توات حضارة أرسى فيها التاريخ
يقع إقليم توات في جنوب غرب الصحراء الجزائرية التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء الكبرى الإفريقية و تبعد أقرب نقطة منه إلى العاصمة الجزائرية بحوالي: 1500كم يحده من الشمال إقليم قورارة، ومن الجنوب إقليم تيديكلت وصحراء تنزروفت ومن الغرب عرق شاش ووادي مسعود، ومن الشرق هضبة تادمايت, وبذلك فإن هذا الإقليم واقع بين إقليمي قورارة و تيديكلت حيث يبلغ عدد سكان هذا الإقليم 150318نسمة أي ما يعادل 48% من مجموع سكان الولاية وهي أعلى نسبة مقارنة مع بقية الأقاليم الأخرى . وقد لا يكفي التعرف على آثار توات وعادات أهلها بالاكتفاء بزيارة لها فتوات تتميز بتنوع خارق في مناطقها، وطرق معيشة أهلها ولا يكفي التجول في شوارعها ، ولا اكتفاء بمشاهدة مبانيها الضخمة أو الوقوف على المناطق السياحية التي أعدت خصيصا لترضي أذواق السياح، بل عليك أن تعيش واقعها و تغوص في أعماقها لتكتشف الكنوز التي توفر عليها هذه المنطقة التاريخية الجملية . التي هي عبارة عن عالم أخر مختلف تماما عما نعرفه .أنها نقطة متميزة تماما عن تلك المناطق التي عهدناها، لم نشاهدها في أفلام السينما. ولم نسمع عنها في الحكايات ولم نقرأ تفاصيلها في الروايات . إنها توات مهد الحضارات التاريخية الأولى . لقد كانت نقطة اتصال والتقاء القوافل القادمة من الشمال إلى الجنوب ، نحو أسواق إفريقيا الغربية )السودان الغربي (. ونظرا لبعد المنطقة عن مركز العمران فقد أصبحت بمنأى عن مسرح النزاعات والحروب التي شهدها المغرب العربي لذلك اتخذها الأهالي ملجأ لهم فرارا من الأعداء ، حيث فضلوا المكوث بالصحراء رغم قساوتها على الخضوع لحكامهم وظلت مفتوحة أمام هجرات القبائل المختلفة ، وهذه القبائل وفدت إليها على فترات متعاقبة وفي ظروف مختلفة منذ بداية الفتح الإسلامي للمغرب العربي وحتى القرن الثامن عشر الميلادي حيث ) يرجع أصل السكان في هذه المناطق إلى أصول ثلاثة رئيسية معروفة وهي البربر وأصلهم من الشمال وكانوا يعيشون في وسط الصحراء. أما العرب فكانوا وصولهم عبر فترات متقطعة وخاصة عندما كانت منطقة الشمال تكثر بها النزاعات,أما ثالثا فهوا العنصر الزنجي ويعتبره الباحثون أقدم العناصر يرجع إلى الشعوب التي عاشت فجر التاريخ . أما أقدم القصور التي بنيت كانت على شكل تحصينات تؤرخ إلى عصور قديمة جدا ، نسبها المؤرخون إلى القبائل البربرية الأولى التي قدمت إلى المنطقة؛ وهم الجيتول وقد استمر توافد القبائل المهاجرين إلى غاية وصول هجرات من العرب فقاموا ببناء قصور خلال القرن السابع الميلادي؛ وقصور أخرى عرفت بقصور تاوريرت في مناطق تيميمون و ضواحيها وأيضا في رقان.((1)
