سلسلة الصحابة ( رضي الله عنهم ) ج30

بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مواصلة مع موضوع ( سلسلة الصحابة ) ، نحاول في هذا العدد الأخير أن نقف عند سيرة عظماء التاريخ الإسلامي من صحابة الرسول (ص) ، وأكثرهم شهرة ، ونتعرف في هذا العدد بمن كان له الشرف العظيم في أن يكون شاعر النبي (ص) وعلم من اعلام الدعوة والنصر والجهاد بالكلمة ، إنه الصحابي الجليل :

شاعر الرسول
حسان بن ثابت

هو الصحابي الجليل حسان بن ثابت بن المنذر النجاري الأنصاري، يكنى أبا الوليد وقيل يكنى أبا عبد الرحمن وقيل أبا الحسام من الخزرج ، وأمه الفريعة بنت خالد بن خنيس الأنصارية ، ولد في المدينة قبل مولد النبي (ص) بنحو ثماني سنين ، عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين أخرى ، شب في بيت وجاهة وشرف ، منصرفا إلى اللهو والشرب والغزل . فأبوه ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي ، من سادة قومه وأشرافهم . وحسان بن ثابت ليس خزرجيا فحسب بل هو أيضا من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فله به صلة وقرابة ، و كان يقال له: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قصة اسلامه ودفاعه عنه :

كانت حياة حسّان في الجاهلية لا تختلف عن حياة أقرانه ، لقد كان شديد العصبية لقومه , لا يتعرَّض أحدهم لسوء إلا انبرى مدافعا عنه بشعره ، يُشِيدُ بمناقبهم ، ويهجو أعداءهم ، وهذه العصبية تفسير لكثرة الهجاء و الفخر في شعره الجاهلي ، وكانت عصبيته هذه بادية في الصراع القائم بين الأوس و الخزرج . كما أن حسّان بن ثابت كان يتصل بأقربائه الغساسنة، في الشّام وكان يمدحهم وينال أُعْطِيَّاتِهم وجوائزَهم , ودافع حسّان عن قبيلته الخزرج مُشيدًا بأيامها ، وذاكرا لمناقبها , منافحا عليها , بخاصة فيما ورد من مناقضات بينه وبين قيس بن الخطيم شاعر الأوس ، وخير مثال على ذلك قصائده يوم الربيع و يوم خطمه و يوم بعاث. ولم يمكث حسّان طويلا عند المناذرة فعاد إلى الغساسنة وأدركه الإسلام وهو في المدينة بعد هجرة الرسول(ص) إليها, وقد كان مع السابقين من الخزرج الذين سمعوا من قومهم عقب عودتهم من بيعة العقبة الأولى الاسلام ودخلوا فيه . وكان ظهور الإسلام وانتشاره في المدينة بداية عهد جديد في حياة شاعرنا, فقد انْتَدَبَهُ الرسول (ص) ليدافع عن دعوته , واختاره بأن يكون شاعره المبجَّل , يذود عن الإسلام بلسانه الصَّارم ,وَيَرُدُّ على المشركين أكاذيبهم وهجاءهم ، وكان حسّان جديرا بالمَهَمة التي تولاها , واستحقَّ – دون إخوانه الآخرين أمثال : كعب بن مالك وقيس بن الخطيم و عبد الله بن رواحة- لقب شاعر الرسول (ص) , فتصدَّى لشعراء المشركين الذين كانوا يقذَعُون الرسول (ص) بهجائهم أمثال : عبد الله بن الزبعرى و أبي سفيــان ابن الحارث بن عبد المطلب وضرار بن الخطاب وعمرو بن العاص قبل إسلامهم. وقد استأذن حسَّان بن ثابت الرسول (ص) في هجاء المشركين والرد عليهم فأذن له الرسول (ص) بذلك فقال حسَّان: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَفْرِيَّنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الأَدِيمِ ، فقال رسول الله (ص) : لاَ تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا ، وَأَنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يُلخصَ لَكَ نَسَبِي) ، فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ لَخَصَ لِي نَسَبَكَ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَسُلَّنَّكّ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ .

وقد يسأل سائل , وحق له أن يسأل عن سر اختيار الرسول (ص) حسّان دون سواه ليكون شاعره ولسانه,و في الأنصار أمثال : كعب بن مالك و عبد الله بن رواحة , ومن المُحَقَّقِ أن اختيار الرسول (ص) لم يكن عفوا و اعتباطا ,ولم تَخِبْ فَراسة النبي (ص) في شاعره ,فقد استطاع حسّان أن يبلغ من نفوس مشركي قريش ومن شعرائهم ما لم يبلغه سواه من شعراء المسلمين. ..

