وشم آخر في الذاكرة
إبراهيم صديقي
ما القولُ ما المكتوب ما المنطوقُ
ما العشقُ حين يخونُكَ المعشوقُ؟
ما الذكرياتُ إذا انتصبنَ مشانقاً
والحلم ملءَ حبالها مشنوق؟
ما كفّكَ اليمنى التي طرقتْ سُدى
بابَ الهوى.. ما بابها المطروق؟
تشكو من النيران يا قدحاً لها!
تشكو.. وأنتَ النار يا محروق!
تجري ويجري العمر فيكَ مُسابِقاً
وكلاكما في جرْيهِ مَسبوق
يا موطناً سرقوه من تاريخه
أقسى المنافي موطن مسروق
يا طفلهُ المنساب مثل مياهِهِ
في وجهه من مطلعيه شُروق
يا درةّ ًلألأءةً في عِقدِهِ
لم يحتضنها عِقده المخروق
تداعيات فارس
إبراهيم صديقي
دروبُكَ جمرٌ والحنينُ حريقُهُ
وعمرُكَ طوفانٌ وأنتَ غريقُهُ
وليلكَ مدفونٌ بعينيكَ قابعٌ
وفجرُك محرومٌ عليك بريقُهُ
كذا قضتِ الأيّامُ يا من عشقتَها
وحمّلْتَ فيها القلبَ ما لا يُطيقه
أدارتْ لكَ الوجهَ الذي ما عرفتَهُ
وهمّتْ إلى ما في العروق تُريقه
فها أنتَ مصلوبٌ على كل آهةٍ
وها أنتَ مكسورُ الجناح سحيقه
إلى أين يا هذا؟ جوادُكَ متعبٌ
وعن سيره كلُّ الوعورِ تُعيقه
إلى أين؟ هذي الأرضُ تبلع ماءَها
وحلقُكَ يا ظمآنُ قد جفّ ريقُه
هو الموتُ.. إلا أن قلبَك نابضٌ
لتلسعَه في كلّ حينٍ حُروقه
كتب هذه القصيدة الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين بعد عودته من دراسته في " اسكتلندا " إلى بلدته عنيزة سنة 1972م
طربت..ماذا على المشتاق إن طربا ** لما دنت لحظات نحوهن صبـا
أرستْ على مدرج الأمجاد طائرتي ** وموعدي مع أحلامي قد اقتربا
حيث التي أسرت قلبي تعانقـني ** وتمسح الهمّ عن عينيّ والتّـعبـا
كم قد مكثت بعيدا عن مفاتنهـا ** أغالب السّهد في "سْكتلند"مغتربا
وكم بعثت أناشيدي لأخبرهـا ** أني على العهد طال الوقت أم قربا
لواعج الشوق كم كانت تؤرّقني ** وكامن الوجد كم أذكى دمي لهبا
من كان مثلي بالفيحا تعلّـقـه ** فلا غرابة إن عانى ولاعـجـبا
أحلى العرائس مامن عاشق لمحت ** عيناه فتنتها إلا لهـا خطـبا
تنام مابين جـالٍ كلّـه شمـم ** وبين كثبـان رملٍ كلّهنّ إبـا
وإن تأمّـلت أزيـاءً تتيـه بهـا ** رأيت من بينها البرحيّ والعنـبـا
***
حبيتي أنت يا فيـحـاء ملهـمتي ** ماخـطّـه قلمي شعراً ، وما كتبا
رجعتُ من غربتي كي أستريح على ** ربـاً لدى قلبي المضنى أعـزّ ربا
مابينهنّ عرفت الأنس في صـغـري ** وفوقهـنّ عرفت اللّـهـو واللعبا
هـنا سمـعت أهازيـجـاً مرتّـلةً ** وعشت أيّـام أشواقٍ وعهد صبا
هـنا سـجلاّت تاريخٍ تحدّثـني ** بما يطيب عن الماضي الذي ذهـبا
تعيد لي صورة " الهـفّوف " كامـلةً ** الناس ، والشارع المسقوف ، والعتبا (1)
ومُـتعَـبا قصد " المشراق " في دعـةٍ ** وظامئاً من " سبيلٍ " عُلّـقتْ شربا (2)
وصـورتي كلّ يومٍ حـاملاً بيدي ** إلى العزيزيّـة الكرّاس والكـتـبـا
ومعهداً كان لي فيـه سـنـا أمـلٍ ** وإخوةٍ جمعـوا الأخلاق والأدبـا
غابوا ، كما غبتُ ، عن أركان مسرحه ** ومزّقتـهم ظروفٌ دبّـرت إربا
فـواحدٌ ضـاع في أعماق وحدتـه ** وآخـر عن قوافي شعـره رغـبا
وثـالث حـزّ في نـفـسي تغيّـبه ** وإن يكن لذرا الأمجـاد قد طلبـا
مازلت مثـل كثـيرٍ من أحبّـتـه ** ليـوم عـودتـه المـأمـول مرتقبا
***
حبـيـبتي أنـت يافيحـاء معذرةً ** أن جاء وصفي لـما في النّفس مقتضبا
فمـا وُهِـبتُ خـيالاً في تـدفّـقـه ** يطـوي المسافـات حتى يبلغ الشـهبا
ولاوُهِـبتُ يـراعـاً من شمــائـله ** أن يستجيب لقلـبي كلّـما طـلـبـا
في مهـجـتي الودُّ أصـفـاه وأعذبه ** لسحر عينيك ضاق النطق أم رحـبا
--------------------------------------------------------
(1) الهفوف .. من أحياء عنيزة كانت تقيم فيه أسرة الشاعر .
(2) السبيل .. قربة مملوءة ماء تعلق في الشارع ليشرب منها الظامؤون