ونحن في منطقة أولف بولاية أدرار ينسحب علينا هذا الطرح؛ فقد انفرد الأولفيّون بمفردات هي غريبة عند غيرهم غير مفهومة، وهذه المفردات الغريبة منها ما اندثر من الاستعمال ومنها ما لازال مستعملا، كما أنّ منها ما له أصول في اللغة العربية الفصحى، ومنها ما لا أصل له، وقد وقفت في أثناء بحثي المتواضع على ما يزيد عن ستين مفردة من مفردات الغريب الأولفيّ التي لها أصل في الفصحى؛ فتغيّرت في بنيتها بفعل تلاعب الألسنة بها ولازالت دلالتها كما هي، ومنها ما تغيّرت دلالته سواءٌ كان ذلك ارتقاءً أم انحطاطاً، وسأكتفي في هذه العُجالة بذكر عشر مفردات مع محاولة إرجاعها إلى أصلها في الفصحى.
01 ــ كلمة: "أطْرَنُّو" والتي تستخدم لما يغلب فيه الظنّ والشكّ؛ وأصلها في الفصحى هو: "أظُنُّ" لكنّ ألسنة العوام قد تلعّبت بها فأصبحت الظاء طاءً وأقْحِمتْ الراء بين النون والظاء، كما أشْبعت حركة الحرف الأخير بما يناسبه.
02 ـ كلمة: "التّفَالْ" حيث تستخدم عند المرأة الأولفية عندما تريد البدء في عملية الطحين، فيقال: اتّفّل الرّحى، ومعنى ذلك أن تبسط لها فراشاً من جلد توضع فيه حتى يسقط الطحين فيه، وأصل هذه الكلمة "التّفَالْ" في العربية الفصحى هو: "الثُّفَال" . فأبدلت الثاء تاءً في العامية، قال أبو منصور الأزهريّ(370 ه) في معجمه تهذيب اللغة: " الثِّفَال: الجِلْد الَّذِي يُبْسط تَحت رَحَا اليَد لِيَقيَ الطَّحِينَ من التُّراب؛وَمِنْه قولُ زُهير يَصف الْحَرب: فَتَعْرككم عَرْكَ الرَّحَا بثِفَالِها ... وتَلْقَح كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِم" . (ينظر تهذيب اللغة للأزهري:ج15/ص67). وعند ابن منظور(711 ه) في لسان العرب: "الثِّفَالُ: الْجِلْدَةُ تُجْعَلُ حَوْلَ الرَّحَى تُمْسِكُ الدَّقِيقَ". (لسان العرب لابن منظور:ج10/ص465 ومثله عند الفيّوميّ في المصباح المنير: ج01/ص82).
03 ــ كلمة "الحَوْشْ" وتطلق لموضع قضاء الحاجة قديماً؛ فمنه ما صنع من خشب ومنه دون ذلك. وأصله في الفصحى: "الحَشّ" أو "الحُشّ" وكانت تطلق على البستان؛ لكنّهم لما كانوا يقضون حاجاتهم في البساتين انتقلت الدلالة إلى موضع قضاء الحاجة، فتلعّبت بها ألسنة العامة فأقحموا الواو بين الحاء والشين فصارت "الحَوْشْ".قال أبو العبّاس الفيّومي(770ه) في معجمه المصباح المنير: " الْحَشُّ الْبُسْتَانُ وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ مِنْ الضَّمِّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُقَالُ لِبُسْتَانِ النَّخْلِ حَشٌّ وَالْجَمْعُ حُشَّانٌ وَحِشَّانٌ فَقَوْلُهُمْ بَيْتُ الْحُشِّ مَجَازٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ فَلَمَّا اتَّخَذُوا الْكُنُفَ وَجَعَلُوهَا خَلَفًا عَنْهَا أَطْلَقُوا عَلَيْهَا ذَلِكَ الِاسْمَ".(المصباح المنير للفيومي:ج01/ص137. وينظر أيضاً: تهذيب اللغة للأزهري:ج03/ص254).
