مع التغلغل الذي
تشهده التقنية، وتغلغلها في كافة المجالات، بدأ البحث العلمي يأخذ نصيبه من هذه التقنية، فتعدَّدت طرق ووسائل البحث العلمي في عصرنا الحاضر، الذي تزامن مع تطور العلم ووسائل التقنية الحديثة. وأصبح
الباحثون يهتمون بشكل أكبر بالمعلومات التي
يستقونها عبر هذه التقنية، وتقف الموسعات
الإلكترونية المنتشرة حاليًا في صدارة هذه الوسائل المسهلة لعملية البحث، وفي هذا المقال سنلقي الضوء على العلاقة التي أصبحت تربط البحث العلمي وخاصة في المجالات الفقهية بالموسوعات الإلكترونية، ولعنا نذكر نبذة مختصرة عن معنى البحث في اللغة، ثم نُعرف الموسعات وطرق
عملها، ثم نُعرج أخيرًا إلى كيفية استفادة
الباحثين من هذه الموسوعات وآفاق هذه الاستفادة في
المستقبل.
فالبحث في اللغة يُراد به الاستقصاء، يُقال: بحث عن الأمر
بحثاً
بمعنى استقصى، وبحث في الأرض حفرها، ومنه قوله تعالى:
"فبعث الله غراباً يبحث في الأرض" وهو
طلب الشيء، والتنقيب عنه، وفحصه بقصد التوصل إلى حقيقة من الحقائق، أو
قاعدة كليَّة بأدلة تطمئن إليها.
والبحث في أي علم من العلوم يُشترط فيه الالتزام بأصول
معيَّنة، وأسس عامة يجب مراعاتها؛ ليصل الباحث من
خلالها إلى النتائج الموضوعية المرجوّة.
وللبحث العلمي أهمية عظمى، إذ ينبغي الوصول من ورائه إلى
تحقيق إضافة علمية جديدة، وكلما كانت أهمية هذه
الإضافات كبيرة، كانت صفة البحث كذلك، ووُصِف حينئذ
بالأصالة والجدّة.
وكما هو معروف فإن القراءة والإعداد للكتابة في بحث معيّن
وتدوين المعلومات من الأعمال التي تأخذ الكثير
من الوقت والجهد، وقد يذهب أضعاف هذا هدراً إذا
لم يكن للباحث -منذ البداية- نظام وطريقة يسير عليها، والطريقة
المعتادة التي يستخدمها الباحثون منذ القدم إلى وقتنا الحاضر نسبياً هي: تدوين المعلومات فيما يُعرف بالبطاقات، وتكون هذه البطاقات
ذات
حجم واحد في الغالب، ويكتب فيها على وجه واحد.
ويفضِّل البعض الآخر من الباحثين طريقة الكتابة في الملف
(الدوسيه)
المقسم إلى أبواب وفصول بسبب يسرها وسهولتها، وكونها أكثر
حفظاً للمعلومة، ويهتمون في كلتا الطريقتين بأن تكون
الكتابة بخط واضح، ووضع عنوان دقيق يدل في إيجاز
على فكرة النص المقتبس، وأن يكون بحبر أو لون مخالف للنص، ثم القيام بعد ذلك بعزل المادة التي لا حاجة لهم بها جانباً، وتصنيف
المواد التي يحتاجونها، واضعين كل مادة في
مكانها المناسب، وترتيبها حسب التسلسل الموضوعي لنوع
البحث.
وكان الباحث فيما سبق يعتمد في بحثه اعتماداً كليًّا على الكتب وتصفحها،
وأخذ
المعلومة منها، ثم إنه في عصرنا الحاضر ظهرت وسائل متعددة
في البحث العلمي، منها محركات البحث المختلفة على
الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، إضافة إلى مجموعة من المواقع المختلفة التي اعتنت بإظهار الكتب العلميّة، وتسهيل طرق البحث فيها.
وفي هذا الخضم الهائل من المواقع التي تقدِّم هذه الخدمات
نشأ ما يسمى بـ(الموسوعات الإلكترونية) التي
تعتمد في إنشائها على برمجيات حاسوبية
متخصِّصة، وتضم في جنباتها العديد من كتب التراث العربي في مختلف الفنون المعرفيّة، والتي -بحق- كان لها الدور الفاعل في تسريع الحصول
على
المعلومة، وهي متفاوتة من حيث تقديمها للمعلومة الموثَّقة
الموافقة لما في الكتاب المطبوع في عدد الصفحات والأجزاء،
فمنها التي تقدم هذه الخدمة، ومنها التي غير موافقة
للمطبوع.
والباحث في عصرنا هذا ينبغي عليه أن يستفيد من هذه
التقنيات، فلا يتقوقع بين البطاقات أو الدوسيهات، ولا
يحصر نفسه بتصفح كتاب من أوله لآخره للحصول
على معلومة يسيرة يقتبسها لضمها لبحثه، ولظنه أنها فيه، وقد لا تكون كذلك، فيضيع الوقت في ذلك.
وإن كان لتصفح
الكتب والقراءة فيها، وبذل الجهد والوسع في ذلك- الفائدة، بل الفوائد العظام، من ترسيخ للمعلومة لدى الباحث عنها، وثبوت المواضع
التي
استقى منها هذه المعلومة، إلا أن بعض الباحثين المعاصرين
يرى طريقة مختلفة في البحث العلمي والاستفادة من
الموسوعات، وهم في ذلك يختلفون من باحث لآخر؛ نتيجة
لعوامل كثيرة، منها ما هو فطري كالموهبة الإلهية التي يتفاوت الخلق فيها، ومنها ما هو مكتسب، كطرق البحث في الموسوعات الإلكترونية، والاستغناء عن تدوين المعلومات في البطاقات والدوسيهات باللجوء إلى
برنامج
"الوورد" بإنشاء عدّة مستندات تكون بمثابة
البطاقات والدوسيهات.. واستغنى كثير من
الباحثين اليوم عن غيرهم في إعداد بحوثهم بأنفسهم، من تدوين، ونسخ وتنسيق للصفحات والخطوط، وعمل حواشٍ وفهارس لبحوثهم، مما سرّع عملية
البحث
المعهودة سابقاً.
