هذا مقال للكاتب :
أبي عبد القوي رشيد بن عراب
عنوانه:
الدكتور أمين الزاوي وجنلية التساؤل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسولالله، وبعد:قرأت مقالافي "جريدة الشّروق" بتاريخ 2011/03/09 تحت عنوان ( هل كان طارق بن زياد ابنا لواديسوف ؟) للدّكتور أمين الزّاوي ! ومع علمي أنّالكاتب ليس مؤرّخا، ولا من أصحاب الدّراسات التّاريخيّة، إلاّ أنّ العنوان أغراني بأنّي سأجدتحقيقا لقضيّة تاريخيّة، أو توثيقا لشأن تراثيّ ..
ولكن، لمّا شرعت في قراءة المقال، أفزعنيصوتٌ غريب بين سطوره وكلماته وجُمَله، فتبيّنته، فإذا هو:
كشيش أفعى أجمعتلعضّ***فهي تحك بعضها ببعض
لقد عزم الزّاوي في هذا المقال الموبوء على أنيُعيدَ رمّة الشعوبيّة جذعةً، وأن يستثير الثّاراتِ والأحقادَ والضّغائنَ بين البربر والعرب (والفتنة مضطرمة، لعن الله من زاد في تأجيجها).الزاوي يتطاولعلى تاريخنا وعلى من كتبوه:لقد سلّط الزّاوي في هذا المقال عليناأقواسه[1]؛ فقد تطاول علىتاريخنا وسمّاه (الكذب المقدّس) ! وافترى على مؤرّخينا، فقال فيهم بملء فيه، وبلا تحفّظ، ولا احتراس:"فتاريخنا كتبته أقلام عاشت على فُتات موائد الملوكوالسّلاطين"!تجرّأالزّاوي قَبْلاً على ابن خلدون في مقاله: (لهذا أنا لا أحبّ المتنبّي ولا ابن خلدون)، فأقذعفيه القول، ثمّ تمادى وارتقى إلى القدح في جملتهم، واستباح الطّعن فيعامّتهم.عذيري من فتى أزرىبقومي***وفي الأهواء ما يلد الهذاء
ومحاولةً منّي للتصدّي إلى أقواس الزّاوي، فقد كتبت هذاالمقال المتواضع، وأرى أنّ ما فيه من شدّةٍ ضرورةٌ لا انفكاك عنها؛ ذلك أنّ (وقع السّهامونزعهنّ أليم).هل يصلح الزّاويللدّراسات التاريخية؟يقول الزّاوي:"وما نتساءل عنه، وهو الّذي يدخل في بابمحاولة تفتيت ما أسمّيه بالكذب المقدّس".إنّ دراسة القضايا التّاريخيّة تفتيتاً أو تثبيتا، هو شأن المؤرّخين والعلماء، لا القُصّاص والحكواتية ..هو
شأن العُدُول الثّقات الأُمَناء، لا من شهِدت عليه صُحُفُه وما يدوّنه من
مُجُونٍ وفسوق وفجور وخلاعة وهراء، بأنّه يصلح للنّادلة وجرّ الذّيول !فأعطِ القوسَباريها.إقرار الزاوي بضآلة ما يعرفه عن طارق بنزياد:استهلّ الزّاوي مقالَه بإقراره بضآلة ما يعرفه عن طارق بنزياد، فقال:"كلّ ما نعرفه عن طارق بن زياد المغاربيّالأمازيغي،هو نصّ تلك الخطبةالّتي ألقاها فيجيوشه".فبِمَا أنّك لا تعرف عن طارق إلاّ ما يُدوَّن في الكتبالمدرسيَة، فلِمَ كلّ هذا التبجّحوالصّلف !؟ ومنجميل الوصايا التي كنّا نتغنّى بها قديما:لِّي مَا قْرَا عْلاَشْ يَكْتَبْ *** ويخْسَرْ حَبْرالدْوَايَـة
وبعبارةٍ أفصح: دعْ الكتابةَ لست منها، ولو ملأ عفنُ ريحِ المومساتِ[2] من تسويداتك شوارِعَ إبليس[3]، وأزقّةباريس !حقيقة حجم خطبةطارق بن زياد:قال الزّاوي عن الخطبة الّتي تُنسب إلى طارق بن زياد:" امتلأت بها كتبنا المدرسيّة ".أظنّ
أنك لا تعرف عن طارق بنِ زيادٍ حتّى هذه الخطبة الّتي زعمْتَ أنّك تحفظها؛
ذلك أنّها لا تزيد على ورقةٍ، فضلا أن تملأ كتابا ! فتبيّن أنّ الأمر ليس
في حجم هذه الخطبة، بل في ما تتضمّنه من شأن الجهاد،والفتوحات، والإقدام، والنّخوة، والتّرغيب في الشّهادة، وهي أمور لو اجتمعت على سمع ونظرهؤلاء المسوخ لأذهبت رعشتهم[4].فإذا تَنبّه رُعْتَـهُ وإذا غَفَـا *** سَلَّت عليه سيوفَك الأحلامُ
