لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تعد أحداثا لا سابقة لها في التاريخ، شكلت منعطفا جديدا في طريق العلاقات الأمريكية العربية والإسلامية، وألقت بظلالها على حياة ملايين المسلمين الذين يعيشون في أوربا وأمريكا ودول الغرب، ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 والإعلام العربي والغربي يعمل وبشكل مكثف على تسليط الضوء أكثر حول هذه الأحداث وتداعياتها على الساحة الدولية. سيما أن هناك الكثير من المسلمين الذين يعيشون في بلدان مختلفة في العالم قد أثرت هذه الأحداث على حياتهم وسببت تغيرات في مجرياتها وكيفية التعامل معهم أينما كانوا ، ومنهم من اضطر لترك دراسته أو عمله وعاد أدراجه إلى وطنه بسبب ما تعرض له من مضايقات بعد هذه الأحداث إلا أن التعامل مع العرب والمسلمين وبعد هذه الأحداث ورغم ما سببته من تشويه لصورة الإسلام والمسلمين هناك فإن التعامل معهم يختلف من دولة لأخرى ومن شعب إلى شعب. هذا ورغم مرور خمسة أعوام على هذه الأحداث إلا أنه لا يزال هناك العديد من رجال الإعلام والسياسة يشككون في صحة الرواية ويكذبون ما يسمى ب (المؤامرة الإسلامية) في تنفيذ هذه الأحداث بل أنهم يعارضونهم بعنف ويستنكرون ذلك جملة وتفصيلا . وحول هذا الموضوع وبمناسبة مرور الذكرى الخامسة على هذه الأحداث استضفنا البروفيسور أندريه سيرجي إيفانوف أستاذ علم السياسة في جامعة موسكو حيث قال: لم يكن سقوط البرجين في حي مانهاتن في نيويورك بمثابة حدث بسيط أو انهيار أو سقوط أي مبنى فقط بل كان بمثابة انهيار نظام عالمي جديد وظهور نظام آخر بدأ في التشكيل في الفترة القليلة الماضية0 هذا التأثير امتد ليشمل بنية النظام الدولي والعلاقة بين أقطابه وقد عبر عن هذا التحول عالم السياسة الأمريكي (آرنست ماي) الأستاذ بجامعة هارفارد حين قال إنه لم يكن يطرأ لأحد أن حدثا إرهابيا تتعرض له الولايات المتحدة يمكن أن يطلق علاقات مختلفة تماما بين القوي العظمي، وأن يعيد بوجه خاص قوي أساسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين إلي ما كانت عليه تقريبا نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة . وعلي المستوي الدولي وعلاقات الولايات المتحدة مع قوي رئيسة مثل روسيا والصين، فإن أحداث سبتمبر قد فرضت عددا من المساومات والحلول الوسط حول قضايا وخلافات في السياسة الخارجية، فعلي المستوي الروسي الأمريكي، كان الرئيس الروسي الأكثر استجابة وتفاعلا مع متطلبات التعاون مع الولايات المتحدة، حيث أعلن دعمه لمحاربة الإرهاب ووقوف المجتمع الدولي ضد الإرهاب، هذا فضلا عن المساعدات الروسية المباشرة مثل إتاحة الأجواء الجوية، وتبادل المعلومات، كما سمح لدول الاتحاد السوفيتي السابقة في آسيا الوسطي أن تقدم فضاءها الجوي، وقواعدها العسكرية للاستخدام الأمريكي, وأشار إلى أن هذه الأحداث قد شكلت منعطفا جديدا في السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين. ومضى قائلا: لقد استكمل الرئيس الروسي هذا التحول في السياسة الروسية بما أبداه من تحول تاريخي تجاه حلف الناتو واستعداده للتعاون معه بل والعضوية فيه، وهو الاستعداد الذي قابلته قيادة الناتو بالإعراب عن استعدادها أن تشارك روسيا في صياغة قرار الناتو حول عدد من القضايا المشتركة مثل مقاومة الإرهاب، والحد من انتشار الأسلحة المتقدمة، وإدارة مسؤوليات حفظ السلام، وتبدو أهمية هذا التطور في علاقة روسيا بالناتو فيما يمكن أن يؤدي إليه من تقليل معارضة روسيا لتوسيع الناتو لكي يضم دول البلطيق. وأشار إلى أن تحسن علاقة روسيا مع الناتو هو تحسن للعلاقة الروسية الأمريكية واستطرد في حديثه قائلا:إذا كانت هذه التحولات التي أشرنا إليها تقع في مجال العلاقات السياسية والدولية إلا أنه يجب الإشارة إلى أن هذه الأحداث قد عملت على تحولات على المستوي الثقافي والحضاري حيث أدت هذه الأحداث إلي أن يبرز من جديد مفهوم الصراع بين الحضارات والثقافات، ولا ننكر أنها أثارت لدى أعداء الإسلام أن الدين الإسلامي عدو للمدنية والحضارة والسلام, وأنه يمثل المشكلة الحقيقية وراء ظواهر الإرهاب، وهو الأمر الذي انعكس علي صورة المسلمين ومجتمعاتهم، ووضعت الجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة والغرب على قوائم الاتهام والشكوك. إلا أن حال المسلمين في روسيا غير ذلك فأعتقد أنهم لم يتأثروا بذلك كثيرا حيث إنهم يشكلون جزءا من النسيج الاجتماعي الروسي فضلا عن أنهم أسهموا في بناء الكيان الروسي. وألمح إلى أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا هوية ولا دين ولا ثقافة له ينفذه جماعات استهدفت اغتيال الإنسانية وزعزعة الأمن، وروسيا من الدول التي اكتوت بناره حيث شهدت أروع صوره في إحدى مدارس مقاطعة بيسلان الابتدائية (ضاحية شمال أوسيتيا) واحتجز الإرهابيون عددا من الأطفال والآباء والمدرسين ودامت الأزمة حوالي ثلاثة أيام، وعرفت العديد من مشاهد التفجيرات ومداهمات القوات الحكومية ولقي حوالي 376 شخصا مصرعهم، من بينهم 186 طفلا.
