لا يخلو مطبخ البيت المغربي من الطاجين المصنوع من الفخار، مهما كان مجهزا بأحدث الأواني وآلات الطبخ الكهربائية العصرية. فالطاجين عنصر اساسي في الطبخ المغربي التقليدي، ولا بديل له، لانه يمنح الاكل نكهة مميزة تختلف كليا عن مذاق الاكل المعد في طناجر "الاينوكس" او طنجرة الضغط.
ويطلق المغاربة اسم الطاجين على جميع الوصفات والاطباق التقليدية المعروفة في الطبخ المغربي، وهي لكثرتها تغني السيدات المغربيات عن الاستعانة بالكتب او البرامج المخصصة للطبخ، خصوصا خلال شهر رمضان، حيث يرفع شعار "لا تنازل عن الطاجين" لمدة شهر كامل، وأي خروج عن هذه القاعدة مثل طهي اكلات مستوردة او خفيفة يعد "اجتهادا" ليس في محله، وغير مرغوب فيه. ويعد طاجين السمك المفضل عند المغاربة خلال رمضان، وتتفنن ربات البيوت بطهيه بانواع مختلفة من السمك، باعتباره يمنح اختيارات عديدة مثل طهيه بالبطاطس والفلفل الاخضر والطماطم، او بالبصل والزبيب وهي طريقة تلائم اكثر سمك الفرخ او "سيغاغ"، كما يسميه اهل الجنوب، او محشواً بالارز مع الطماطم والبازلاء، او طاجين السردين بالطماطم والفلفل الحار، الذي يفضله الكثيرون كوجبة اساسية على مائدة الافطار.
وللاشارة يختلف الطاجين المخصص لطهي السمك عن نظيره المخصص لطهي اللحم، فالاول يتخد شكلا بيضاويا في الغالب يتلاءم مع حجم وشكل الاسماك ويسميه سكان شمال المغرب "التاكرة"، اما طاجين اللحم فيتخذ شكلا دائريا بغطاء اما دائري او مخروطي.
اما اشهر انواع الطاجين باللحم فهي كثيرة: من بينها طاجين اللحم بالبرقوق المعسل او المشمش، واللوز المسلوق والمحمر، وطاجين اللحم بالخرشوف والبازلاء، او بالجزر والزيتون والليمون (الحامض) المرقد.
اما بالنسبة لطاجين الدجاج فلا يوجد اشهى من المعد على الطريقة الفاسية نسبة الى فاس، أي طاجين الدجاج المحمر بالزيتون والليمون المرقد. ويتيح الطاجين سواء كان بلحم البقر او الغنم او الدجاج امكانية اضافة أي نوع من الخضر الموسمية الموجود في السوق، مثل السفرجل، والفاصوليا، والملوخية، والكوسة، وهي خاصية تميز الطاجين المغربي عن غيره.
ومن بين الاطباق اللذيذة التي تعد بكثرة في رمضان طاجين "كويرات الكفتة بالطماطم والبيض".
وتكمن سر لذة الطاجين المغربي في التوابل والبهارات المستخدمة، واهمها الابزار والزنجبيل والقرفة، والزعفران الحر، والسمن البلدي، كما ان البصل والثوم والبقدونس تعتبر عناصر اساسية لإعداد الطاجين، وهي ميزة مطبخ الدول المتوسطية عموما. لا يمكن تصور تناول الطاجين من دون خبز، فهو رفيقه الدائم على الموائد، اذا غاب، يتوقف الجميع عن الاكل حتى يحضر.
وفي هذا السياق، قال المعلم عبد الكريم رحال، صاحب مؤسسة "رحال"، وهي اكبر شركة لتموين الحفلات داخل وخارج المغرب، لـ"الشرق الاوسط" ان طهي الطعام في الطاجين صحي جدا، لانه يتم عن طريق البخار، والطهي بالبخار هو افضل طريقة لطهي طعام صحي كما اثبتت التجارب ذلك، مضيفا ان البخار يجعل جميع مكونات الطاجين من لحم وخضر وتوابل تنسجم مع بعضها البعض، وتعطي تلك النكهة والمذاق المتميز للاكل، لدرجة انه بالامكان طهي خضر لوحدها في الطاجين من دون لحم، لتحصل على اكلة لذيذة، وهذا سر يعرفه جميع المغاربة، كما قال.
واوضح رحال، ان طهي الطاجين على موقد الفحم يعد ايضا من اهم وسائل الطبخ الصحي أي باعتماد الطريقة البطيئة التي اصبحت بعض المطاعم تلجأ اليها لجلب الزبائن، مضيفا ان الطهي البطيء يختلف كليا عن الطهي في طناجر "الاينوكس" او الالمنيوم على موقد الغاز، لان الطعام يتعرض لما سماه "الصدمة الحرارية" التي تفقده جميع عناصره الغذائية، في حين ان طهي الطعام على موقد الفحم يحافظ على البروتينات والفيتامينات الموجودة في اللحوم، والاسماك، والخضر. وقال رحال ان المغاربة يفضلون في رمضان طاجين السمك، بالاضافة الى طاجين الكفتة، و"الكباب المغدور"، لانها تعد من الاكلات الخفيفة التي تساعد على الهضم.
وتخطت شهرة الطاجين المغربي الحدود، وأصبح برأيه، معروفا في العالم كله في اوروبا واميركا وآسيا، وهو مطلوب في اكبر الحفلات التي تنظمها الشركة في كل مناطق العالم، والسر في ذلك، من وجهة نظره، هو ان الطاجين التقليدي يتكيف مع جميع الخضر والفواكه الموجودة في تلك البلدان، فبالنسبة للشرقيين يتم تعويض الخبز بالارز، وفي افريقيا استعملت فاكهة المانجا، وفي اميركا حيث يعتمدون على الاكلات السريعة، قدم لهم طاجين "الخليع" بالبيض، وأعجبوا به جدا، وفي اليابان تم تنظيم عشاء امبراطوري قدم خلاله طاجين مغربي يؤكل بالعيدان Chopsticks على الطريقة اليابانية، كما قال.
واشار رحال الى انه بإمكان الخاضعين لبرامج الحمية استهلاك الطاجين من دون خوف، لانه لم يعد يطهى بالزيت، ويتم الاكتفاء بالدهون الموجودة في اللحوم.
وتبقى انواع الطاجين عديدة، بيد أن اشهرها في رأي رحال، هو طاجين اللحم بالبرقوق، وطاجين الدجاج بالزيتون، وقد اكتسبت شهرتها اكثر عند الاوروبيين لانها تدخل ضمن قائمة الطعام المقدمة في الفنادق، بالاضافة الى انها تعد من الاطباق الرئيسية المقدمة في الاعراس والحفلات المغربية.