عائشة الحميراء.. قدوة النساء د. علي بن عمر بادحدح
المقدمةالحمد لله هو لكل خير يرتجى، وإليه من كلشر المتلجى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بهماقتدى، وإن هدى الله هو الهدى، من تمسك به اهتدى، ومن حاد عنه ظل وغوى.
أما بعد:قد سلف لنا أحاديث عديدة حول ما يتعلق بالمرأة المسلمة، وبعض الموضوعات المتعلقة بها، واليوم حديثنا عن "
عائشة رضي الله عنها"يخدم هذا الجانب على وجه الخصوص، وإن كان في موضوع سيرتها ما هو نافعومفيد للمجتمع المسلم كله رجالاً ونساءً ؛ لأن في مواقفها وتعاملها معرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ما مر بها من الأحداث والوقائع معالصحابة رضوان الله عليهم فيه كثير من الدروس والعبر.
والحديث الذي يجري في هذا الصدد أيضاً ؛لأن الحديث عن القدوات في صفوف الرجال يكثر، فقدوات من أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم ومن الأئمة العلماء وعن سلف هذه الأمة، ونذكر الإمامأحمد والشافعي وأبو حنيفة والإمام مالك وغيرهم من هؤلاء، ويقلّ ذكر قدواتالنساء فلعل ذكر عائشة رضي الله عنها يعتبر مثالاً يحتذى ؛ لما لها منعظيم الفضائل وكثير الخصائص رضي الله عنها وأرضاها.
فعائشة رضي الله عنها كما قال الذهبي: "
بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافه عثمان بن عامر "،القرشية التميمية المكية النبوية أم المؤمنين رضي الله عنها، قد حازتالفضل من كل جوانبه ونالت الشرف من سائر وجهه وهي التي ولدت في ظلالالإسلام كما قالت: "
لم أعقل أبوي الا وهما يدينان الدين "، فقد ولدت في الإسلام وفي بيئة إسلامية.
وحتى ندرك بايجاز أول ما يتعلق بسيرةعائشة رضي الله عنها، نقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهيابنة ست سنين، ودخل بها وهي ابنة تسع سنوات، وتوفي عنها صلى الله عليهوسلم وهي ابنة ثماني عشر سنة، فتأمل هذه السيرة التي أهلّتها بعد ذلك الى أن تكون قدوة من القدوات، وعلماً من أعلام الأمة الإسلامية كلها مع هذهالفترة الوجيزة.
لكنها كانت فترة عظيمة؛لالتصاقها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أهل السير في وصفهاأموراً وأوصافاً كثيرة، كما أفاض ذلك ابن كثير في البداية والنهاية،عندما ترجم لها في سنة وفاتها، قال: " أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكرالصديق ، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أزواجه إليه، المبرأةمن فوق سبع سموات رضي الله عنها وعن أبيها، وأمها هي أم رومان بنت عامر بنعويمر الكنانية، وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله، وإن لم يكنلها ولد ولم تلد مطلقاً، لكنها ربت ابن أختها أسماء - وهو عبد الله بنالزبير رضي الله عنه - فكانت تكنى به رضي الله عنها.
من خصائص عائشة التي ذكرها ابن كثير:وقد أوجز ابن كثير في هذه الترجمة ما سأذكره بإيجاز ثم يأتي تفصيل بعضه، ذكر جملة وافرة من خصائص عائشة رضي الله عنها:1- لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكر سواها.
2- لم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها.
3- لم يكن في أزواجه أحب إليه منها.
4- قد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حرير مرتين أو ثلاثاً يقول له هذه زوجتك، فتزوج منها بأمر الله ووحي الله سبحانه وتعالى.
5- أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6-أنه مات في يومها وفي بيتها، وبين سحرها ونحرها صلى الله عليه وسلم، وجمعإليه بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعات الدنيا له عليه الصلاة والسلاموأول ساعة من ساعات الآخرة ثم دفن في بيتها.
7-أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم نساء الأمة علىالإطلاق بلا نزاع في ذلك بين أهل العلم، وقد قال أهل العلم في وصف علمهاشيئاً كثيراً يأتي ذكره لاحقاً.
عائشة الفاضلةالميزة الأولى: في سرقة من حريرفهذه عائشة رضي الله عنها ربما ذكر فيوصفها على سبيل الإجمال و فضائلها كثيرة مشهورة في الأحاديث الصحيحة عنرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد جاء ونزل في حقها آيات تتلى من كتابالله عز وجل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في الحديث عن هشام بن عروةعن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أريتكِ في المنام ثلاث ليال جاء بكِ الملك في سرقة من حرير - يعني مغطاةبقطعة من حرير – فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه، فاقول: إنيك هذا من عند الله يمضه ) وقد أمضاه الله سبحانه وتعالى.
الميزة الثانية: القرب من الوحيوفي فضيلة قربها من رسول الله صلى اللهعليه وسلم واستيلائها على عظيم محبته، ورد الحديث الصحيح عن عمر بن العاصوهو ممن أسلم في السنة الثامنة للهجرة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلموقال له: أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال ؟قال: أبوها.
فكانت هي حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال الذهبي بعد إيراده هذا الحديثتعليق عليه: " وهذا خبر ثابت صحيح رغم أنوف الروافض، وما كان عليهالسلام يحب الا طيباً، وقد قال: ( لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمةلاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل ) فأحبَّ أفضل رجلٍ منأمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم،فهو حريٌ أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله ".
لأن الرافضة قالت في عائشة رضي الله عنها أقوالاً مرفوضة مرذولة قبيحة، حتى أن بعضهم قد غالى في ذلك قولاً يكفر به صاحبه إن أعتقده ؛ حيث أنهم فسروا قول الله عز وجل: ﴿
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة: 67]، قال بعض الغلاة ممن كانوا على هذه النحلة والملة: "
هي عائشة "، تعالى الله عما يقولون في كتابه علواً كبيراً.