وحتى تُؤتي عملية البحث في الموسوعات الإلكترونية
وبرنامج "الوورد" أُكلها والمرجو منها
يمكن وضع طريقة عمليّة يسير عليها الباحث عند بحثه في الموسوعات
الإلكترونية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- معرفة أهم مهارات استخدام برنامج "الوورد"،
من نسخ، وإعداد للصفحة، وتنسيق لها وللخطوط، وطريقة عمل
الحواشي السفلية...إلخ. وهذه المهارات مكتسبة تتطور مع
استمرار العمل في البحث وتكرار ذلك.
2- على الباحث أن يقرأ كثيراً في المسألة أو الموضوع
المراد بحثه قبل البدء في عملية البحث، بحيث يلم إلماماً تامًّا بهذه المسألة.
3- اختيار الموسوعات الإلكترونية التي ينصح بها المجربون،
ويراعى في ذلك ما يلي:
أ- احتواؤها على أكبر عدد من الكتب.
ب- مدى كون كتبها موافقة للكتاب المطبوع من عدمه.
ج- لا بأس أن يستعين الباحث بأكثر من موسوعة، فما يوجد في
هذه من مادة علميّة أو وسائل البحث وسهولته أو صعوبته
قد لا يوجد في الأخرى، والعكس.
4- تحديد ما يُراد البحث عنه، وذلك بتحليل الموضوع، وتحديد المفاهيم، وتجزئتها إلى
جملة أو جملتين، أو كلمة أو كلمتين، على حسب نوع الموضوع.
5- تحديد وسرد الكلمات المفتاحية التي يتكرر ذكرها دائماً
في
المسألة، أو الموضوع المراد بحثه، فمثلاً الذي يريد البحث
عن مسألة المياه المعالجة كيمائياً يمكنه أن يدرج كلمات
(مياه معالجة، كيميائياً). ككلمات مفتاحية يضعها
في نوافذ البحث المتعدد في الموسوعات.
6- استنباط مترادفات للكلمات المفتاحية، ففي المثال
السابق يمكن إدراج كلمات نحو (ماء، تنقية، علاج، تصفية).
7- تكتب الكلمات المفتاحية لكل موضوع يُراد بحثه في جدول
على الشكل التالي:
الموضوع | الكلمات المفتاحية | الكلمات المرادفة | نتيجة البحث |
| | | |
8- قد تواجه الباحث مشكلة عدم
الحصول على النتائج في نطاق البحث الذي اختاره، فيمكنه حينئذٍ
توسيع نطاق البحث في الموسوعة ليشمل جميع كتب الموسوعة.
9- وقد ينحى الباحث منحىً آخر في عملية البحث في الموسوعة
عند عجزه عن حصول النتائج التي يطمح لها، فيتجه
للبحث الموضوعي، وذلك بما هيأته هذه الموسوعات من
سهولة ذلك؛ بأن يتصفَّح فهرسة الكتب، الأبواب والفصول، وعناوين الكتاب
الداخلية.
10- بعد الحصول على النتائج توضع في مستند، أوكل جزئية
على حِدة، ويتم حفظها فيه مع اسم المرجع الذي أخذت منه تلك النتيجة.
11- يتم بعد ذلك انتقاء ما يناسب البحث، وترتيبها وربطها
ببعضها.
12- مرحلة توثيق نتيجة البحث، وقد
ذكرنا أن الموسوعات متفاوتة في كون كتبها موافقة للمطبوع من عدمه:
أ- فإن كانت الموسوعة أو الكتاب الذي أُخذت منه تلك
النتيجة موافقة للمطبوع، فيُعزى إلى رقم الصفحة والجزء،
ثم بعد ذلك يتأكد من صحة هذا العزو بالرجوع مباشرة إلى
رقم الصفحة والجزء المسجل.
ب- إن لم يكن الكتاب الذي أُخذت منه النتيجة موافقاً
للمطبوع؛ فهنا يستفيد الباحث من اسم الكتاب، والموضع
الذي ذكرت فيه النتيجة في هذا الكتاب، كالباب
أو الفصل ونحو ذلك.
13- مما ينبغي التنبه له قبل البدء في البحث في الموسوعات الإلكترونية، معرفة مفاتيح الكتاب الذي يُبحث فيه، وطريقة ترتيب مؤلفه، والمصطلحات التي يستخدمها المؤلف في ذلك الكتاب.
وأخيرًا فإنه كلما مُورس البحث في الموسعات الإلكترونية،
تزداد مهارة الباحث في ذلك، وتصبح لديه ملكة يميز بها
ما يأخذ وما يذر. ومع هذا كله فإن الباحثين
معادن في العلم والتأليف، كما هم معادن في واقع حياتهم، فهم يتفاوتون فيما بينهم استيعاباً للمادة العلمية، وهضماً وفحصاً وتدقيقاً لها.
ويظل التفاوت أيضاً قائماً بين البحوث والدراسات، حتى تجد
بحوثاً ومصنفات لا تساوي عند أهل الحق المداد الذي كتبت به.
لذلك وجب على الباحثين عند استخدامهم لهذه الوسائل عدم
إغفال الاختيار والانتقاء لهذه الموسوعات، والتأكد التام
من صحة وعزو النقولات والإحالات.
منقووول ...