(( المشرق العربى والمفهوم التاريخى ))
الباحث // طارق فايز العجاوى
بداية لا بد من الاشارة الى جملة من العلوم التى اهتمت فى قضية ( التكوين التاريخى للشعوب ) ونذكر منها التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم الاثار والجغرافيا وفقه اللغة وفى وقتنا الراهن بزغ فجر علوم هدفها ذات الهدف وتحت مسميات جديدة فهى فى الادبيات الغربية الاثنولوجيا وانتروبولوجيا والاتنوغرافيا والاخير عرف فى ادبيات الروس فهو يشغل الاهتمام الاول فى دراسته تناول الثقافة المادية والروحية لشعوب ( الاثنوسات )
اما فى حقول المعرفة العربية الاسلامية فقد لاقى حقل الملل والنحل والانساب رقيا كبيرا حيث فسحت له امهات الكتب الاخبار الطوال والمساحات الكبيرة من الاهتمام لكن ثمة قطيعة اخرى فى المعرفة المعاصرة حالت دون استئناف هذا الجهد المعرفى واعادة تأهيله بادوات العصر لقد كانت نتيجة الغياب المعاصر لهذا المبحث غياب التأهيل الموضوعى لمسألة التكوين التاريخى للامة العربية الامر الذى فتح الطريق امام المتربصين للبحث عن تواريخ جهوية ومواقييت للبدء بعيدا عن المحصلة التاريخية لصيرورة الهوية المدار الحضارى المشرقى العربى تعرض لثلاث محاولات معاصرة وحديثة للتشويه والنهب والمصادرة التاريخية ومحاولة رابعة قديمة اما المحاولات المعاصرة والحديثة فهى /
1- الهجمة الاستشراقية التى صاحبت الهجمة الاحتلالية للغرب الرأسمالى اعتبارا من القرن الثامن عشر حينما نشطت الجهود والتفاعلات التى صبت باتجاه المشرق العربى بغية اعادة صياغته وفق متطلبات مشروع الامبريالية انذاك
2- المحاولة الثانية فقد جاءت متزامنة مع الهجمة الصهيونية فى النصف الاول من القرن العشرين وبدايات التكوينات الاولى للمشروع القطرى فى المشرق العربى وفى هذه المرحلة نشطت المدارس التوراتية والبعثات الاثرية الموجهه نحو مشرقنا العربى بل انشئت مدارس واكاديميات خصيصا لهذه المهمة وهذا الاقليم من العالم بالذات
3- وهى المرحلة الراهنة التى نعيش والتى يتعرض لها المشرق العربى فى ظل سباق طرح الانظمة الاقليمية البديلة من الشرق اوسطية وغيرها فى اجواء التسوية السلميييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييية وفى ظل تيار العولمة والاندماج الذى يضرب بالمجتمعات وخصوصيتنا المحلية وهى كثيرة لا يتسع المجال لسردها - كوثيقة بيرس - التى هدفها طمس معالم حضارتنا من خلال تلقين النشء ذلك والاكمة تخفى ما ورائها
اما تاريخيا فقد نفدت المحاولة القديمة على مرحلتين /
الاولى - حاول العبرانيون اقتلاع جذور الكنعانيين من المنطقة وملاحقة وتزييف وجودهم الحضارى
الثانية - ترافقت مع قدوم الهجمة الرومانية الاحتلالية على المشرق العربى وتدميرهم للوجود الحضارى الفنيقى الممتد من صور الى قرطاج ثم تلتها الهجمة الاحتلالية الرومانية التى تعرضت لها مملكة العرب الانباط واحتلال عاصمتهم فى مطلع القرن الميلادى الثانى فى الوقت الذى كان فيه الوجود الهلينى فى المنطقة بمثابة وجود حضارى مشرقى الصبغة انجزه ابناء المشرق العربى من علماء وفلاسفة و....................... الخ
على كل الاحوال يسعى المقترب المعرفى الى محاولة تقديم الاستدراك التاريخى الذى تأخر ظهوره حول المفهوم التاريخى للمشرق العربى فى محيط قراءة مختلفة تستند الى ادوات النقد التاريخى المخولة عمليا بهدم المعمارى التقليدى النظرى الذى استهلكته المقولات والرؤى الايدلوجية خلا عقود القرن الراهن
والثابت ان المشرق العربى هو المكان الاكثر تعرضا لعبث التنظير التاريخى والاكثر ايغالا فى الفهم الخاطىء للبدء والاستئناف والقطيعة والتواصل اما لانه المكان الذى تعرض لاكبر محاولات التزوير والتشويه من جهة والمحو والالغاء من جهة اخرى وغاب فيه دور الفاعل التاريخى حينما استبدلت الادوار وبدلت الاسماء وهذا مدعاة لطرح عدة تساؤلات تخطر ببال كل من عاش على هذه الارض - اقصد مشرقنا العربى - كطرحنا ماذا لو افترضنا ان موطن العرب ومهدهم الاول لم يكن الجزيرة العربية او اليمن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وهناك الكثير من الاسئلة التى تخطر بالبال