مكانته العلمية وفضائله :

منذ أن أصبح حسّان شاعر الرسول (ص) وَقَفَ شِعرَهُ على المنافحة عنه , ومُصاولَةِ أعدائه وأعداء المسلمين , وذِكْرِ غزوات الرسول ووقائعه , ومفاخرةِ شعراء الوفود و رثاء الشهداء , فكان شعره في تلك الحقبة سجِلاًّ تاريخيا لجميع الأحداث التي توالت على المسلمين , وغلب منذ ذلك الحين الطابع الإسلامي على جُلِّ أغراضه , و قد نال حسّان الحظوة و المكانة المرموقة والإعجاب من المسلمين , ولَعَلَّ هذه المكانة كانت سببا في كثرة ما أُضِيف إليه من الشعر .

وقد قيل فيه : قال "أبو الحسن الأخفش" :يقال : ماء مخضرم إذا تناهى في الكثرة و السعة فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية و الإسلام مخضرما , كأنه استوفى الأمرين .

و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يقام له منبر يلفي منه شعره فتردده الجزيرة و تصدى له مائة شـــــــــــاعر مشرك فقرهم جميعا ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يعجب بشعره ويقول له ' أحْدُ ' أي أنشد و النبي على ناقته فينشد فيقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لهذا أشد عليهم من وقع النبل )
و قال النبي صلى الله عليه و سلم عن حسان : ( لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق ).. و يوم الأحزاب قام شعراء المشركين يهجون النبي و المسلمين فقام لهم عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك و لكن النبي أجلسهم و قال ( اهجهم أنت يا حسان و روح القدس يعينك ) . و قد سجل شعره كل معارك النبي صلى الله عليه و سلم و وصف الصحابة .

و قال فيه أبو عبيدة : فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة وشاعر اليمانيين في الإسلام .وقال المبرد في الكامل: أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستةً في نسق كلهم شاعر وهم: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.

وعن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت: كان حسان يضع له النبي -صلى الله عليه وسلم- منبرا في المسجد ، يقوم عليه قائما ينافح عن رسول الله -صلىالله عليه وسلم- ، ورسول الله يقول : إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسولالله - صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود .

مما قاله في مدح الرسول :

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني ...... وَأَجـمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُـلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ ....... كَـأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ

وقال في مدح رسول الله :

شَـقَّ لَـهُ مِـنِ إِسـمِهِ كَي يُجِلَّهُ.... فَـذو الـعَرشِ مَحمودٌ وَهَذا مُحَمَّدُ
نَـبِـيٌّ أَتـانـا بَـعـدَ يَأسٍ وَفَترَةٍ ...مِن الرُسلِ وَالأَوثانِ في الأَرضِ تُعبَدُ
فَـأَمـسى سِراجاً مُستَنيراً وَهادِياً ....يَـلـوحُ كَـما لاحَ الصَقيلُ المُهَنَّدُ
وَأَنـذَرَنـا نـاراً وَبَـشَّـرَ جَـنَّةً ....وَعَـلَّـمَـنـا الإِسلامَ فَاللَهَ نَحمَدُ
وَأَنـتَ إِلَـهَ الـحَـقِّ رَبّي وَخالِقي ...بِـذَلِـكَ ما عُمِّرتُ في الناسِ أَشهَدُ
تَعالَيتَ رَبَّ الناسِ عَن قَولِ مَن دَعا ...سِـواكَ إِلَـهـاً أَنـتَ أَعلىوَأَمجَدُ
لَـكَ الـخَلقُ وَالنَعماءُ وَالأَمرُ كُلُّهُ.... فَـإِيّـاكَ نَـسـتَـهدي وَإِيّاكَ نَعبُدُ
لِأَنَّ ثَـوابَ الـلَـهِ كُـلَّ مُـوَحِّـدٍ ...جِـنـانٌ مِـنَ الفِردَوسِ فيها يُخَلَّدُ

وعند وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قام حسان بإلقاء واحدة من أفضل قصائده، حيث يرثي فيها الرسول الكريم بالكثير من الأسى والحزن.

بَـطَـيـبَةَ رَسمٌ لِلرَسولِ وَمَعهَدُ ...مُـنـيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ وَتَهمَدِ
وَلا تَمتَحي الآياتُ مِن دارِ حُرمَةٍ ...بِها مِنبَرُ الهادي الَذي كانَ يَصعَدُ
وَواضِـحُ آثـارٍ وَبـاقـي مَعالِمٍ ....وَرَبـعٌ لَـهُ فيهِ مُصَلّى وَمَسجِدُ
بِـهـا حُجُراتٌ كانَ يَنزِلُ وَسطَها ....مِـنَ الـلَهِ نورٌ يُستَضاءُ وَيوقَدُ
مَعارِفُ لَم تُطمَس عَلى العَهدِ آيُها ....أَتـاهـا الـبِلى فَالآيُ مِنها تُجَدَّدُ

