الله هو وحده يعلم كم فرحنا بظهور الفنان البريطاني الكبير سامي يوسف ، ولكَم أطرب صوته ، صغاراً وكباراً ، ذكوراً وإناثاً ، ملتزمين وغير ملتزمين . فقد استطاع سامي يوسف أن يفرض نفسه على كافة فئات الجماهير ، وأن يكسر حاجز القنوات الفضائية ويخترقها بقوة ، وهي لطالما كانت مغلقة في وجه المنشدين . ولو سألنا أي فرد من هذه الجماهير الممتدة من المحيط إلى الخليج وإلى سائر بلاد المسلمين وحتى الأقليات المسلمة في شتى بلاد العالم .. فلو سألناهم هذا السؤال : هل تعرفون سامي يوسف ؟ لجاء الجواب دون عصرٍ للذاكرة : نعم نعرفه وسمعنا أغانيه ، أليس هو المطرب الذي يغني أغنية المعلم ( وي وونط ذا تيشر .. ماي تيشر ) .
وأتساءل ، وما أكثر تساؤلاتي ـ الخاصة بقضايا الفنون والإعلام ـ التي أوجهها إلى الإسلاميين ، بل أحيانا أشعر أني سأقضي بقية العمر وأنا أوجه الأسئلة تلو الأسئلة إليهم دون أن أحصل منهم على إجابة تشفي الغليل ، ليس لأنهم لا يريدون التفوّه بالإجابة ، وإنما لأنهم ليس لديهم الإجابة .. وهذا شيء يحزّ في النفس ، فأتساءل والغصة في الحلق : هل يُعقل أن يأتي شاب مسلم من وراء البحار فيخترق ما عجزت الحركات الإسلامية عن اختراقه منذ ظهور التلفزيون وإلـى ظهور القنوات الفضائية الحالية ؟؟؟ ألا يشعر الإسلاميون بعد هذا السؤال أنهم مقصرون في الفنون والإعلام أيما تقصير تجاه الأمة التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة في أعناقهم ؟ ولو أن الإمام حسن البنا بُعث حياً وأخبرتُه ما فعله سامي يوسف بمفرده وما عجزت عنه الحركات الإسلامية لقال لي والغصة تملأ حلقه أيضاً : حقاً إن هذا شيء لا يُصدَّق . ولقال لي : لا بد ـ إذاً ـ من مراجعات جذرية في الوسائل الإعلامية الموجودة في الحركات الإسلامية .
ولو سألنا أنفسنا : من يقف وراء سامي يوسف ؟ ومن يدعمه ؟ هل هناك حركات إسلامية تقف وراءه أو تدعمه ؟ هل هناك دول وحكومات وراءه ؟ هل هناك مؤسسات فنية كبيرة تدعمه ؟ الجواب : لا يوجد أحد وراءه ، ولا أحد يدعمه .. وإنما بدأ من الصفر ، لا يوجد معه إلا عقله الناضج وعياً وفهماً وإتقاناً لفنه وإدراكاً بأهمية الوسائل الإعلامية المستحدثة في التأثير في الجماهير .. فالفنان سامي يوسف عرف من أين تؤكل الكتف في العمل الفني ، وعرف كيف يمتطي صهوة الفضائيات ، وعرف كيف يصل إلى الملايين من الناس في زمن محدود جداً .
وبعد أن لمع نجم سامي يوسف تلقّفته المؤسسات الفنية وبدأت تقدمه عبر القنوات الفضائية ، الغنائية منها وغير الغنائية . ومن ثم بدأت المهرجانات الغنائية المختلفة في شتى البلاد تدعوه إلى حفلاتها ، فمثلاً دعته الحكومة المصرية لمشاركتها في احتفالات الدولة بعيد المولد النبوي الشريف في دار الأوبرا التي هي أكبر صالة فنية في البلاد العربية كلها . ثم دعته دولة الكويت إلى مهرجانها ( هلا فبراير ) .
وبعد ذلك أجرت مؤسسة الأهرام استفتاءً لأفضل مطرب عربي ، فأخذ سامي يوسف الدرجة الأولى ، أي أنه فاز على سيدة الغناء العربي الحالية نانسي عجرم ، وفاز على كل المطربين المشهورين ككاظم الساهر وعمرو دياب وهيفاء وهبي وجورج وسوف وهاني شاكر وعاصي الحلاني وغيرهم وغيرهم ..
وقال مدير قناة ميلودي الغنائية في مقابلة في قناة المستقبل اللبنانية : سامي يوسف هو الأكثر عرضاً وطلباً من الجمهور في قناتنا .
وذكر المنشد سامي يوسف ، أو الفنان سامي يوسف كما أحب هو أن يُنادى بهذا اللقب .. ذكر أن ألبوم ( المعلم ) بيع منه مليون شريط وسي دي .