هذا وقد أكد المستشرق الروسي ايفغيني ماكسيموفيتش بريماكوف إلى أن أحداث 11 سبتمبر قد خلفت آثارا فكرية وسياسية وعسكرية على العالم أجمع واعتبرها حادثة عابرة، بل أن أحداث الحادي عشر من أيلول أخذت تتضاعف، أي أنها ظهرت وتظهر في أمكنة قد لا تقع في دائرة التوقع. واستعرض بريماكوف في أحدث كتاب ألفه بعنوان ( العالم بعد 11 أيلول) ظاهرة الإرهاب في القرن العشرين، وظروف نشوئها في القرن العشرين في أثناء الحرب الباردة ثم مع مطلع القرن الحادي والعشرين. وينفي خرافة تأصل النزعة العدوانية في الإسلام، وهذا ما شاع للأسف لدى عدد غير قليل من الكتاب الغربيين. ويؤكد بريماكوف أن (لا جذور للإرهاب في القرآن)، ويشرع بالبحث عنها في السياسة الدولية. فالولايات المتحدة مثلاً في حقبة الحرب الباردة أسهمت كثيراً في نشوء أبرز الجماعات الإسلامية المحاربة (القاعدة) أما (طالبان) فهي صنيعة أجهزة الاستخبارات العسكرية الباكستانية. عليه فالاثنتان ليستا من مستحدثات أية دولة عربية إسلامية. معتقدا أن تلك الجماعات تجد جذورها في مِلل ظهرت متأخرة في تاريخ المسلمين، وتُعدّ انحرافاً عن قيم الإسلام الأصلية أكثر منها تمثيلا له، فهي ليست تطوراً أو تحولا طبيعياً نابعاً من هذا الدين. كما يرد أسبابها أيضاً إلى ارتباك عمليات التنمية والعلمَنَة في أجزاء كثيرة من العالم العربي. ثم أن تعذر التوصل إلى أية تسوية للقضية الفلسطينية يهيئ حاضنة لتفاقم واتساع نزعة العداء حيال الغرب بالمعنى العام. فحالة الاحتباس التي يعانيها الواقع العربي وانسداد آفاقه وشيوع الإحساس بالذل والاستلاب وهضم الحقوق لا بد أن توفر المهاد لاتساع العدوانية وتوالد حركات تمارس أعمالها في داخل حدودها الوطنية وخارجها. ولا ينحصر الإرهاب بالجماعات الإسلامية المتطرفة، بل استخدمته حركات يسارية ودينية وانفصالية في بقاع أخرى من العالم. ويرى بريماكوف أن الحركات المتطرفة والجماعات الإرهابية غدت تنظيمات لها استقلالها التام عن الأنظمة الحكومية، وانفلتت من سيطرة الأجهزة التي تربّت في أحضانها.
كما يحمّل مسؤولية ما يجري، وإمكانية توالد تلك الحركات والجماعات واتساعها إلى انفراد الولايات المتحدة بمحاربة الإرهاب ونوعية العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي عامة. مبديا تخوفه من شيوع الأسلحة غير التقليدية في بلدان كثيرة. كما يرى أن القضية الفلسطينية هي مشكلة أدت إلى تنامي الإرهاب وتحريض النزعة العدوانية في الشرق الأوسط، حيث لم تعد مشكلة إقليمية منفصلة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بل أنها أصبحت الآن قضية تؤثر تأثيرا مباشراً في علاقات الغرب مع العالم الإسلامي.