بيان رائع لآية قرآنيّة.
قال تعالى: "قَد مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" الآية 26. من سورة النحل.
قد يتساءل أحدنا لماذا أضاف تعالى القرينة: "من فوقهم" مع أن السقف شيء طبيعيّ أنه سيسقط من أعلى إلى أسفل، وهذا السؤال نفسه ـ فيما أتذكّر ـ سألني عنه زميلي عبد اللطيف مخطاري في أيام الطلب بالثانويّة وكان يراودني دوما كلّما مررت بهذه الآية حتى وجدت بيانَ ذلك وأنا أطالع لابن جنّي في خصائصه عند "باب في التطوّع بما لا يلزم" حيث يقول:
"وكذلك قوله -عز اسمه: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} قد يكون قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} مفيدًا. وذلك أنه قد يستعمل في الأفعال الشاقة المستثقلة على قول من يقول: قد سرنا عشرًا وبقيت علينا ليلتان؛ وقد حفظت القرآن وبقيت عليّ منه سورتان, وقد صمنا عشرين من الشهر وبقي علينا عشر. وكذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه وقبيح أفعاله: قد أخرب عليّ ضيعتي وموّت عليّ عواملي وأبطل عليّ انتفاعي, فعلى هذا لو قيل: فخرَّ عليهم السقف, ولم يقل: من فوقهم, لجاز أن يظن به أنه كقولك : قد خربت عليهم دارهم, وقد أهلكت عليهم مواشيهم وغلاتهم, وقد تلفت عليهم تجاراتهم. فإذا قال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} زال ذلك المعنى المحتمل, وصار معناه: أنه سقط وهم من تحته. فهذا معنى غير الأول."
الخصائص: ج2/ ص272.