أوجب الله سبحانه وتعالى الصداق وهو المهر للمرأة وأجمع العلماء على ذلك. قال تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). سورة النساء آية (4).
قال القرطبي: هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة وهو مجمع عليه.
وقال تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء 26، وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء 24، وقوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة10 .
وقال الشوكاني: والمهر واجب وتكره المغالاة فيه، ويصح ولو خاتما من حديد أوتعليم قرآن، ومن تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا فلها مهر نسائها إذا دخل بها، ويستحب تقديم شيء من المهر قبل الدخول، وعليه إحسان العشرة، وعليها الطاعة. الدراري المضية (1/264).
وخير الصداق ما قل ويسر ، وقد زوج النبي e على ما مع الزوج من القرآن.فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا ، قَالَتْ : أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ r لِأَزْوَاجِهِ".
وفى صحيح البخارى كما تقدم أن النبيr قال لرجل : "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، وفيه:" قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا فَقَالَ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" .
وعن أنس قَالَ: "خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا قَالَ ثَابِتٌ فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ".
فتضمنت هذه الأحاديث وغيرها أن الصداق لا يتقدر أقله ، وأن خاتم الحديد يصح تسميته مهراً .
وتضمنت أن المغالاة في المهور مكروهة ، وأن أفضل النكاح أيسره مؤنة .
قال ابن قيم الجوزية: فتضمن هذا الحديث أن الصداق لا يتقدر أقله وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهرا وتحل بها الزوجة، وتضمن أن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وإنها من قلة بركته وعسره، وتضمن أن المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن أو بعضه من مهرها جاز ذلك وكان ما يحصل لها من انتفاعها بالقرآن والعلم هو صداقها كما إذا جعل السيد عتقها صداقها وكان انتفاعها بحريتها وملكها لرقبتها هو صداقها وهذا هو الذي اختارته أم سليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة وبذلها نفسها له إن أسلم وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج فإن الصداق شرع في الأصل حقا للمرأة تنتفع به فإذا رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته للقرآن كان هذا من أفضل المهور وأنفعها وأجلها فما خلا العقد عن مهر.
حكم المغالاة في مهور النساء لسماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المتوفى عام 1389 هـ رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم مشكلة غلاء المهور
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من إخوانه المسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد، فإن مشكلة غلاء المهور في زماننا هذا من أكبر المشاكل التي يجب الاعتناء بحلها وذلك لما ترتب على غلاء المهور في زماننا هذا من أضرار كثيرة نخص منها بالذكر ما يأتي:
1- قلة الزواج التي تفضي إلى كثرة الأيامى وانتشار الفساد.
2- الإسراف والتبذير المنهي عنهما شرعاً.
3- غش الولي لموليته بامتناعه من تزويجها بالكفء الصالح الذي يظن أنه لا يدفع له صداقاً كثيراً رجاء أن يأتي من هو أكثر صداقاً ولو كان لا يرضى ديناً ولا خلقاً ولا يرجى للمرأة الهناء عنده وهذا مع كونه غشاً فيه العضل الذي يعتبر من تكرر منه فاسقاً ناقص الدين ساقط العدالة حتى يتوب وفيه مخالفة الحديث «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» فلهذا وجب أن نبين ما دلت عليه النصوص في هذا الأمر المهم وما اشترطه العلماء لجواز إكثار المهر بدون كراهة ثم نجيب عما يظنه البعض دليلاً لهذا العمل المنافي لمقاصد الشرع وهو الآية الكريمة }وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا{ ...