الأرض لأجدك في السماء ، أهلاً أهلاً ، لم
أكن أتوقع أن أراك على الطائرة ، ولكنك حقيقة كنت في بالي ، فقد توقعت أن
أراك في فرنسا أو جنوب إفريقيا .. ألا زلت تعمل هناك مديراً لمكتب الرابطة !
ولكن أخبرني ما هذه اللحظات الجميلة التي أراك واقفاً فيها أمامي في الطائرة !! إنني لا أصدق عيني ..
- صدق يا أخي صدق ألا تراني أقف أمامك بشحمي ولحمي ، بم كنت تفكر أراك شارد الذهن .
- نعم كنت أفكر في ذلك الطفل ذي العشر سنوات الذي قابلته في جوهانسبرج ، والذي أسلم ولم يسلم والده القسيس .
- ماذا طفل أسلم ووالده قسيس .. قم .. قم حالاً وأخبرني عن هذه القصة ، فإنني أشم رائحة قصة جميلة ، قصة عطرة ، هيا بربك أخبرني .
- إنها قصة أغرب من الخيال ولكن اللّه سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فإنه
يمضيه ، بيده ملكوت كل شيء سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء .
وإليك القصة :
كنت في مدينة جوهانسبرج وكنت أصلي مرة في مسجد ، فإذا بطفل عمره عشر سنوات
يلبس ثياباً عربية ، أي ثوباً أبيض وعباءة عربية خليجية تحملها كتفاه ،
وعلى رأسه الكوفية والعقال ، فشدني منظره فليس من عادة أهل جنوب أفريقيا أن
يلبسوا كذلك فهم يلبسون البنطال والقميص ويضعون كوفية على رؤوسهم أو أنهم
يلبسون الزي الإسلامي الذي يمتاز به مسلمو الهند والباكستان ، فمر من جانبي
وألقى علي تحية الإسلام فرددت عليه التحية وقلت له : هل أنت سعودي ؟!!
فقال لي : لا ، أنا مسلم أنتمي لكل أقطار الإسلام ..
فتعجبت وسألته : لماذا تلبس هذا الزي الخليجي ؟!؟
فرد علي : لأني أعتز به فهو زي المسلمين ..
فمر رجل يعرف الصبي وقال : اسأله كيف أسلم ؟!
فتعجبت من سؤال الرجل بأن أسأل الغلام كيف أسلم ..
فقلت للرجل : أو ليس مسلماً ؟!!
ثم توجهت بسؤال للصبي : ألم تكن مسلماً من قبل ؟! ألست من عائلة مسلمة ؟!
ثم تدافعت الأسئلة في رأسي ، ولكن الصبي قال لي : سأقول لك الحكاية من
بدايتها حتى نهايتها ، ولكن أولاً قل لي من أين أنت ؟ فقلت : أنا من مكة
المكرمة !!
وما أن سمع الطفل جوابي بأني من مكة المكرمة حتى اندفع نحوي يريد معانقتي
وتقبيلي وأخذ يقول : من مكة!! من مكة!! وما أسعدني أن أرى رجلاً من مكة
المكرمة بلد اللّه الحرام ، إني أتشوق لرؤيتها ..
فتعجبت من كلام الطفل وقلت له : بربك أخبرني عن قصتك ..
فقال الطفل : ولدت لأب كاثوليكي قسيس يعيش في مدينة شيكاغو بأمريكا ، وهناك
ترعرت وتعلمت القراءة والكتابة في روضة أمريكية تابعة للكنيسة ، ولكن
والدي كان يعتني بي عناية كبيرة من الناحية التعليمية فكان دائماً ما
يصحبني للكنيسة ويخصص لي رجلاً يعلمني ويربيني ، ثم يتركني والدي في مكتبة
الكنيسة لأطالع المجلات الخاصة بالأطفال والمصبوغة بقصص المسيحية ..
وفي يوم من الأيام بينما كنت في مكتبة الكنيسة امتدت يدي الى كتاب موضوع
على أحد أرفف المكتبة ، فقرأت عنوان الكتاب فإذا به كتاب الإنجيل وكان
كتاباً مهترئاً ، ولفضولي أردت أن أتصفح الكتاب وسبحان اللّه ما أن فتحت
الكتاب حتى سقطت عيناي (ومن أول نظرة) على سطر عجيب فقرأت آية تقول :
وهذه ترجمتها بتصرف : (وقال المسيح : سيأتي نبي عربي من بعدي اسمه أحمد) ،
فتعجبت من تلك العبارة وهرعت إلى والدي وأنا أسأله بكل بساطة ولكن بتعجب :
والدي والدي أقرأت هذا الكلام في هذا الإنجيل ؟!!
فرد والدي : وما هو ؟
يتبع .....في ج2