وهذا أيضاً حديث عن هشام بن عروة عنعائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة - منمعرفة الصحابة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أنهم كانوا يهدونإليه في اليوم الذي يكون عندها، حتى يكون ذلك اليوم أكثر سعداً وفرحاًلرسول الله صلى الله عليه وسلم -قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة -وكانت من كبار أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سناً، وسيأتي تفسيرالحزبين الذين كانا في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام بحكم طبيعة المرأةوغيرتها - فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخيركما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أنيهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمه ذلك له، فسكت فلم يرد عليها، فعادتالثانية فلم يرد عليها، فلما كانت الثالثة قال: ( يا أم سلمه لا تؤذيننيفي عائشة ؛ فإن الوحي لم يأتيني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ).
وهذه فضيلة لها عن باقي أزواج النبي صلىالله عليه وسلم، وهذا بيان طبيعة فطرة المرأة مع العصمة بالشرع والبعد عنمخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الميزة الثالثة: أنها ابنة أبي بكركان نساء رسول الله صلى الله عليه وسلمحزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائرأزواجه، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة،فإذا كانت عند أحد هم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله فأخرّها حتى إذاكان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلّم حزبأم سلمة مع أم سلمة ؛ لتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها ذلكالقول، فقالت أم سلمة في هذه الرواية: أتوب إلى الله من أذاك يا رسولالله.
ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلىالله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن نساءكينشدنك العدل في بنت أبي بكر فكلمته، فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟!قالت: بلى ! فرجعت إليهن فأخبرتهن، فقيل لها: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع،فأرسلوا بعد ذلك زينب بنت جحش رضي الله عنهن جميعاً، فأتت رسول الله صلىالله عليه وسلم، فأغلظت له في القول وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل فيابنة أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة - أي ببعض القول - وعائشةقاعدة فسبتها - أي ذكرت لها كلاماً شديداً وقاسياً - حتى إن رسول الله صلىالله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم. قال: فتكلمت عائشة ترد على زينبحتى أسكتتها - أي ذكرت لها من القول ما ألجمها وأسكتها - فقال النبي صلىالله عليه وسلم: ( إنها ابنة أبي بكر ).
فشهد لها هذا الموقف بفضلها على أزواج رسول الله صلى الله علي وسلم.
الميزة الرابعة: أفضل من خديجةوبالجملة فهناك خلاف بين أهل العلم فيالتفضيل بينها وبين خديجة رضي الله عنهن أجمعين، وقد مال الذهبي إلى تفضيلعائشة رضي الله عنها.
الميزة الخامسة: الثريد على سائر الطعامولذلك ورد عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ).
وهذا تفضيل لها على سائر نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لما كان لها من علم وسبق وفضل كما سيأتي ذكره.
الميزة السادسة: زوجة في الجنةوفي مستدرك الحاكم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عائشة قالت:قلت يا رسول الله مَن مِن أزواجك في الجنة ؟ قال أما إنك منهن، قالت: فخيِّل اليّ أن ذاك لأنه لم يتزوج بكراً غيري.
وهذا السؤال في حد ذاته ليس مجرد سؤالعابر، بل هو يدل على فطنة عائشة رضي الله عنها وحرصها على الفضل والخير ؛فإنها كانت ترى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وشأنه معهن في هذه الحياةالدنيا وإنه كان يقسم لهن، فأرادت أن ترى ما يكون في الآخرة وما تستشرفلها نفسها من أن تكون في الجنة وأن تكون رفيقة رسول الله صلى الله عليهوسلم، ومن حسن أدب المصطفى عليه الصلاة والسلام وكمال هديه ولطفه وبره ؛فإنه أخبر عائشة أنها منهن ولم يفردها بذلك ولم يعرض بغيرها من النساء بلبشرها بذلك، وانقضى ما يدل عليه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصفةأزواجه أنهن معه في الجنة بإذن الله عز وجل، ولكن في هذا الحديث بشارةواضحة لعائشة رضي الله عنها على وجه الخصوص.
الميزة السابعة: قرب حتى آخر لحظةومن الفضائل التي كانت لها أيضاً أنه كماورد عنها قالت: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يوميوليلتي، وبين سحري ونحري، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظرإليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننت أنه يريده فأخذته - أي أخذتالسواك - فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيتهمستناً قط، ثم ذهب يرفعه اليّ فسقطت يده صلى الله عليه وسلم، فأخذت أدعواله بدعاء كان يدعوا له به جبريل صلى الله علي وسلم وكان هو يدعوا به إذامرض يدعوا به في مرضه ذاك، فرفع عليه الصلاة والسلام بصره إلى السماءوقال: الرفيق الأعلى، وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه فيآخر يوم من أيام الدنيا ".
ومن فطنة وحكمة وعدالة زوجات النبي صلىالله عليه وسلم، أنهن رأين تعلق المصطفى صلى الله عليه وسلم بعائشة في وقتمرضه، وكان يسأل وهو يمرض عند نسائه عن يوم عائشة، فلما رأين ذلك أجمعنأمرهن على أن يجعلن تمريض النبي صلى الله عليه وسلم في وقت مرضه إلى عائشةفي بيتها في كل الأيام والليالي، وهذا يدل على أهمية الحكمة والعصمةبالشرع في أن تكون أسمى وأرفع من طبيعة الغيرة الموجودة لدى النساء.