ومما قاله أيضاً في رثاء الرسول عليه الصلاة والسلام

مـا بـالُ عَـيني لا تَنامُ كَأَنَّما... كُـحِـلَـت مَآقيها بِكُحلِ الأَرمَدِ
جَزَعاً عَلى المَهدِيِّ أَصبَحَ ثاوِياً ...يا خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعُدِ
جَـنبي يَقيكَ التُربَ لَهفي لَيتَني ....غُـيِّـبتُ قَبلَكَ في بَقيعِ الغَرقَدِ

وفاته :

قال ابن سعد : عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ومات وهوابن عشرين ومائة، وقد توفي رضي الله عنه سنة 54 من الهجرة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي ختام هذه السلسلة المباركة أهنئ نفسي وإخواني بعيد الفطر المبارك ، وارجوا من الله العلي القدير أن يتقبل مني ومنهم الصيام والقيام ، كما نسأله التوفيق في الطاعة والسداد في الرأي، وان يثبتنا على الإيمان واليقين بعد شهر رمضان .

كما لا يفوتني في هذه المناسبة السعيدة وختام هذه السلسلة المباركة أن اشكر أولا الله سبحانه وتعالى على أن وفقني في انجاز هذا العمل ، وان يجعله خالصا لوجهه الكريم ، واشكر إخواني المدراء والمشرفون ، الذين سهروا معي على إنجاح هذا العمل المتواضع ، كما لا يفوتني أن اشكر أيضا كل الذين ساهموا بردودهم المشجعة على هذا العمل ، ووقفوا معي بتعاطفهم ونصائحهم وإرشاداتهم لي من اجل بلوغ المستوى المطلوب من الموضوعية والأمانة العلمية في كتابة هذه السلسلة ، والشكر موصولا مسبقا لكل من شاهد هذا العمل ولم يسعفه الحظ في ترك أي رد في الموضوع .

وأجمل ما اختم به كلامي عن الموضوع هذا الدعاء :

اللهم إنا نتوسل إليك بك ونقسم عليك بذاتك أن ترحم وتغفر وتفرج كرب معدها وقارئها ومرسلها وناشرها وآبائهم وأمهاتهم وأن ترزقنا صحبة النبي (ص) في الجنة ولا تجعل منا طالب حاجه إلا أعطيته إياها فأنك ولى ذلك والقادر عليه وصلى اللهم وسلم على حبيبك ونبيك محمد (ص) .
أمين.... آمين ... آمين

أشكر لأخي أبي دجانة الموضوع الرائع عن شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يترك لي ما أضيفه في الموضوع كما أنه وفق في اتمام هذه السلسلة جعلها الله في ميزان حسناته ومع ذلك فإني سأذكر أبياتا لشاعر الرسول
قدأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيب الزربقان بن بدر بها فقال : رضــــي الله عنه .

إن الذوائب من فهر وإخوتهـــــــم قد بينوا سنة للناس تبتــــــــــــــــع

يرضى بها كل من كانت سريرتـــه تقوى الاله ، وبالامر الذى شرعوا

قوم إذا حاربوا ضروا عدوَّهــــــم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعـوا

سجية تلك منهم غير محدثـــــــــة إن الخلائق فاعلم ، شرُّها البــــــدع

لوكان في الناس سباقون بعدهـــم فكل سبق لأدنى سبقهم تبـــــــــــــع

لايرفع الناس ما أوهـــــــت أكفهم عند الدفاع ولا يوهن مارفعـــــــوا

ولا يضنّون عن جار بفضلهــــــــم ولا يمسهم في مطمع طبـــــــــــــــع

أعفةُ ذكرت في الناس عفتهـــــــم لا يبخلون ولا يرديهم طمــــــــــــع

خذ منهم ما أتوا عفوا إذا عطفوا ولا يكن همك الأمر الذى منعــــــوا

فان في حربهم فاترك عداوتهـــم شر يخاض إليه الصاب والسَّلـــــَعُ

أكرم بقوم : رسول الله شيعتهـــم اذا تفرقت الاهواءُ والشـــــــــــــــيعُ
وشكرا
تحياتي

شكرا أخي أبا دجانة على المشروع الذي وفقك الله في إتمامه، فهذا هو آخر عدد في سلسلة الصحابة رضي الله عنهم

جعله الله لك في ميزان حسناتك و أرجو من الله العلي القدير أن يحشرني و إياك و المسلمين مع خير خلق الله

كمــا ألفناك دائما، مخلص في أعمالك، تقبل الله منا و منكم آمين

» سلسلة الصحابة - رضي الله عنهم- ج6
» سلسلة الصحابة ( رضي الله عنهم )ج19
» سلسلة الصحابة (رضي الله عنهم)ج24
» سلسلة الصحابة ( رضي الله عنهم )ج7
» سلسلة الصحابة ( رضي الله عنهم).