السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أحبتي الكرام اقدم لكم هذه القصيدة الرائعة للشاعر محمد الحلوي
هذه القصيدة الحالمة التي تأخذنا لنحط الرحال في ربوع الفردوس المفقود نتذكر المجد التليد والتاريخ المجيد والملك العتيد للدولة الإسلامية هناك
ربما لن يكفي ان نسكب العبرات وأن نبدي الحسرات ربما لن يجدي أن نبكي بالدمع الهتون ولا أن نواصل الشجون
واليوم أحبتي بين الماضي والحاضر اقدم لكم هذه القصيدة التي قد ربما قد تكون مرت هنا ولكن لعلها مرت مرور الكرام فها هي اليوم بين أيديكم. قصيدة الوادي الكبير للشاعر الكبير محمد الحلوي رحمه الله تعالى :
محمد الحلوي رحمه الله
" 1922م - 2004م"
عَبَقُ الفردوسِ في الوادي الكبيرْ *** وعبيرُ العُرْب في المجد الأسيرْ
جَدَّدا لي ذكرياتٍ لم يزلْ *** جرحُها يسكن في قلبي الكسير
ذكّرتني أمةً شرقيّةً *** هبطتْ في الغرب بالخير الكثير
نَوّروا بالعلم أرضاً لم تكن *** لترى - لولاهمو- ومضةَ نور
وبنَوْا أمجادهم من شُهُبٍ *** مشرقاتٍ فازدهتْ عبر العصور
من تُراهم عبروا بوغازَها *** فغدا بالفتحِ فخراً للبحور ؟
من تراهُ جاء صقرا كاسراً *** خضدتْ شوكتُه كلَّ الصقور ؟
يا مغاني المجدِ في أندلسٍ *** ولياليها كهالات البدور
هزّني الشوقُ لدنياكِ التي *** سَبَحتْ في مركباتٍ من عطور
لأرى التاريخَ في أطلالها *** يسكبُ العِبْرَةَ من خلف السطور
وأرى فيها قصوراً أصبحتْ *** بعد إدبار اللّيالي كالقُبُور !
فَهْي كالخرساء، في أعينها *** دمعة ُالحزنِ ومأساةُ المصير !
****
أين من عيني نعيمٌ وافرٌ *** وارفُ الظلّ نقيٌ كالغدير ؟
وعشايا الأُنسِ في «غَرناطةٍ» *** بين أشجارٍ وأوتارٍ وحُور !
وصبايا حالماتٌ نشرتْ *** فوق بُسط الزّهرِ أمواجَ الشُّعور
وشذا الأزهارِ في أجوائها *** عنبرٌ يسبحُ فيها وبَخور
فتنٌ يفقُد فيها قلبَهُ *** جامحُ القلبِ ويخشاها الوقور
أوحشتْ مذ أفَلَتْ أقمارُها *** وخلتْ من أُنسها تلك القصور !
لم يعدْ يُسمعُ فيها وترٌ *** أو يغرّدْ بلبلٌ فوق الزهور
حوّم البومُ على أبراجها *** وطواها الموتُ من غير نُشور
وروى التاريخُ عنها قصّةً *** سكنتْ مأساتُها كلَّ الصدور !
فكأنْ لم تغنَ بالأمس ولم *** يكُ فيها لبني العُرْب حُضور !
إن جَلَوْا عنها وغابوا فلهم *** في مغانيهم شُخوصٌ وظُهور !
كلُّ شيءٍ يتراءى لكَ في *** فنّها الزاهي إشاراتِ مرور !
ولساناً عربيّاً ناطقاً *** ودماً يوشك فيها أن يثور !
****
كم شدا فيها «ابنُ زيدونََ» على *** فَنَنِ الحبّ فناغَتْهُ الطيور
منحتْه حبَّها «ولادةٌ» *** صافيَ المنهل عذباً لا يغور
خلّدتها في الهوى أشعارُهُ *** مَثَلاً يبقى على مرّ الدّهور
وشدا «زريابُ» في أبهائها *** ما تغنّتْ به ربّاتُ الخُدور !
كم أتاها «يوسفٌ»(1) في جندهِ *** يعبر البحرَ إليها والجُسور !
ذبّ عنها كلَّ طاغٍ وحمى *** بيضةَ الإسلام كالليث الهصور
لم يكن يكبح عن أعدائها *** خيلَه حتى تُواريها الجُحور !
****
شدّتِ القلبَ إلى «حمرائها» *** وخريرُ الماء للأُسْدِ زئير !
وشممتُ الزهرَ من «زهرائها» *** فارتشفتُ الراحَ من ثغرِ العبير
محفلٌ للحسنِ إلا أنهُ *** مأتمٌ في القلبِ موصول السّعير
ها هُنا كان رجالٌ ودَّعوا *** تاركينَ المجدَ والعزَّ الوفير
أسكرتهم نشوةُ العزّ فما *** فارقُوا النشوةَ إلا بالنفير !
من يمتْ حزناً على فقدانها *** لم يُمتهُ غيرُ وعيٍ في الضمير
أين في الفردوسِ مُلكٌ باذخٌ *** كان للإسلام والعُرَب النّصير ؟
خفقتْ راياتُه عاليةً *** وارتوى من صابه كلُّ مُغير
كلُّ شيءٍ راحَ إلا دِمَناً *** وقصوراً كدُمى الطفلِ الغرير
تُلهم الشِّعرَ وتدعو للبُكا *** بدم القلب، وبالصوت الجهير !
كلُّ شيءٍ غاب! لا جندٌ ولا *** موكبٌ يزهو، ولا عرشُ أمير !
****
من رأتْ عيناه يومَ ارتحلوا *** وهُمو بين طريدٍ وأسير !
ودَّ لو قد كان أعمًى لا يرى *** دولةَ الإسلام في النَّزْع الأخير !
خلعوا ألبسةَ العزّ التي *** ألِفوها ونسوا المهدَ الوثير
وإذا مَن كان في الأمس بهِ *** يستجيرُ الناسُ يسعى للمُجير !
****
هكذا خُلْقُ اللَّيالي، صفوُها *** غيرُ مأمونٍ، ودولابٌ يدور
ليس يبقى حُزْنُ محزونٍ بها *** أبدَ الدهرِ، ولا يبقى سرور
فسقى اللهُ رُباً ضمّخها *** دمُ قومي، وسقى تلك الصّخور
كم رجالٍ ضرّجوا أرجاءها *** بدماهم، وحمَوْا فيها الثغور !
وتحدَّوْا عُصَبَ الشّركِ بها *** في الوغى منقضّةً مثلَ النسور
ما على قوميَ بأسٌ إن كبا *** بهمُ الدهرُ فللدهر عُثور !
****
يا ربوعَ المجدِ في أندلسٍ *** إنّ عمرَ المجدِ في الدنيا قصير !
كلما هبّتْ نُسيماتُ صَبا *** كدتُ من شوقي لدنياكِ أطير!