عائشة الفقيهة العالمةهذا الجانب يكاد يكون في غاية الضعف عندنسائنا في هذه الأيام ؛ فإننا إذا تحدثنا عن طلب العلم والحرص على دروسالعلم ونحو ذلك فكان الغالب في أذهاننا أن ذلك الحديث مخصوص بالشباب ومنالشابات وبالرجال دون النساء، وكذلك نجد أنه البيئة التي نعيش فيها تظهرفيها نماذج من طلبة العلم والحريصين عليه حفظاً لكتاب الله عز وجل، وحفظالسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واطلاعاً على أقوال أهل العلم وكتبالفقهاء، وغير ذلك نجد ذلك في صفوف الرجال والشباب أكثر منه في صفوفالنساء، حتى توهم الناس أنه لا يكون للمرأة قدرة على أن يكون حظها منالعلم مثل حظ غيرها من الرجال، بل قد سرى الى بعض الرجال أن المرأة زوجةكانت لهم أو بنتاً أو أختاً أنها دون أن تكون لها صلة بالعلم والإستنباطوالفهم والفقه مع أن هذا غير صحيح ونشأ عن هذا فقر مهم وفي نفس الوقت خطير؛ لأن النساء لهن حاجات ومسائل قد يمنعهن الحياء أن يسألن عنها الرجالوخاصة في أمور المعاشرة مع الأزواج وفي أمور الطهارة الخاصة بالنساء.
فلما قل الفقه في النساء أصبح وقوع الخللمنهن لعدم سؤالهن للرجال حياء أو تحرجا أو نحو ذلك أصبح هذا ظاهراً بشكلكبير، وهذا أيضاً مدخل خطير ؛ لأن عدم تهيئ المرأة وإستعدادها وميلهاوعلمها بإمكانية طلبها للعلم ونبوغها فيه واجرها في ذلك ونفعها لبناتجنسها، جعلها أكثر مناسبة أو تهيئه لأن يصطادها أعداء الله عز وجل وأنيشغلوها بأفكار ومطالعات وقرارات بعيدة عما ينفعها في دينها ودنياها وفيآخرتها بإذن الله عز وجل.
وكذلك في الحقيقة أرى أن جانب العلم سيما في الأمور التي تخص المرأة من المهم جداً أن تندب لها النساء الصالحات القانتات العابدات،وأن يحث الرجل من له عليه ولاية من النساء على أن تأخذ حظها من العلموافراً لتنفع نفسها وتنفع بنات جنسها، وأن حديث الرجال الى النساء قاصرفي تأثيره وفي لمسه لحاجتهن ومعرفته بأحوالهن، ولذا يكون لسان المرأة الى المرأة أبلغ وتعليم المرأة للمرأة أقوى ؛ ولأن قدرتها أو لأن الحوائلالشرعية من الحجاب وغير ذلك تمنع أن يكون التواصل العلمي والتربوي كاملا ؛فإنه لا يغني ذلك من جانب الرجال الغناء الكامل، بل لا بد أن يكون في صفوفالنساء المسلمات عالمات ومربيات وداعيات ؛ لأن علمهن بأحوال النساء وقربهنمنهن وقدرتهن على معاشرتهن ومواجهتهن ومكاشفتهن ومصارحتهن تؤدي دوراًأكبر ولذلك أسوق هذه القدوة في العلم للنساء وللرجال كذلك، فان عائشة رضيالله عنها قد كان الرجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشكلعليهم الأمر وأعجزتهم المسألة رجعوا إلى عائشة رضي الله عنها فأخبرتهم حكموخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فلذلك قال الذهبي رحمة الله عليه :" أفقه نساء الأمة على الإطلاق ".
وذكر أن مسند عائشة من الأحاديث يبلغألفين ومئتين وعشرة أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأربعةوسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستينحديثاً، ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية لحديث رسول الله من عائشة،لم يكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالعدد الكثير من النساء عبثاً،وإنما كان ليطلعن على ما لا يطلع عليه المرأة من زوجها في شأن الأمورالدقيقة، فينقلن هذا العلم والأحكام الشرعية المتعلقة بأخص خصائص ما بينالرجل وزوجته لنساء الأمة ورجالها على حد سواء.
ولذلك قال الذهبي: "
لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً إمرأة أعلم منها ".
وقال الزهري: "
لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل ".
وقال عطاء بن أبي رباح: "
كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة ".
وتأمل هذه الجملة الأخيرة، بل تأمل هذاالنص كله، كانت أفقه الناس وأعلم الناس بالفقه غير العلم فالعلم حفظوالفقه استنباط فقد جمعت بين الأمرين معاً، وأحسن الناس رأياً في العامةأي أنها تعرف أمور الناس ومجريات الحياة ما ينبغي أن يكون من التوجيه وكيفتكون هذه الأساليب، وقد ورد في مسند الإمام أحمد في سند صحيح: أن عائشةرضي الله عنها استدعت قاص أهل مكة الذي كان يقص لهم القصص، ويعظهمبالمواعظ، وقالت له: لَتعاهدنيّ أو لأقاطعنك - أو معنى كلامها - فقال:علام يا أم المؤمنين أو يا زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قالت: أنلا تمل الناس وأن لا تنقطهم، وإذا حدثهم فحدثهم يعني يوماً ويوماً.
أي لا تملهم بالحديث فقالت له: لاتملهمبطول حديثك وتكراره، ولا تقنطهم بتأييسهم من رحمة الله عز وجل، وإكثارالخوف عليهم دون أن تفتح لهم باب الرجاء، وهذا يدلنا على تلك العبارة أنهاكان أحسن الناس رأياً في العامة، وقال عروة: "
ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة رضي الله عنها ".
وهذه الرواية عن عروة تُروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على ذكاء وافر وفطنة عجيبة يقول عروة وهو ابن أختها : "
صحبتعائشة رضي الله عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآيه أنزلت، ولا بفريضةولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ولابكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا بطب منها ".
فانظر فقد كانت تعرف الأنساب، ولاغرو في ذلك فهي ابنة نسابة قريش أبي بكر رضي الله عنها، وكونها تعلم علمالقرآن والسنة والفقه لاغرو في ذلك لذلك هو يقول: قلت لها:
يا خالة الطب من أين عُلّمته ؟ -
عرفنا أنك علمت الفقه والأحكام من الرسول صلى الله عليه وسلم والنسب من أبي بكر والشعر من حفظ لكن الطب من أين لك هذا الطب ؟- فقالت: "
كنت أمرض فيُنعت لي الشيء، ويمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فاحفظه ".