وكل هذا حدث في ثلاث سنين أو أربع ، أي أن عمر سامي يوسف الفني قصير جداً ، ولكنه نجح نجاحاً ما بعده نجاح ، وتألّق تألقاً ما بعده تألق . فها نحن نسمعه في القنوات الفضائية ، وفي الإذاعات ، وفي الشوارع ، وفي رنات الخلويات .. فقد صار سامي يوسف نداً لأكبر مطرب أو مطربة .
وبعد هذا الإنجاز الكبير الذي يحلم به أي مطرب أو أي فنان .. ألا يحق لنا أن نفتخر ـ نحن الملتزمين ـ بفناننا الكبير سامي يوسف ؟ ثم أليس من الواجب على الإسلاميين وعلى المنشدين أن يدرسوا ظاهرة سامي يوسف لكي يقتدوا به وينتجهوا نهجه ؟ إذا كانت خدمة الإسلام هي مقصدنا في هذه الحياة فينبغي أن نفعل ما فعله سامي يوسف ، لكي نخدم الإسلام بشكل أفضل وبشكل أكبر ، لأن سامي يوسف استطاع أن يوصل الكلمة الإسلامية إلى الملايين من الناس .
وأريد أن أنصح المنشدين ، لا سيما الجدد ، ولا سيما ـ أيضاً ـ الذين لم يدخلوا بعد إلى ساحة النشيد ، أن يفعلوا ما فعله سامي يوسف ، أن يدخلوا إلى ساحة النشيد بقوة ، أن يبحثوا عن ثغرة إعلامية لينطلقوا منها إلى الملايين من الناس ، وأن لا يكون أول أناشيدهم خاصة بالجهاديات ، لأن القنوات الفضائية سترفضهم ، وأن لا يكون أول أناشيدهم دعويات أو تحكي واقع الحركات الإسلامية .. فهذا كله مرفوض في القنوات الفضائية لا سيما الغنائية منها . وإنما أن تكون أناشيدهم إما أن تتحدث عن المعاني الإسلامية التي تحكي عن المثل الإسلامية السامية ، أو أن تكون عن المعاني الإنسانية ، أو عن المعاني العاطفية النبيلة .
ثم إنه لا بد لمن يريد أن ينتهج نهج سامي يوسف أن يستخدم الموسيقى استخداماً متقناً ، لأن القنوات الفضائية ترفض بشدة المطرب أو المنشد الذي يقتصر على الطبل والدف ، لأنها تعتبر أن الذي يستخدم الطبل والدف قادم من أدغال إفريقيا ، لأن الزنوج في أدغال إفريقيا لا يستخدمون إلا الطبل والدف ، أي أن أصحاب الفضائيات ينظرون إليه على أنه لا يعرف القيمة الكبيرة للآلات الموسيقية ، بل إنهم لا يعتبرون من يستخدم الطبل والدف مطرباً محترماً ، وإنما يعتبرونه مطرباً شعبياً يصلح لأن يكون لأهل الحتت والأعراس الشعبية .. لذا هم يرفضونه ولا يقبلونه في قنواتهم .
بمعنى آخر .. ينبغي على المنشد الذي يريد أن ينتهج نهج سامي يوسف أن يبتعد في أناشيده عن التشدد في تعاليم الإسلام ، وأن يخفف من الأناشيد الدينية ، لأن الشعوب ابتعدت كثيراً عن تعاليم الإسلام ، لذا هي لا تحتمل هذا التشدد في تطبيق تعاليم ديننا في حياتنا المعاصرة ، ولا تحتمل أن تنتقل ـ مرة واحدة ـ من الأغاني العاطفية إلى الأناشيد الدينية البحتة ، وإنما عليه أن ينوّع في أناشيده ، أي أن الأنشودة ليست خطبة جمعة ، ولا محاضرة ، وإنما هي طرب بمعانٍ سامية وفق حدود الشرع ، وطبعاً إن التغني بمعاني الإسلام أو بالابتهالات الإلهية أو بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم هي أولى المعاني السامية ، ولكن ليست هي كلها ، وإنما هناك أيضاً معانٍ إنسانية أخرى ، وإن غرز هذه المعاني الإنسانية هو أيضاً من تعاليم الإسلام ، فمثلاً حب الأوطان شيء مهم في الدين ، وحب الأم كذلك ، والحب العفيف الذي يعلّم الناس العفة شيء مهم أيضاً في ديننا لا سيما في زماننا هذا الذي انحرفت فيه المعاني العاطفية عن الطهر والعفة . فتقديم الأناشيد العاطفية ذات المعاني النبيلة لا ينبغي أن ينساه المنشدون ، ولا أعني أن تكون الأناشيد العاطفية للأعراس فقط ، وإنما تكون أيضاً في غير الأعراس .
الحديث عن سامي يوسف طويل .. ونحن ما زلنا في البداية ، وسأتحدث في الجزء الثاني عن الأسباب التي جعلت سامي يوسف ينجح في اختراق القنوات ويصل إلى الملايين من الناس ..