ان الهدف من البحث لاى افتراض موضوعى تتأكد عمليتها بمدى القدرة على ربطها بالاطار والبعد المجتمعى وهذا يعنى استمرار متوالية الاسئلة بصيغها الراهنة فكيف التقت البدايات الاولى فى التنظير للمشروع الصهيونى المعاصر مع البدايات الاولى للتكوين القطرى العربى وكيف عملا معا على تشويه المفهوم التاريخى للمشرق العربى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وعلينا انعام واعمال النظر فى كيفية مساهمة القوى الاستعمارية فى هجماتها المتتالية على المشرق العربى فى ظل غياب الحضور التاريخى العربى فى تفكيك واضعاف التكوين المادى والاجتماعى لهذا الاقليم مقدمة لمحوه حضاريا
وايضا اعمال النظر فى كيفية مساهمتها - اى القوى الاستعماري - فى تأخر ظهور النخب المثقفة فى بعض مناطق المشرق العربى فى غياب حلقات تاريخية هامة هى بمثابة حجر الاساس الذى اهمله الاخرون حينما حاولوا بناء نظرية ما حول التكوين التاريخى القومى لهذه المنطقة
ترى هل نحن المشرق العربى ام الشرق الاوسط ام الشرق الادنى ام ...................... الخ ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! لقد غابت وتلاشت عدة مباحث عن عقل المجتمع العربى عن طريق الازاحة التاريخية الكبرى التى اوجدها عقل الدولة عبر التاريخ العربى المتوسط والحديث والمعاصر ونلمس غياب هذه المباحث فى ارباكنا التاريخى المعاصر طوال هذه الحقب الطويلة اقصد القرن العشرين حتى ساعتنا الراهنة امام الاجابة عن اسئلة الشرعية والهوية ومستقبل التاريخ واهمها على الاطلاق غياب مبحث التكوين التاريخى القومى ومبحث الجغرافيا التاريخية للوطن العربى وهذا الالحاح فى البحث عن اجابات لاسئلة عقل المجتمع لا يعنى بأى حال البحث عن فرص لاعادة تأهيل التاريخ ولا يعنى البحث عن مكان اخر للحاضرين بين الموتى ولا يعنى محاولة عقد شراكة مع التاريخ بقدر ما يعبر هذا الحراك المعرفى بابعاده المجتمعية عن البحث عن مستقبل التاريخ ومصير الحاضر
ان الجغرافيا التاريخية هى اللغز الممعن بالحيرة ومئل الاحاجى الكبيرة كما هى مفتاح لعبة التاريخ والشاهدة على ميلاد المكان ضمن السياق الزمنى الممعن فى البعد لظرفية الاشياء والكلمات والجغرافيا التاريخية مبحث علمى يقصد التاريخ عبر المكان مثلما يكون التاريخ هو الجغرافيا عبر الزمان على حد تعبير ( اليزيه ركلوس ) ذلك لان التكوينات التاريخية منذ الانوية الاولى للتنظيم الاجتماعى وصولا الى القبيلة والجماعة القومية والامة والدولة الموحدة قوميا هى ايضا ابنية زمنية وظرفية خاضعة للتطور عبر البيئة المكانية فالحضارات هن بنات البيئات المحلية وعلى قدر ما كانت البيئة المكانية هى شرط الوجود الحضارى فان الصراع المكانى او البيئى كان احيانا شرط هذا الوجود حينما صاغ مقومات التحدى والبحث عن قدرات تكيفية مدهشة حدت من نفور البيئة وعصيانها واصبحت هذه القدرات فيما بعد القاعدة الصلبة للبناء الحضارى ولعل ظهور مفهوم الوطن فى التاريخ هو نتاج بيئى محضر تحقق عن طريق التكيف والتحدى معا
هنا الجغرافيا التاريخية تغوص فى المكونات الاولى للمجتمعات والحضارات والاوطان والدول وتسدل دلالاتها الهامة على ما هيتها ومصيرها ومستقبلها ايضا فطالما بقى الانسان دون ان يدرى يحاول التفاهم مع المكان ويضع على هامش هذا التفاهم الاحداث والتواريخ بينما المكان والزمان يكونانه ويمنحانه فى كل مرة لونهما
ونحن بهذا الصدد لا بد من الاشارة الى المبحث الهام فى سياق مراجعة المفهوم التاريخى للمشرق العربى الا وهو مبحث التكوين التاريخى للوجود القومى العربى فلقد غاب مبحث التكوين التاريخى للعرب وفق الرؤية العلمية التى تسعى الى تقديم البناء النظرى المتماسك القائم على مجموعة من المقدمات ويستخدم المنهج العلمى فى الوصول الى النتائج والحقائق فى حين تشابكت الادبيات القومية حول عدة مباحث فالملاحظ ان بعضهم تناول مبحثا ما فى الوقت الذى يقصد به مبحثا اخر الى جانب الارباك الواضح فى تناول الادوات المعرفية
ولنا فى هذا الموضوع فى قادم الايام كلمة
والله من وراء القصد
------------------------------------- الكاتب / طارق فايز العجاوى