رأي ابن جنّي في إعراب آية.
ينطلق ابنُ جنّي من فكرة الألفاظ التي تأتي متساوقةً منتظمة متناسبة مع المعاني في إعرابه لكلمة "خاسئين" من قوله تعالى: "فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين" إذ يقول:
"ومن ذلك قولهم: قرت الدم وقرد الشيء وتقرّد وقَرَطَ يقرط, فالتاء أخفت الثلاثة, فاستعملوها في الدم إذا جفَّ؛ لأنه قصد ومستخف في الحسِّ عن القردد الذي هو النباك في الأرض ونحوها. وجعلوا الطاء -وهي أعلى الثلاثة صوتًا- "للقرط" الذي يسمع, وقرد، من القرد, وذلك لأنه موصوف بالقلة والذلة, قال الله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} .
ينبغي أن يكون "خاسئين" خبرًا آخر ل"كونوا", والأول "قردة", فهو كقولك : هذا حلو حامض وإن جعلته وصفًا ل"قردة" صغر معناه، ألا ترى أن القرد لذله وصغاره خاسئ أبدًا, فيكون إذًا صفة غير مفيدة, وإذا جعلت "خاسئين" خبرًا ثانيًا حسن وأفاد حتى كأنه قال: كونوا قردة " و"1 كونوا خاسئين, ألا ترى أن ليس لأحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية إلّا ما لصاحبه, وليس كذلك الصفة بعد الموصوف, إنما اختصاص العامل بالموصوف, ثم الصفة من بعد تابعة له...
ويؤنّس بذلك أنه لو كانت "خاسئين" صفة ل"قردة" لكان الأخلق أن يكون "قردة خاسئة"، "وفي أن" لم يقرأ بذلك البتَّة دلالة على أنه ليس بوصف. وإن كان قد يجوز أن يكون "خاسئين" صفة "لقردة على المعنى إذ كان المعنى" أنها هي هم في المعنى, إلّا أن هذا إنما هو جائز وليس بالوجه, بل الوجه أن يكون وصفًا لو كان على اللفظ. فكيف وقد سبق ضعف الصفة ههنا. فهذا شيء عَرَض قلنا فيه ثم لنعد."
ينظر: باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني، الخصائص ج2: ص160 ـ 161.