وكانت العاصمة الأولى للإقليم هي مدينة تمنطيط نظرا لتميزها العلمي والديني والعمراني ثم انتقلت العاصمة إلى تيمي مع نهاية القرن السابع عشر الميلادي . ولقد دخل الفرنسيين إلى الإقليم بعد محولات عديدة نظرا لمقاومة الأهالي مع بداية القرن العشرين . على ساحتها تنتشر القصور والتجمعات الفلاحية و السكانية التي يرجع تاريخها إلى أزمنة غابرة ، معالم تاريخية تنتصب بكل فخر وشموخ تشهد على ماض تجاري ، وثقافي ، وحضاري مجيد. غريبة ومختلفة. وفيما بين هذه القصور والتجمعات المتعددة أرسى التاريخ قواعده و ثبت ركائزه وخلد معالمه في عدة أماكن . كتمنطيط التي ترحل بك إلى العصور الغابرة نظرا لهندستها العريقة .ومغارة تماسخت العجيبة التي يتربع عليه القصر العتيق ، وأولف الساحرة بجمال واحات نخيلها السخية ومشهورة بغابتها ومغارة الشارف سيدي عيسى بتمقطن . ورقان المدينة التاريخية التي عرفت أول تجربة نووية فرنسية سنة 1960 . حيث يعبر شكل البناء في مدينة رقان عن تاريخها الحافل بالإحداث وهذا من خلال شكله الهندسي والمواد المستعملة في بناءه ، وحسب المصادر التاريخية) كانت في رقان قصبتين متقابلتين ، الأولى تسمى أغرم النج الفوقاني ، والثانية اغرم النج التحتاني ، حيث تتصل هاتين القصبتين مع القصبة الثالثة القديمة بنفق ارضي وهو في غاية من السرية ، لكونه كان يستعمل للهروب وقت حدوث الغارات ، حيث حولت قصبة اغرم النج الفوقاني وقت الاستعمار إلى مركز للإدارة الفرنسية أطلق عليها اسم C.a.s ويطلق عليها اسم البرج ، وعززت بمختلف التجهيزات العصرية آنذاك أما اغرم النج التحتاني لم يبق منها إلا أثار قليلة عثر عليها خلال عمليات تقليب الأرض على بقايا المساكن كانت أشكالها مربعة بخلاف المنازل العتيقة . (توات عجائب التاريخ وغرائب العصور حضارات عديدة متعاقبة أتت واحدة تلو الأخرى كل منها لها خصائصها وشخصيتها ، المتجول في توات لابد وان تترسخ في ذهنه صورة عن الرقصات الفلكلورية الرائعة التي كانت محل بحث السواح الأجانب و الأقواس ذات اللون الأحمر ، و المحلات التقليدية وما تحتويه من الأزياء المتمثلة في اللباس المحلي مثل القنضورة ، التي شهدت تطورا ملحوظا في هذه الآونة من طرف مصممين ومصممات للأزياء الذين برعوا في هذا النوع وكذلك يمكننا القول عن بقية النسيج التواتي مثل الشار ، والعجار ، والقشبية ، و البرنوس وسروال العرب المطرزة من الأسفل إلى أخر ما هنالك من منسوجات تمتاز بالروائع الفنية واللمسات التوتية ذات الأصالة الحضارية المتوارثة عن الأجداد و العمامة البيضاء ، ونوعية قمشها ، وشكلها ، وطريقة وضعها على الرئس والتي تبرز حقا شخصية المواطن التواتي وإظهار هويته ، وفي بعض الحالات قد تكون الازياء تعبيرا عن انفعالات الفرد وصراعه مع محيطه ، إن الأزياء ظاهرة إنسانية مرتبطة بالأحوال النفسية ، والاجتماعية للأفراد في أي مجتمع من المجتمعات ، وربما تكون منحدرة عن أزياء عصور سابقة قام المجتمع بتكييفها بحسب الذوق الشعبي ، بمقتضى المكان والزمان ، وما يرتبط بهما من مناخ أو ربما تكون تقليدا لأزياء شعوب أخرى تأثر بها المجتمع ، ونظرا لدرجة الحرارة المرتفعة ، والزوابع الرملية فان الإنسان في توات يعتمد في طريقة لباسه على الزي الواسع والناصع البياض ، ليعكس حرارة الشمس المرتفعة والمواطن التواتي قد لا يعني بمظهره الخارجي