04 ــ "الخبز الرقيق أو الرّقّاقي" وهو الخبز الذي تخبزه المرأة الأولفية من عجين الزرع على "الطاجين" فيأتي دائري الشكل رقيقاً وهو المقصود في ألفية الغريب الأولفي بقولي:
والعَيْشُ والرَّقَّاقي والمرْدُودُ ... قدْ شَهِدَتْ بِفَضْلِهَا الزُّرودُ
فالأوَّل المخصُوصُ بالولائِمِ ... إنْ بَرْكَشُوهُ قَبْلَ عُرْسٍ قَادِمِ
وَهْوَ لِكُلِّ النّاسِ خَيْرُ القُوتِ ... فلَيْسَ يَخْلُو مِنْهُ أيُّ بَيْتِ
والثّاني في تحْضيرِه زَرْعَانِ ... زرْعُ البِلادِ والــطَّرُّوزي الثّاني
لا سِيَّما إن طَاب فوْقَ الحطَبِ ... فَإنَّه مُقَدَّم في النَّسَبِ
وجَازَ في فُطُورِ يَوْمِ العُرْسِ ... وقَلْعِ عُودِ الحُزْنِ دونَ لبْسِ
وَوَاجِبٌ في يَوْمِ عاشوراءِ ... وفِي الزِّيانَةِ بِلَا مِـــــــرَاءِ
وأصله في الفصحى"خبزٌ رُقَاق" أي رقيق قال الفيّوميّ:" وَخُبْزٌ رُقَاقٌ بِالضَّمِّ أَيْ رَقِيقٌ الْوَاحِدَةُ رُقَاقَةٌ "(المصباح المنير للفيومي:ج01/ص235).
05 ــ كلمة "الزَّرزور" وهو طائر معروف. وأصله في الفصحى بضم الزّاي قال الفيّومي:" وَالزُّرْزُورُ بِضَمِّ الْأَوَّل نَوْعٌ مِنْ الْعَصَافِيرِ." (المصباح المنير للفيومي، ج01/ص252).
06 ــ كلمة "السّمَخْ" تطلق على سواد القدر الذي تصنع منه الدواة وأصله في الفصحى: "السُّخَام" فحدث فيه تقديم وتأخير في الحروف وحذف للألف. قال الأزهري:" السُّخَامُ: سَوادُ الْقِدْرِ يُقَال مِنْهُ سَخَّمْتُ وَجْهَهُ." (التهذيب، ج07/ص91).
07 ــ كلمة "السّفُوف" تطلق على التمر اليابس المكسر الذي يحضّر بطريقة تقليدية واحترافية، ثم يؤكل مُقدَّم الوجبات وله مكانة خاصة. وأصله أنه يطلق عامّاً على كل شيء يؤكل يابساً قال الأزهري:" سَفِفْتُ السَّويقَ والدَّواءَ وَنَحْوَهُمَا، بِالْكَسْرِ، أَسَفُّه سَفّاً واسْتَفَفْتُه: قَمِحْتُه إِذَا أَخذته غَيْرَ مَلْتُوتٍ، وَكُلُّ دَواء يُؤْخَذُ غَيْرَ مَعْجُونٍ فَهُوَ سَفُوفٌ،بِفَتْحِ السِّينِ، مِثْلَ سَفُوفِ حَبِّ الرُّمان وَنَحْوِهِ، وَالِاسْمُ السُّفّةُ والسَّفُوفُ." (التهذيب، ج09/ص152 ــ 153. وعند الفيّومي أكل الشيء يابساً.ج01/ص279).
08 ــ كلمة "صَفَقَ" وتعني اللطم على الوجه بقوة، مع أداء لهجيّ خاصّ بحرف القاف. وأصله في الفصحى:سفَقَ قال الفيّومي: " سَفَقْتُ الْبَابَ سَفْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَغْلَقْتُهُ وَأَسْفَقْتُهُ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ وَسَفَقْتُ وَجْهَهُ لَطَمْتُهُ"(المصباح، ج01/ص279).
09 ــ كلمة "اسّنّى" بمعنى انتظر. وأصلها في الفصحى: تسنّى بمعنى بقي عند سنواتٍ عند فلان قال الفيّومي: " وَتَسَنَّيْتُ عِنْدَهُ أَقَمْتُ سِنِينَ"(المصباح، ج01/ص292).ويظهر أن العامّة قد حرّفته وتلعّبت به قليلا، رغم بقائه على دلالته الأولى.
10 ــ "القازوز" ويطلق على مشروب غازيّ معروف يحفظ في زجاجات، وأصله في الفصحى : "القازوزة" قال أبو نصر الجوهري(393 ه): "والقازوزَةُ: مشربة، وهي قدح".(صحاح الجوهري، ج03/ ص891). وعند الفيّومي:" وَالْقَازُوزَةُ إنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْخَمْرُ." (المصباح، ج02/ ص502).ويظهر أن دلالتها قد ارتقت من الإناء الذي يوضع فيه الخمر وهي أم الخبائث، إلى مشروب طيّب. مع تغيير في البنية بحذف التاء الأخيرة عند العامة.
... يتبع