التبعية الرأسمالية وتنمية التخلف والفقر
حسب نظرية (جوندر فرانك) عن التبعية التي جعلت الباحثين الغربيين، لأول مرة يقبلون التفسير القائل بأن سبب فقر الأمم الفقيرة يأتي فعلياً من تلك الأمم الفقيرة، حيث وصف جوندر فاقة الأمم الأقل نمواً واعتمادها على الأمم الأغنى بأنهما أمر لا مفر منه، هذا التعديل الجذري في نظرية التبعية أدعى أن علاقات الإمبريالية وهيمنتها حصرت الدول الفقيرة في قاع الاقتصاد العالمي. ففي الوقت ذاته الذي تقدم فيه الرأسمالية الثروة وتدفع بنمو الدول المحورية فإنها تخلق العوز والتخلف في دول الأطراف. هذا التخلف لن ينتهي هكذا ببساطة بمرور الوقت أو بالتغيير الاجتماعي، بل إن ملاذ هذه الدول الوحيد هو أن تحمي أسواقها من الدول الغنية بقوة.
وهذا ما يظهر مما كتبه السكرتير العام لمركز أمريكا اللاتينية لأبحاث العلوم الاجتماعية في جريدة المركز وهي (لقد نشأ هذا المركز المتميز للمدينة في الفترة الاستعمارية، لقد أسس من قبل الفاتح (المستعمر) لكي يخدم الغايات نفسها التي مازال يخدمها اليوم، وهي أن يدمج السكان المحليين في الاقتصاد الذي جلبه وطوره ذلك الفاتح، وسلالته، لقد كانت المدينة الإقليمية أداة فتح ومازالت حتى اليوم أداة سيطرة) كما يؤكد المعهد الهندي الوطني في مكسيكو هذه الملاحظة عندما يشير إلى أن السكان المسجلين (من أب أوروبي وأم هندية) في الواقع يعيشون دائماً في مدينة هي مركز مقاطعة ثقافة مختلطة، تعمل كعاصمة لمنطقة سكانها محليون، وتحافظ على علاقة وطيدة مع المجتمعات المتخلفة تربط المركز مع المجتمعات التابعة له.
وهكذا فإن هذه العلاقات بين العاصمة وتوابعها ليست مقتصرة على المستوى العالمي والدولي، بل إنها تتجاوز ذلك وتبني الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمستعمرات وبلدان أمريكا اللاتينية، تماماً كما تصبح العاصمة الوطنية وقطاعها التصديري تابعة للعاصمة الاسبانية (وعواصم غيرها فيما بعد) للنظام الاقتصادي العالمي، ويصبح هذا التابع مباشرة عاصمة كولونيالية، ومن ثم وطنية، فيما يخص القطاعات الإنتاجية والسكان في الداخل، وعلاوة على ذلك فإن العواصم الإقليمية، التي هي نفسها تابعة للحاضرة الوطنية – ومن خلال الأخيرة تابعة ايضاً للعاصمة العالمية – هي بدورها مراكز إقليمية تدور حولها توابعها المحلية الخاصة بها. وهكذا فإن سلسلة كاملة لمجموعات العواصم والتوابع تصل بين أجزاء النظام ككل، بدءاً من مركزه الرئيسي في أوروبا أو الولايات المتحدة إلى أبعد نقطة حدودية في ريف أمريكا اللاتينية، عندما نتفحص هذه البنية العاصمية – التابعية، نجد أن كلاً من التوابع ومن ضمنها أسبانيا والبرتغال (المتخلفة الآن) تنهض بدور أداة لامتصاص رأس المال أو فائض الاقتصاد من توابعها وتحويل جزء من هذا الفائض إلى العاصمة العالمية التي هي كلها تابعة لها، وأكثر من ذلك فإن كل عاصمة وطنية ومحلية تقوم بفرض وصون البنية الاحتكارية والعلاقة الاستغلالية لهذا النظام ما دام ذلك يخدم مصالح العاصمة التي تستغل هذه التركيبة العالمية والوطنية والمحلية لدعم تطورها وثراء طبقاتها الحاكمة.
إن التخلف الحالي لأمريكا اللاتينية هو نتيجة مساهمتها الطويلة لقرون في عملية التنمية الرأسمالية العالمية، لقد مارس كل من هذه الأقاليم ما بدا أنه تنمية اقتصادية من خلال فترة عصرها الذهبي الخاص، ولكنها كانت تنمية تابعة لم تكن ذاتية النشوء ولا ذاتية الاستمرار. وعندما انحدر السوق أو الإنتاجية في تلك المناطق ضعف الاهتمام الأجنبي والمحلي بها فتُركت لتقوم بتنمية التخلف الذي تعيشه اليوم.
فعملية الإفقار وتنمية الفقر والتخلف في البلدان التابعة مقصودة لضمان السيطرة عليها، أما دعوات المنظمات الدولية كمنظمة أوكسفايم الدولية الإنسانية، البلدان الغنية إلى الإيفاء بالتزاماتها التي اتخذتها في عام (2000) لخفض الفقر في العالم وإلا فإن (45) مليون طفل إضافي سيموتون بحلول العام (2015) وغيرها من دعوات الاستعطاف لا تفيد شيئاً بل على الأجيال القادمة ومع مساعدة ظروف العلم اللامحدودة، أن يكرسوا الاهتمام اللازم لهذا المشاكل وأن يوضحوا عملية التخلف والتنمية.
إنهم لن يتمكنوا من تحقيق هذه الأهداف باستيراد القوالب الكلامية العقيمة من المركز، والتي لا تتماشى مع حقيقة اقتصادهم التابع، ولا تستجيب لاحتياجاتهم الاستقلالية السياسية، (ولتغيير واقعهم يجب عليهم فهمه. ومتابعة أكثر للمنحى التاريخي والكلي والتركيبي قد يساعدان شعوب الدول المتخلفة في أن تفهم الأسباب وأن تزيل واقع تنمية تخلفها وتخلف تنميتها) كما يقول جوندر فرانك.