بشرى من الغيب ألقت في فم الغار | وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار
|
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا | و أعلنت في الربى ميلاد أنوار
|
و شقّت الصمت و الأنسام تحملها | تحت السكينه من دار إلى دار
|
و هدهدت " مكّة " الوسنى أناملها | و هزّت الفجر إيذانا بإسفار
|
***
|
فأقبل الفجر من خلف التلال و في | عينيه أسرار عشاق و سمار
|
كأنّ فيض السنى في كلّ رابية | موج و في كلّ سفح جدول جاري
|
تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى | تاريخها فجر أجيال و أدهار
|
واستقبلت طفلا في تبسّمه | آيات بشرى و إيماءات إنذار
|
و شبّ طفل الهدى المنشود متّزرا | بالحقّ متّشحا بالنور و النار
|
في كفّه شعلة تهدي و في فمه | بشرى و في عينه إصرار أقدار
|
و في ملامحه وعد و في دمه | بطولة تتحدّى كلّ جبّار
|
***
|
و فاض بالنور فاغتم الطغاة به | و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري
|
و الوعي كالنور يخزي الظالمين كما | يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
|
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت | كتائب الجور تنضي كلّ بتّار
|
كأنّها خلفه نار مجنّحة | تعدو قدّامه أفواج إعصار
|
فضجّ بالحقّ و الدنيا بما رحبت | تهوي عليه بأشداق و أظفار
|
و سار و الدرب أحقاد مسلّخة | كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري
|
وهبّ في دربه المرسوم مندفعا | كالدهر يقذف أخطار بأخطار
|
***
|
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا | و ها هنا يتلقّى كفّ ... حفّار
|
و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته | فلم تطق وقفة في وجه تيّار
|
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته | قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار
|
وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على | جبينها تاج إعظام و إكبار
|
***
|
مضى إلى الفتح لا بغيا و لا طمعا | لكنّ حنانا و تطهيرا لأوزار
|
فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا | عدلا ... تدبّره أفكار أحرار
|
***
|
يا قاتل الظلم صالت هاهنا و هنا | فظايع أين منها زندك الواري
|
أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي | تئنّ ما بين سفّاح و سمسار
|
يشدّها قيد سجّان و ينهشها | سوط ... ويحدو خطاها صوت خمّار
|
تعطي القياد وزيرا و هو متّجر | بجوعها فهو فيها البايع الشاري
|
فكيف لانت لجلّاد الحمى " عدن " | و كيف ساس حماها غدر فجّار ؟
|
وقادها وعماء لا يبرّهم | فعل و أقوالهم أقوال أبرار
|
أشباه ناس و خيرات البلاد لهم | يا للرجال و شعب جائع عاري
|
أشباه ناس دنانير البلاد لهم | ووزنهم لا يساوي ربع دينار
|
و لا يصونون عند الغدر أنفسهم | فهل يصونون عهد الصحب و الجار
|
ترى شخوصهم رسميّة و ترى | أطماعهم في الحمى أطماع تجّار
|
***
|
أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني | دعواهم أنّهم أصحاب أفكار
|
يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم | و مجدهم رجس أخشاب و أحجار
|
لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينه | ترى فظائعهم من خلف أستار
|
الآكلون جراح الشعب تخبرنا | ثيابهم أنّهم آلات أشرار
|
ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها | بأنّها دمع أكباد و أـبصار
|
يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم | لكنّهم يسترون العار بالعار
|
تحسّهم في يد المستعمرين كما | تحسّ مسبحة في كفّ سحّار
|
***
|
ويل وويل لأعداء البلاد إذا | ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار !
|
فليغنم الجور إقبال الزمان له | فإنّ إقباله إنذار إدبار
|
***
|
و الناس شرّ و أخيار و شرّهم | منافق يتزيّا زيّ أخيار
|
و أضيع الناس شعب بات يحرسه | لصّ تستره أثواب أحبار
|
في ثغره لغة الحاني بأمّته | و في يديه لها سكّين جزّار !
|
حقد الشعوب براكين مسمّمة | وقودها كلّ خوّان و غدّار
|
من كلّ محتقر للشعب صورته | رسم الخيانات أو تمثال أقذار
|
و جثّة شوّش التعطير جيفتها | كأنّها ميته في ثوب عطّار
|
***
|
بين الجنوب و بين العابثين به | يوم يحنّ إليه يوم " ذي قار "
|
***
|
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت | ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
|
يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت | رسالة الحقّ إلاّ روح مختار ؟
|
أعلى المباديء ما صاغت لحاملها | من الهدى و الضحايا نصب تذكار
|
فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم | مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟ !
|
يبدون للشعب أحبابا و بينهم | و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفار
|
مالي أغنّيك يا " طه " و في نغمي | دمع و في خاطري أحقاد ثوّار ؟
|
تململت كبرياء الجرح فانتزفت | حقدي على الجور من أغوار أغواري
|
***
|
يا " أحمد النور " عفوا إن ثأرت ففي | صدري جحيم تشظّت بين أشعاري
|
" طه " إذا ثار إنشادي فإنّ أبي | " حسّان " أخباره في الشعر أخباري
|
أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا | جيش الطغاة بجيش منك جرّار
|
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم | كأنّهنّ قلاع خلف أسوار
|
نحن اليمانين يا " طه " تطير بنا | إلى روابي العلا أرواح أنصار
|
إذا تذكّرت " عمّارا " و مبدأه | فافخر بنا : إنّنا أحفاد " عمّار "
|
طه " إليك صلاة الشعر ترفعها | روحي و تعزفها أوتار قيثار
|