بلاغة الزّاوي.وصف الزّاوي هذه الخطبة قائلا:" يُمكنكم الرّجوعُ إليها، فهي لا تزال مقرّرةً في الكتبالمدرسيّة على أطفال الجزائر، وأطفال المغرب الكبير، والمشرق حيث مطلعالشّمس ".لا أدري ما موضعُ جملة ( حيث مطلع الشّمس ) في كلامه ؟! لو كان الشّأن قصيدةً لقلنا: ربّماأنّ سبب إقحام هذه الجملة لإقامة الوزن .. ولو وافقَت هذه العبارة ما سبق من مقاطعلقلنا: إنّ ذلك لإصلاح السّجعة وتساوي الفصول .. فلم يبق إلاّ أن ندّعي أنّ الزّاوي يكتب وفيذهنه أنّ من يقرؤون له ويدفعون له مقابل مقالاته هم من مستوى ( والمشرق حيث مطلعالشّمس ).تطاول الزاويعلى الثقافة العربيّة.لقد تطاول الزّاوي على ثقافتنا، فقال:" الكذب المقدّس الّذيتكرّس بشكل واضح ومتواصل في ثقافتنا العربية ". لا يخفى أنّ الثّقافة الّتي ينتسب إليهاالزّاوي والأعرج وأركون
وأضرابهم من ذيول التغريبيّين، هي الّتي تكرّس فيها الكذب المقدّس،
والتبعيّة المقدّسة، والعفن المفرنس. أمّا الثّقافة الّتي تنتسب إليها هذه
الأمّة العربيّةفهي مثال مُشْرِقٌ للصّدق والنّـزاهة والأصالة، وهي أبعدُ ما يكون عن الكذب وتكريسه؛ لأنّلأصحابها من دينهم وعقيدتهم ومُثُلهم وصرامة مناهج تلقّيهم وتراث سلفهم عاصماً، وأيَّعاصم.خطبة طارقوالنقد.اِدّعى الزّاوي أنّ الخطبة الّتي تُنسَب إلى طارق بن زياد أضحت ( من المسلّمات الّتيلا تُمَسّ ولا تُنقد ولا تُراجَع ).لا شي في ثقافتنا ومعارفنا يعلو على النّقد والمراجعة، وهذهالأحاديث النبويّة لا تزال تخضع لموازين النّقد والمراجعة، فكيف بغيرها ؟وبخصوص خطبةطارق، فطالما تناولتها يدُ النقّاد والمراجعين من حيث ألفاظُها زيادةً ونقصاً، واختلافُرواياتها، والفروقُ بينها،ومن حيث الظّرفُ الّذي قِيلت فيه، ومن حيث فصاحتُها، ومن حيث ثبوتُهاوعدمُه، ومن حيث إضافتُها لطارق.أفلم يطّلع الزّاوي علىذلك ؟ أم أنّ الزّاوي لا يعُدّ النّقد نقدا ولا المراجعةَ مراجعة إلاّ إذا صدرت من يَراعِه،وسُلّت من أقواسه ؟!الجواب علىشبهة عجز طارق عن إنشاء هذه الخطبة.قال الزّاوي معلِّلا إنكارَ نسبةِ هذه الخطبة إلى طارق:" كيف يُمكن لطارق بن زياد الأمازيغيّ ... أن يتكلّم بكلّ تلكالفصاحةالعربيّة، تلك اللّغة الّتيلم تكن قد حَطَّت بعدُ رحالَها في بلاد المغرب الكبير بشكل دينيّ وثقافيّ عميقين ؟".لماذا لا يسأل الزّاوي أو يتساءل عن اسم طارق ؟ وعن اسم أبيه ؟ أهيأسماء بربرية أم عربيّة ؟ ولا شكّ أنّها عربيّة في الصّميم.فإمّا أن يكون طارقُ بنُ زيادعربيَّ النّسب، وقد قال بذلك بعضُ المؤرّخين.وإمّا أنّه من أسرة عريقة الإسلام وقديمةالاتصال بالعرب، وبذلك يزول الإشكال.وقد أثبت المؤرّخون لطارق - إضافةً إلى تلكالخطبة – شعرا، ورسائل، تدلّ على تمكّنه من اللّغة العربية.ثمّ يمكن أن يقال أيضا: إنّ هذهالخطبة كتبت للقائد طارق، شأنُها شأنُ الخطب الأميريّة.الجواب علىشبهة عجز البربر عن فهم هذه الخطبة.قال الزّاوي:" كيف يمكن لهذا القائدالإستراتيجيّ أن يخاطِب بلغة عربيّة عالية جنودا غالبيّتهم - إن لم أقل جميعهم - منقبائلالبربر، وهم لا علاقة لهم بهذه اللّغة الأدبيّة العالية ؟"إنّ اللّغة العربيّة قد حطّت رحالَها في بلاد المغرب الكبير قبل فتح الأندلس مع الفاتحين الأوائل: أبي المهاجر، وعقبة بننافع، وغيرهما. ولقد كانت سرعة الفتح في المغرب والأندلس تشبه المعجزة كمايقول الشيخ البشير الإبراهيميّ، فكذلك كان انتشارُ الإسلام والعربيّة.ومنالأسباب الّتي أدّت إلى ترسيخ اللّغة العربيّة: جهود الفاتحين - ومنهم موسى بن نصير رحمهالله
- في نشر التّعليم بين كتائب البربر. وكذلك بسبب ما يتميّز به البربر من
طلاقة ألسنتهم باللّغات الأجنبيّة عامّة، ولأنّ اللّغة العربيّة هي لغة
الفاتحين، والبربر لم يكونوا استثناءً من قاعدة التكيّف المعروفة أنّ
المغلوب مولَعٌ أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزَيّه، ونحلته، ولغته،
وسائر أحواله وعوائده.ويمكن أن يقال: إنّ المقصود بهذه الخطبةابتداءً هم قادة الكتائب، وقد كان غالبُهم من العرب؛ بدليل ما جاء في الخطبة: "وقداختاركم أمير المؤمنين من الأبطال عُرباناً "