حضن دافئ هناك في وسط الصحراء... هناك حيث السراب... هناك حيث تجمعت آمال وأحلام الملايين وبدت كالنجوم التي تضي الغد...
هناك حيث وقفت أنا ومن أحب... وقفت معه في ذلك المكان الذي أصبحت أرجاؤه صناديقا لأسرارنا... هناك وقفت أمامه و بدأت أناجيه بكل ما في تلك النفس البشرية من مشاعر كانت سجينة الروح...
فقلت له تلك الكلمة التي لم أخجل للحظة أن أقولها... قلت له أحبك...
أحبك بقدر كلمة (لا) التي قالها الأحرار... أحبك بقدر تلك الحجارة التي قذف بها الأعداء... وقلتها للمرة الثالثة... ولكن غلبتني ذكريات القوة والضعف... وذكريات الفرح والحزن...
ولكن رغم جبل المشاعر المتناقضة التي تضاربت في نفسي... لن أستسلم... لن أستسلم حتى تنكسر تلك القيود البالية التي وضعوها بيننا وظنوا بأنها ستقيد حبنا... ولم يعلموا بأن تلك القيود هي الماء الذي لا يزيد بذرة حبنا ﺇلا تجددا وعطاء...
ولن أضعف... حتى تنشطر السماء بيننا و أقول وداعا لساعي البريد... وداعا للحمام الزاجل... وأهلا بالمشاعر التي تنطلق من فمي ﺇلى أذنيك... أجبني ولا تدعني أتكلم وحدي... أجبني فكفانا و كفى حبنا اغترابا... ونأيا... وضياعا... وتشردا... وتنازلا... وظلما... وقهرا...أجبني لأقول لك شكرا...
شكرا في اللحظة التي كنت فيها بيتي الذي هزمته جرافات العدو... شكرا في اللحظة التي كنت فيها أبي الذي اختقرت جسده رصاصات العدو... شكرا في اللحظة التي كنت فيها أمي التي تناثرت أشلاؤها بين حطام المنزل...ولكن سرعان ما اختفى من أمامي... وبدأت أركض و ألهث... حتى توقفت حين أدركت أنه السراب...
و إذ بصوت خفي يأتي من الوراء ويقول... لا لن و لم أذهب فأنا الوطن الذي سيبقى ذلك الحضن الدافئ الذي تحتمين به و يحتمي به الملايين.