فكانت - رضي الله عنها - طبيبة قلوب،وطبيبة أبدان، فهذا يدل على الفطنة، ويدل على أن عائشة لم تكن هتماماتهاإهتمامات سطحية كحال نساءنا اليوم ؛ فإن بعض النساء عندها فطنة، وعندهاذكاء، وعندها سرعة حافظه، لكنها موجهة توجيهاً غير سليم ؛ فان عندها فطنةبأن تمزج الموديلات في الملابس فتخلط بين هذا وهذا، وتحفظ هذا وذاك،والأول والثاني، وتعرف أن هذا طراز قديم وهذا طراز حديث ! بينما عائشة رضيالله عنها كانت لها أذن واعية، وقلب مستقبل لكل ما فيه منفعة في هذهالدنيا والدين على وجه الخصوص، لذلك قال عروة: "
فلقد ذهب عامة علمها لم أسأل عنه ".
عروة هو ابن أختها - والذي كان ملازماً لها - والذي روى كثيراً من علمها، يقول: لكثرةعلمها وتشعبه أنها ماتت وتوفيت وذهب عامة علمها ولم يستطع أن يسألها عنهلكثرته ومضى الزمان وانتهى عمرها قبل أن يأخذ علمها الغزير، وكانت تحفظالشعر وترويه كأحسن ما يروي الناس الشعر، ولا تنسوا أن هذا كله والنبي صلىالله عليه وسلم توفي عنها وهي ابنة الثامنة عشر عاماً.
ضبطها هذا العمر الذي اليوم ربما ابنةالثامنة عشرة لا همّ لها إلا أن تحسن وجهها، وتنعّم صوتها، وتميل وجهها،وتتكسر في مشيتها، لا تعرف إهتماماً عن أمور الدنيا ولا من أمور الدين،ولا تفكر في آخرة، ولا تحوز علماً، ولا تتأهل الى تربية، ولا تتصدى لفتياولا شيئاً من ذلك مطلقاً.
وهذا يدلنا على البون الشاسع بينما كانت عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين، وبين ما آل إليهالحال - إلا من رحم الله - في عصرنا هذا، ولذلك ينبغي للمرأة أن تفطن إلىما يتعلق بتحصيل العلم، فقد كانت عائشة رضي الله عنها على هذا النحوالواسع من العلم، ولذلك قال الشعبي: "
أن عائشة رضي الله عنها قالت رويت للبيد نحواً من ألف بيت ".
وكان الشعبي يذكرها - يعني عائشة -فيتعجب من فقهها وعلمها ويقول: " فما ظنكم بأدب النبوة إذا كان هذا العلمالذي تحفظه ! "، أي فما ظنكم بالتربيه العملية التي تلقتها من رسول اللهصلى الله عليه وسلم، ومن هنا لجأ إليها الصحابة رضوان الله عليهم ونهلوامن علمها، وأخذوا من فقهها كثيراً، كما قال ابن سعد في الطبقات: "
كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وكما قال أيضاً: "
ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون في شيء الا سألوا عنه عائشة فيجدون عندها من ذلك علماً ".
بل قد صنف الزركشي كتاباً كاملاً سماه
] الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة] أي فيما استدركت عليهم من الأخطاء التي وقعوا فيها أو الأقوال التيخالفتهم فيها بحجة ودليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما وردفي الصحيح: لما قال عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه )، فقالت عائشة رضي الله عنها: رحم اللهابن الخطاب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما قال: ( إنالكافر ليعذب بكاء أهله عليه )، وكانت تستدرك وتقول: حسبكم كتاب الله ﴿
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].
فكان عندها فقه عجيب، وبصر نافذ، وإحاطةشاملة بكثير مما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كما قال أبوسلمة بن عبد الرحمن: "ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليهوسلم، ولا أفقه في رأي إذا احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية نزلت ولا فريضةمن عائشة رضي الله عنها ".
والمسائل في هذا الباب كثيرة،فلذلك ينبغي للمرأة المسلمة أن تعرف أنها على قدم سواء مع الرجل فيالتكليف، وفي الفضائل المتعلقة بتحصيل الثواب من كثرة العبادات ومن تحصيلالعلم وطلبه ؛ فإن في ذلك خيراً عظيماً لها ولمن وراءها من النساء، وأؤكدعلى هذه النقطة كثيراً للرجال والنساء ؛ لأننا في الحقيقة مقصرون في تمكينالمرأة من أن تحوز العلم ومن أن تحصل ما يحتاج إليه وتنتفع به ؛ وكما أشرتفإن الأب قد يحرص على ابنه أن يدفعه الى من يحفظه القرآن ويعلمه بينما لايلتفت إلى ابنته، مع أن الأمر لو قيل بالمفاضلة لكانت البنت أولى لأنهاأكثر تعرضاً للفتنة وبحكم عاطفتها أكثر تعرضاً للإغواء والإغراء بينما ليسكذلك الفتى. وإن كان المسلم مطالب بأن يعتني بتربية أبناءه ذكوراً وإناثاًوتعليمهم على نفس المستوى قدر المستطاع.
عائشة رضي الله عنها الزوجة والابنةوانتقل إلى جانب مهمّ يهمّ الرجالوالنساء معاً، ذلكم هو جانب المعاملة الزوجية التي كانت بين رسول الله صلىالله عليه وسلم - أفضل الخلق أجمعين - وبين عائشة رضي الله عنها، وهي مَنعلمنا فضلها وخصائصها، جملة من الروايات والقصص في معاملة رسول الله صلىالله عليه وسلم لعائشة تكشف لنا عما ينبغي أن يكون عليه الرجل مع زوجته،وما ينبغي أن تكون الزوجة عليه مع زوجها.