ولا بزيه ، وما يتصل بذلك من ملابس وحلي، قدر عنايته بباطن النفس ، وما يتصل بها من طيبة القلب ، وصفاء الروح ، وحسن الأخلاق ؛ وذلك لان التوتيون لا تغريهم المظاهر المزيفة ، ولا تخدعهم الثياب المزركشة الجميلة ، او بريق ألوانها الزاهية ، لا اعتقادهم أن الفرد لا يقاس بملابسه ولا بمظهره ، و انما بجوهره ، فشخصية الفرد تتجلى – في نظرهم- في طهارة قلبه ونقاء روحه ، وصفاء فؤاده ، ولذلك فهم لا يميلون إلى البذخ في الثياب ، ويمقتون الأشخاص الذين يتباهون بثيابهم فالأزياء الشعبية تعد من دون شك لونا من ألوان الفن الشعبي الأصيل ، وترثا له خصائص ومزاياه ، به تتميز الأمم ، وتتضح مقومات هذا الشعب او ذاك ، سواء من حيث الثقافة وأنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، أو من حيث عادات المجتمع وتقاليده . أما قصورها التي تصل حوالي 150 قصر فتكاد تكون الصورة الأجمل، ففي تمنطيط اكبر واحات النخيل، يوجد قصر سيدي ناجم العتيق الذي يتراءى على شكل قصبة متكونة من أربعة بروج عالية لها لون احمر . لاشك أن ما يجذب السواح الي هذه المدينة العريقة هي الطبيعة و الآثار، و السبخة المميزة و الفقارة ، على الرغم من أنه لاشي يمكن أن يضاهي الرمال الذهبية الصفراء، و لعل ما يثير الدهشة و الإعجاب هناك روائع عامل التاريخ و الإنسان ، المتمثلة في القصور الواسعة المشيدة من الطين ويعتبر ) نظام السقي بالفقارة التي تعد أقدم مصدر مائي للسقي ، وهي عبارة عن سلسلة من الآبار الارتوازية تحفر عموديا في الأرض للوصول إلى المياه الجوفية السطحية والبعد بين هذه الآبار يختلف باختلاف مناطق الفقاقير ونفس الشأن بالنسبة لعمق البئر . ترتبط هذه الأخيرة مع بعضها البعض في الأسفل (العمق) بواسطة انفاق واخديد (النفاد) تشق لتوصيل الماء بينها مع وجود انحدار بسيط يسمح بحركة الماء وتدفقه عبر الانفاق يتم استقباله عند المخرج بواسطة ساقية تدعى (اغيسروا) وتوجه الى الموزع (القسرية ) ليتم تقسيمها عبر نظام مدقق ( نظام الحبة ) ، ولهذا فهي تكتسب أهمية بالغة حيث أنها العمود الفقري للقطاع الفلاحي في هذه المناطق الصحراوية والفقارة بلهجة الزناتة تدعى (افلي ) يعني العين الكبيرة ، للفقارة طريقة خاصة ومتميزة في تقسيم المياه متبعة في جميع الأماكن عبر الأزمنة،هذه الطريقة مدققة بشكل كبير يجيدها أهل الاختصاص في الميدان ، حيث يتم من خلالها تعيين حصة كل مستفيد، ولهذه الطريقة أدوات خاصة بالتقسيم من بينها وأشهرها في وقتنا الحاضر، اللوح أو الشقفة و هي آلة تستعمل لقياس تدفق ماء الفقارة ، وهي عبارة عن صفيحة معدنية قد تكون مستطيلة أو دائرية الشكل بها ثقوب مستديرة بأقطار مختلفة ، مصنوعة من النحاس. و أنوعها ثلاثة ، الشقفة الكبيرة لكيل القسرية الكبيرة ، الشقفة المتوسطة لكيل القسرية المتوسطة الشقفة الصغيرة لكيل القسرية الصغيرة . وحدات القياس هي الوحدة الأولى: تسمى الحبة وهي نوعين حبة معبود وهي حبة المكتوبة في الزمام والكيل وهي حبة وهمية تزيد وتنقص حسب زيادة الماء