أهــكذا هم مثـقـفـونا ؟!في أيام الجامعــة ركبت كعادتي الباص للتنقل نحو إقامــة أصدقائي، و لأني كنت في بداية المحطة كانت الكراسي شاغرة فاخترت آخرها كي لا يستعطفني كبار السن فأكون مجبرا على الوقوف و الطريق طويلة جدا.
بدأت الحافلة بالسير و أنا في مكاني أتأمل هذا و ذاك حتى اقترب مني شاب يبدو من ملامحه أنه طائش خصوصا و أن رائحة سيجارته عكرت الأنفاس، اقترب الشاب و بقي واقفا كغيره من الناس و ما هي سوى لحظات حتى أخرج جريدة و أخذ يقرأ فيها .. استرقت النظر من موضعي لأقرأ العناوين الكبيرة فاستنتجت أن الجريدة ذات توجه إسلامي، ثم حدثت نفسي: "عجبا .. إن المظاهر خداعة، من كان يتصور أن يشتري شاب كهذا جريدة كهذه" ثم دعوت لي و له بالهداية.
تمر الدقائق سريعا و الحافلة تسير و ما هي سوى لحظات حتى توقف الشاب عن القراءة و طوى الجريدة بين يديه، أردتُ أن أناديه لآخذ الجريدة منه ريثما يصل إلى مكان النزول و لكنني ترددت، ثم ما لبثتُ أن طلبتها منه فأعطاني إياها، نظرت له و شكرته ثم شرعت أقلب الجريدة أقرأ فيها كل ما يشد انتباهي، و ما هي سوى لحظات حتى وصل الشاب إلى محطة نزوله فهمّ بالنزول و إذ بي أصيح به: "يا صاح خذ جريدتك لقد نسيتَها" أجابني على الفور: "لا، أتركها عندك" ثم مضى و نزل.
صراحة، لم أكن أتصور منه كل هذا .. فقد ظهر بصورة معاكسة تماما لتوقعاتي، فلعله درس لي كي لا أحكم بالمظاهر ثانية .. أخذت الجريدة و رحت أقرأ تفاصيلها، و بعد مرور بعض الوقت و في إحدى محطات الحافلة صعد الناس كالعادة و كان بينهم شخص محترم - أو هكذا ظننته - كان كهلا يلبس "كوستيم" اقترب مني كثيرا و ظل واقفا، ناديتُ عليه أن يجلس مكاني فلم يبق لي الكثير على الوصول، رفض ذلك و قال لي: "سأنزل في الموقف التالي، شكرا لك" قلتُ في نفسي: "ما دام واقفا لم لا أعطيه الجريدة فيشغل وقته بالقراءة" و هذا ما فعلتُ فقلت له: "إليك الجريدة" تبسم في وجهي و شكرني و أخذها و هنا كانت المفاجأة.
أخذ الرجل الجريدة و لم يقرأ منها حرفا ثم وضعها على مكان مرتفع نسبيا بالحافلة و جلس عليها !!!
اندهشتُ أنا و كل الأشخاص الذين رأوا الحادثة و ما هي سوى لحظات حتى تعالت أصوات الناس تنهره و تذمه على فعلته، خاف الرجل فنزع الجريدة من تحت مؤخرته و نهض واقفا يبرر فعلته بأنه لا يدري أنها جريدة إسلامية و أنه استعملها بحسن نية كي لا تتسخ ملابسه !!
عذر أقبح من ذنب .. أخذتُ الجريدة منه متذمرا و تمتمات الناس حوله لا تنتهي ثم قلت في نفسي:
حقا .. إن المظاهر خـــــــدّاعــــــة
بقلمي