الموقف الأول: حسن التوددفقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مظهراًلكل جوانب الرقة والحنان والمحبة والتودد لعائشة، ويشهد لذلك ما ورد فيالصحيح عن عائشة تقول: " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم علىباب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإنه ليسترني بردائه ؛ لكيأنظر الى لعبهم، يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدرالجاريه الحديثة السن الحريصة على اللهو ".
فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم - وهومَن هو في عظمته - يتودد إلى عائشة، ويمكّنها من أن ترى بعض ما يدخلالسرور لنفسها ويقف لأجلها، حتى يكون رداء وساتراً لها، ولا يتحرك حتىتنتهي من فرجتها ومطالعتها، ومن متعتها وسرورها تلطفاً منه عليه الصلاةوالسلام، ومراعاة لها ولسنها، فما بال الرجال يأنفون عن أقل من هذا بكثير! بل يستكثرون به على أزواجهم، ويظنون أن في ذلك إذهاباً لهيبتهم، وأنه لابد أن يكون الواحد منهم متجهم الوجه، مقطب الجبين، ينظر بعينه شزرا، وتتقدعينه جمراً وإن لم يكن كذلك فلا يكون رجلاً.
هذا لا شك أنه من فرط الجهل في أصولالمعاشرة ؛ فإن الإنسان قد يتوقى ويتحرز من الناس البعيدين أو الأغراب أمامن تكثر الخلطه معهم فلا بد أن تكون معه على لين وتودد وتلطف وعلى ترسل فيالمعاملة من غير تكلف وعلى إبداء ما عندك دون حرج ؛ لأنك ستلقاه كل يومفلو تحفظت وتحرجت وتهيبت ؛ فإنك لا تستطيع أن تستمر على ذلك، قد ترىالإنسان الآن عندما تتعرف عليه أول أمره لا يتكلم معك في خاص أموره، ولافيما يتعلق ببعض ما يحترز منه من الدعابة والمزاح وكذا، لكن إذا كثرتخلطته وعثرته بدا لك منه كل شيء، فكيف يكون الرجل مع زوجته وهي أقرب الناسإليه وأكثرهم عشرة له، ثم لا يتلطف ولا يتودد ولا يكون في سيرته معها علىما هو طبعه وسجيته دون أن يكون متكلفاً ولا متجهماً.
الموقف الثاني: حسن الهجروكذلك من لطائف هذه المعاملة الزوجية ماورد في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إنيلأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى !
أي أعرف الوقت الذي تكونين فيه غاضبة أوعاتبة علي، فأولاً ليس هناك من غضاضة ولا جرم ولا كبيرة من الكبائر أنتغضب المرأة على زوجها، لما قد يقع من أسباب الإختلاف المعتادة في حياةالناس ولكن انظروا إلى أدب عائشة وإلى فطنة رسول الله صلى الله عليهوسلم.
فقالت له: كيف ذلك يا رسول الله ؟ أي كيفتعرف رضاي من غضبي، فقال: ( إذا كنت راضية عني قلت: لا ورب محمد، وإذا كنتغضبى قلت: لا ورب إبراهيم )، فقالت عائشة رضي الله عنها: أجل والله ماأهجر يا رسول الله إلا اسمك.
فهنا يدل على أنه قد يقع ما يوجب الخلافوالنزاع، ولكن لا بد أن يكون له حده فلا تتجرأ المرأة على زوجها وتشتمهولا تنتقصه ولا تذكره بما يسؤوه، ولا تنعته بما لا يحب ولا تصفه بما يكره،ولا تنبزه بما هو عيب وإن كان فيه، لئلا توغل صدره وتجعل كما نقول: " منالحبة قبة " ولئلا تنفخ في نار هذه الشحناء البسيطة والمخالفة اليسيرة،فإذا بها تغدوا مشكلة كبيرة وصراعاً عنيفاً لا يحل بسهولة.
ثم انظر إلى أدب عائشة رضي الله عنها وحسن تقديرها وتعظيمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع إشعارها بمرادها، أليس المراد أن تشعره بأنها غضبى حتى يتلطف معها ؛ فإنها تشعره بأقل القليل الذي يغني عن غيره، فكانت تقول إذا كانت غضبى: "
لا ورب إبراهيم " وإذا كانت راضية تقول: "
لا ورب محمد"، وما أخطات في القولين كليهما، وإنما أحسنت في الأدب، وانظروا الى رسولالله صلى الله عليه وسلم، ما قال لها: إني أعرف أنك غاضبة ؛ ليقابل غضبهابغضب، وإنما ليستل هذا الغضب ويدخل هذا المدخل اللطيف الودود المحب، ويقوللها مداعباً وملاطفاً: أني أعرف هذه الحالة وهذه الحالة وبيّن لها أنه قدبلغته رسالتها، وعرف مقصدها، وأراد أن يمحو ما كان من سبب هذا الغضب.
الموقف الثالث: قبول الإسترضاءومن ذلك أيضاً ما ورد في حديث النعمان بن بشير قال:" استأذن أبو بكر على النبي صلى اللهعليه وسلم، فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا ابنة فلانة - وهذهأساليب للعرف عجيبة في تعاملهم هي ابنته لكن في هذا الفعل لم يكن راضياًعنها فلم يرد أن ينسبها إليه وهي تفعل فعلاً لا يحبه، فقال: يا ابنة فلانهنسبها الى أمها - ثم قال: ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، فقد أراد أبو بكر أن يتوجهلعائشة ليضربها ويعنفها ".
وقد استنبط بعض أهل العلم أنه يجوز لأبي البنت أن يربيها وأن يزجرها بحضرة زوجها، لكن انظر "
فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها "، مع إن النبي صلى الله عليه وسلم، هو - إذا صح التعبير - المعتدى عليه، وهي التي رفعت عليه صوتها، ومع ذلك حال بينها وبينه.
" ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه فجعلالنبي صلى الله عليه وسلم يترضاها – أي يترضى عائشة ويتلطف معها - ويقول:ألم تريني حلت بين الرجل وبينك - يستشفع بالموقف الدفاعي الذي وقفه صلىالله عليه وسلم - ثم إستأذن أبوبكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما - النبي صلىالله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ـ قد أزال النبي صلى الله عليه وسلمبحسن معاملته هذا الأمر الذي كان سبب هذا الغضب ـ فقال أبو بكر: أشركانيفي سلمكما كما أشركتماني في حربكما.
ما أجمل هذا الموقف! وما أرق رسول اللهصلى الله عليه وسلم ! وما أحسن تأتي عائشة صلى الله عليه وسلم ولينهاوانكسارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! ومعلوم أن الحياة الزوجية لاتخلو من المكدرات، ولكن هذه المعاملة هي التي تزيل أسباب الكدر، وإذا كانتهناك مكدرات ؛ فإن هناك مهدئات ومسكنات من هذه المعاملة اللطيفه، فقد رفعتالمرأة صوتها على زوجها - ولم يكن زوجها أي أحد بل كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم - فقبل منها مراعاة لطبيعتها وغضاًَ للطرف عما سبب لها ذلكالغضب، ثم بعد ذلك حال بينها وبين أبيها، ثم جعل يترضّاها ويستشفع لها بماكان منه من موقف تجاهها ثم تضاحك الزوجان مرة أخرى وعاد الوئام في لحظات.
وإلا فإنه من الممكن أن يطول الأمر والخلاف ؛ فإن الكلمة تجر أختها وأحيانا الحركة تجد غيرها وتزداد الشقة والخلاف والنزاع .
الموقف الرابع: سابقني فسابقتهومن لطيف أيضاً حسن معاملة النبي صلىالله عليه وسلم، والحديث هنا لعله يكون أكثر توجيهاً للأزواج والرجال أكثر منه للنساء كل هذه المواقف تربيه في سيرة عائشة والنبي صلى الله عليهوسلم لكل الجنسين، ففي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهاقالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ما شاء - يعني أكثر من مرة- حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: ( يا عائشة هذه بتلك ).
موقف جميل جداً لعل الواحد منا يستكثر ماهو أقل منه ! ويرى أن ذلك خرماً لمرؤته، وجرحاً في عدالته، وإنزالاً منمنزلته، فإذا ظن ذلك فليستغفر ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلذلك، ولنا فيه قدوة وأسوة حسنة ؛ فإنه كان يتطلف بهذا.
وهذا يدلنا أيضاً على عظمة رسول الله صلىالله عليه وسلم من وجه آخر ؛ فإنه كان يجيّش الجيوش، ويدرّس الدروس،ويربي الأجيال، ولم يشغله كل ذلك وغيره عن أن يكون مؤدياً الحق لأهله،ومراعياً لزوجته حتى في تفرقه لمسابقتها ومداعبتها وملاعبتها وغير ذلك منالأمور التي ينشغل عنها الناس اليوم، ولا يفطنون لها، ولا يتوددن بها إلىأزواجهم، فتبقى الحياة كاحتكاك الحديد بالحديد ليس هناك بينهم التآلف الذيهو من حسن التودد والتلطف، والذي يزيل هذا الإحتكاك، ويجعل المسائل علىأحسن وجه ؛ مما يجعل الحياة الزوجية هانئة سعيدة.
الموقف الخامس: يضع فاه على موضع فمهاومن لطفه صلى الله عليه وسلم وعظيم محبتهلعائشة رضي الله عنها، وهذا حبٌّ فريد منه فهنا يعلمنا ان الحب في ظلالشرع أمر لا حرج فيه ؛ فإنه قد قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعطيني العظم فأتعرقه - أي تأكل عروق العظم ما بقيمن اللحم - ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي ).
تحبباً وتلطفاً معها وإشعاراً لمنزلتها عنه.
الموقف السادس: يا رب سلط عليّ حيةهنا أيضاً حادثة لطيفة فيما يتعلق فيمابين الزوجات مع أزواجهن.. الرواية عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها، أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعةلعائشة وحفصة معاً وكان إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة:ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر – أي نتبادل تجربين هذاالبعير وأنا أجرب – فقالت: بلى فركبت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلىجمل عائشة و عليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة، فلمانزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول: يا رب، سلّط عليّ عقرباً أو حيةتلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئاً ! ".
يعني تبدي ما كان من ندمها في هذا الشأن،فهذه مواقف يسيرة من معامله الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي اللهعنها، وحسن أدب عائشة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يدلنا علىما ينبغي أن يكون بين الرجل وزوجته، ومن ما يتعلق ببعض الإستنباطاتالفقهية من عائشة رضي الله عنها ودقة علمها وهذا نوع من المواجه ؛ حتىننتقل من مرحله الى أخرى لأن هناك مواقف أخرى سيأتي ذكرها لاحقا.
الموقف السابع: يا بنية إنك لمباركةفي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي اللهعنها قالت: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بتربانبلد بينها وبين المدينة بريد وأميال وهو بلد لا ماء به، وذلك من السحرانسلت قلادة من عنقي فوقعت، فحبس على رسول الله صلى الله عليه وسلميلتمسها حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء فلقيت من أبي مالله به عليم منالتعنيف والتأفيف - سقط عقدها فانتظر الرسول يبحث عنه حتى طلع الفجر ولميتحرك القوم وليس عندهم ماء - ، فأنزل الله الرخصة في التيمم، فتيمم القوموصلّوا، قالت: يقول أبي حين جاء من الله الرخصه للمسمين: والله ما علمت يابنيه إنك المباركة ! لما جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركةواليسر.
فهذا مما كان في نزول حكم التيمم ولم يكن فرض قبل ذلك، وهذا كان ببركة وبسبب ما حدث لعائشة رضي الله عنها.