ونقصانه في الفقارة. أما الحبة ازريق فهي الحبة الحقيقية الثابتة في شقفة الكيل وقطرها 13 مم بمنسوب مائي واحد في الدقيقة. تقاس الحبة زريق بالشقفة ويتم من خلالها معرفة إجمالي ماء الفقارة. الوحدة الثانية: تمسى القيراط الوحدة الثالثة: لها عدة أسماء حسب المناطق (الماجن – العود- الثمن) بهذه الأخيرة في الغالب تعد حصص الأفراد والماجن تجزأ إلى 24 جزء وكل جزء يسمى قيراط القيراط . وتتم عملية الكيل بغلق كل السواقي مع وضع (بلاط فورم) ثم يقوم بعملية تثبيت الشقفة على بعد 80 سم من القسرية. أثناء القيام بعملية الكيل لا ينبغي لأي شخص العبث بالماء لهذا يقومون بوضع شخص أو شخصين على بعد 100م لحراسة السواقي الرئيسية المجاورة للملكية حتى لا يقومون بالعبث بالماء أثناء عملية الكيل، أو تكون على الأقل على بعد 100م حتى لا يؤثر على طريقة الكيل. أثناء الشروع في عملية الكيل يقوم الكيال بفتح بعض عيون الشقفة ويترك فقط العيون الموازية لعين القسرية المراد زيادة الماء للشخص فيها، وعند دخول الماء في الشقفة أكثر من 10-15سم يقوم بعملية فتح عيون أخرى إلى أن يتساوى منسوب الماء مع ارتفاع الشقفة وإذا كان ناقص فإنه يعمل على غلق عيون حتى تتساوى كذلك. وقديما كانوا يستعملون لوحة التسجيل المصنوعة من الطين، ويسجلون عليها عدد الحبات الناتجة عن عملية الكيل، بمجرد ما تتم العملية ويلاحظ أنها مضبوطة يأتي دور(الحساب) الذي يعمل على جمع العلامات التي وضعها الكيال على لوحة التسجيل، وبعدها يأتي دور الشاهد الذي يعلن عن عدد الحبة معبود للشخص الذي كيل له الماء والملاكين، وعملية الحساب تعتبر عملية معقدة.
كانوا في القديم يحسبون على الرمل وهاته العملية مبنية على الأعداد المركبة حيث يضربون عدد الحبة في (24) (عدد الحبة معبود * 24) وإذا لم تكن القسمة متساوية، أي إذا كان الباقي من عملية القسمة يقومون بضرب الباقي في(24) حيث يعتبر الباقي (قيراط )، (24 *الباقي) = (القيراط* 24)، وفي هذه الحالة يصبح عندنا القيراط وهنا نستطيع أن نقول أن الحبة معبود تقدر بكذا وكذا من القيراط.شروط الكيل : لا تكون عملية الكيل سارية المفعول أو قانونية إلا بتوفر العناصر التالية : لوحة الكيل: وهي الشقفة بها عدد ثقوب متفاوتة الأقطار فيما بينها بحيث كل ثقب يمثل وحدة الكيل أو معيار (الحبة – نصف حبة – ربع حبة – قيراط). حسب عدد المشاركين في الفقارة كل مشارك أو مالك يأخذ الكمية الخاصة به من الماء. الكيال: وهو الشخص الذي يقوم بعملية الكيل وذلك بإحضار الشقفة معه لحساب الماء وتقسيمه على أصحابه، ويشترط فيه أن يكون ذو خبرة ومن أهل الاختصاص، وعادة ما يكون في كل قصر كيال وأحيانا يشترك الكيال الواحد في عدة قصور. المكيل له: وهو الشخص المعني بهذه العملية من واجبه الحضور عند عملية الكيل لكي لا يشك في كمية المياه الموجهة له. الشاهد: وهو الشخص المعين من قبل الناس من واجبه الحضور أثناء عملية الكيل، ويكون في غالب الأحيان إمام مسجد أو حاكم بالمنطقة أو كبير القصر أو المنطقة