الموقف الثامن: يُقبّل وهو صائمومن ذلك أيضاً فيما يتعلق بالأحكامالفقهية المنقوله والملتصقه بسيرة عائشة، عن أبي قيس مولى عمر قال: بعثنيعبد الله بن عمر إلى أم سلمة وقال:
سلها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم؟فإن قالت لا ! فقل: إن عائشة تخبر الناس أنه كان يُقبّل وهو صائـم ! فقالتله أم سلمة لا ! فقال لها ذلك، فقالت له: لعله أنه لم يكن يتمالك عنهاحباً أما إياي فلا !
لأنها كانت رضي الله عنها كبيرة في السن، وهذا حكم أيضاً فقهي فيما يتعلق بهذا.
الموقف التاسع: تنزعي مقلتيكومن ذلك أيضاً ما روته بكرة بنت عقبة: أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة - أي لباس مزين أو فيه صفرة -
فسألتها عن الحناء ؟ فقالت: شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاء فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتضعيها له أحسن مما هما فافعلي.
وهذا من أعظم فقه عائشة بالنسبة للنساءتقول إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك أي عينيك فتصنعينها أحسن مماهما عليه فافعلي، وذلك لكي تكون أقرب وأحب الى زوجها.
حادثة الإفكهذاموقف في الحقيقة جديرٌ بأن يكون درساً مستقلاً، ولكني أدرجه في هذا الدرس؛ لأن الحديث عن عائشة يستلزم ذكره وهو ما يتعلق بحادثة الإفك وهي حادثهطويلة، ذكرها الله تعالى في كتابه وبرأ فيها عائشة هذه الحادثة نوجزها:أن عائشة كانت مع النبي صلى الله عليهوسلم وأصحابه في بعض غزواته فلما أرادوا أن ينصرفوا كانت ذهبت لقضاءحاجتها، فجاء القوم ليحملوا هودجها على البعير، وحملوه ولم يشعروا بأنهاليست فيها ؛ لأنها كانت خفيفة الوزن في ذلك الوقت، ومضوا فلما رجعت إلىمكانها وإذا القوم قد غادروا فظلت في مكانها لم تتحرك ؛ لأنهم سيشعرون بهاويرجعون ليأخذوها، وإذا بصفوان بن معطل كان في آخر الجيش، وبعد مضي الجيشبقليل مرّ، فإذا به يرى سواداً فاقترب فإذا هو يرى عائشة رضي الله عنها،قالت: وكان قد رآني قبل أن ينزل الحجاب فاسترجع - أي قال إنا لله وإناإليه راجعون - قالت فاستيقظت على إسترجاعه فأناخ جمله،قالت: والله ماكلمني حتى بلغنا القوم، فلما بلغت عائشة رضي الله عنها القوم تكلمالمنافقون ورأسهم عبد الله بن أبي بن سلول.
وخاضوا في وصم عائشة رضي الله عنهابالفاحشة مع صفوان بن معطل وكانت عائشة رضي الله عنها سليمة القلب سليمةالنية، لم تسمع بذلك ولم تشعر به، ثم لما قدمت المدينة وقدم القومالمدينة خاض الناس في ذلك وأشاعوا الكلام، حتى إن النبي صلى الله عليهوسلم أثر فيه هذا القول وقال: من يعذرني في رجل يتكلم في أهلي ؟!
وكان هناك خلاف بين الأوس والخزرج في هذا الشأن ؛ لأنعبد الله بن أُبي كان من أحد الفريقين، وكانت مسألة ومحنة عظيمة، ثم إنعائشة رضي الله عنها لم تكن قد شعرت بشيء حتى كانت في يوم من الأيام خرجتلتقضي حاجتها مع أم مسطح بن أثاثه - وكان أحد المهاجرين الذين خاضوا فيهذا القول وقالوا بهذه الفرية - فلما رجعت عائشة رضي الله عنها وأم مسطحعثرت أم مسطح في حجرة، فلما عثرت قالت: تعس مسطح، فقالت عائشة رضي اللهعنها - بسلامة فطرتها وحسن إسلامها -: بئس ما قلت في رجل من المهاجرين ممنشهد بدراً، تدافع عن مسطح، فقالت لها: إنك لا تعلمين ما قال فيك وعلمتبالخبر بعد ذلك.
ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يقوللها: إن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي فسكتت عائشة رضي الله عنهاولم ترد على رسول الله استعظاما لما قال لها، وظلت - كما تقول عائشة رضيالله عنها في وصف هذا - شهراً كاملا لا يرقأ لها دمع، تبكي وهي حزينة علىهذا الأمر حتى أنزل الله سبحانه وتعالى براءتها من فوق سبع سموات، واستأمرالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك واستشار بعض أصحابه فأما بريرة فاثنتوقالت خيراً، وأما أسامه فقال كذلك، وأما علي رضي الله عنه فقال: سلالجارية فإن تسألها تصدقك الخبر، وكانت أزمة شديدة تتعلق بعرض رسول الله،ومن حكمة الله عز وجل أنه لم ينزل الوحي في ذلك سريعاً بل أبطأ شهراًكاملاً حتى أظهر الله المنافقين وبين مواقف المؤمنين.
وكان درساً عظيماً ذكره الله في سورةالنور فيما يتعلق بوجوب التثبت في الأخبار، وفي حسن الظن بالمسلمين، وفيمقارنة المسلم نفسه بأخيه هل يتوقع ذلك من نفسه ؟ هل يرضى ذلك لنفسه ؟ فإنكان الجواب بالنفي ؛ فإنه ينفي ذلك عن أخيه المسلم أيضاً.
وفي ذلك أيضاً تعظيم لحرمة المسلم وعدمالإجراء عليه في عرضه أو في ماله أو في نفسه، وكان هذا الدرس العظيممدرسة كاملة متعددة الجوانب، حتى الإمام ابن حجر رحمة الله عليه لما ذكرهذا الحديث ذكر فيه من الفوائد أكثر من ثلاثين فائدة كل فائدة من هذهالفوائد تحتاج إلى درس طويل.
شاهد هذا الأمر هو أن عائشة رضي اللهعنها قد كانت قوية الشخصية ؛ فإن بعض النساء من رقتهن وعاطفتهن الغالبةإذا ووجهت بأمر لم تفعله، ثم كثر الكلام ربما غلب على ظنها أن تعترف بهذاالذي لم تفعله وتستغفر منه وتتبرأ منه بعد ذلك ؛ لأنها لن تستطيع أن تواجهالضغوط من أقوال الناس والشائعات وغير ذلك، ولكن عائشة رضي الله عنهالعلمها بطهارتها وبراءتها وقفت هذه الوقفة القوية بل إنها كانت لها وقفةمع رسول الله بل لما نزلت براءتها قال لها أبو بكر رضي الله عنه: قوميإلى رسول الله أي لتستسمحي وتنهي الأمر، فقالت: والله لا أقوم إليه أبداًفإن الله هو الذي أنزل براءتي، ثبات على الموقف وبيان لما كانت عليه منمعرفة نفسها وطهارتها وفي ذات الوقت كان درساً للمسلمين عظيماً جداً يقعالناس فيه كثيراً كما قال الله عز وجل: ﴿
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [النور: 15]
وهذا التلقي بالألسنة التلقي يكون بالأذن ولكن قال بعض المفسرين: "
إنهؤلاء الذين لا يتثبتون وصف الله تلقيهم بالألسنة ؛ لأنهم من الآذانمباشرة يجرونه على الألسنة لا يمرونه على أقوالهم، ولا يمرونه على الواقع،ولا يتأتون فيه، ولا يستثبتون منه و لا شيئاًَ من ذلك بل ينشرونه مباشرة ".
ولذلك بيّن الله عز وجل أن هذا من أعظمالفرية ومن أعظم البهتان الذي ينبغي أن يتوقى عنه المسلم، سيما إذا كانيتعرض بعرض أخيه المسلم الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شدة وعظمةحرمته بأنه أعظم من حرمة الكعبة نفسها.
وإن حرمه المسلم عند الله عز وجل لهاأبلغ وأعلى المراتب، ولذلك كان في وصف هذه الحادثة على لسان عائشة رضيالله عنها ما يصور الحالة النفسية التي مرت بها وقوة شخصيتها حتى تجاوزتهاوطهارتها عما وصفت به رضي الله عنها وأرضاها.
وكما قلت عن الحديث عن حادثة إلافك فيه طول لا يتسع له هذا المقام، ولكنأذكر بعض ما كان من وصف عائشة رضي الله عنها في هذا الحادث لماقال لهاالنبي صلى الله عليه وسلم: أما بعد ؛ فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ؛ فإنكنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ؛فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، قالت:فلما قضى مقالتهقلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال ! واللهما أدري ما أقول لرسول الله قالت: وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيراًمن القرآن: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في رؤوسكممن كثره ما قيل وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بـريـئـة والله يعلم أنيبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أن بريئةلتصدقوني.
نعم كان هذا هو الحال لو اعترفت لكان ذلكأقرب إلى تصديق جميع الناس، ولو أعلنت براءتها لكان أبعد عن التصديق ؛لأنه قد كثر القول وانتشر وشاع، وهذه سمة الشائعة سمة الشائعات إنها تشيعوتنتشر وتكثر حتى يسمعها الإنسان من أكثر من مصدر، فإذا سئل عنها جزم بهاقيل له: أمتحقق قال: نعم متحقق، فإذا سألته عن النسبة للخبر ولمن ينسبومصدره أو أنه قام بالبحث والتأكد من الخبر وجدته صفر اليدين، إذا سألتهممن سمعت الخبر قال: سمعت كذا وكذا أهو الذي سمع ورأى بنفسه كلا هل سمعممن وقعت له الحادثة كلا ! فيبقى الأمر في آخر الأمر كما يقولون كما علىوكالة يقولون: ﴿
أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ ﴾ [الصافات: 151- 152].
هذه كلمة يقولون وتناقل الأخبار من غيرتثبت من أفتك الأسباب بالمجتمعات وإشاعة الشحناء والبغضاء والإختلافاتوالنزاعات بين الناس، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها بعد أن عجز أبوبكروعجزت أمها عن أن ترد على رسول الله قالت هذه المقالة قالت: والله لاأجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف - نسيت إسم يعقوب من شدة حزنها وماوقع لها من البلاء -: { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون }.
ثم تقول عائشة: تحولت فاضجعت إلى فراشي ما تكلمت في هذا القول.
وهنا يدل على قوة شخصيتها رضي الله عنهاوأرضاها، وكان ممن حُد في ذلك حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثةأما غير أولئك فكانوا من المنافقين، وقد كفر أولئك عن ذنبهم بالحد الذيأخذوه ثم بالتوبة الصادقة وقال حسان في مدح عائشة رضي الله عنها:
رأيتك وليغفر الله لك حرة من المحصنات غير ذات غوائل
حصان رزان ما تزال بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر بل قيل إمرؤ متماحل
و كيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل
وإن لهم عزاً يرى الناس دونه قصاراً وطال العز التطاول
عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها وطهَّرها من كل سوء وباطل
|
فهذه الحادثة كانت من أعظم الحوادث في سيرة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
من صفات عائشةالزاهدة المنفقة في سبيل الله عز وجل
وهذا أمر مهم بينما عائشة رضي الله عنهاتضرب المثل في ذلك في أبلغ صورة حتى أنه يهدى إليها الشيء وتهدى إليهاالأموال الكثيرة الوفيرة ثم تنفق منها كما ورد: أنها جاءها مال فأنفقتمنه، ثم لما جاء المغرب قالت لمولاتها: ائتي لنا بطعام الفطور - تفطر منصومها – قالت: لو أبقيت لنا شيئاً حتى نشتري طعاماً، قالت: لولا ذكرتني قدنسيت.
لما كان منها من أمر الإنفاق وحب الإنفاقفي سبيل الله عز وجل، ولذلك كانت رضي الله عنها على هذا النحو من