kina abdelhamid عضو جديد
عدد الرسائل : 15 نقاط التقييم : 15 تاريخ التسجيل : 06/11/2011
| موضوع: موقعة صفين الجمعة 10 أغسطس 2012 - 9:47 | |
| المبحث الأول : مقدمات وأسباب معركة صفين -/1 مكان صفين :موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربىِ بين الرَقة وبالس . وهي صحراء ذات كدى وأكمات، وبها كانت الوقيعة العظيمة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، في غرة صفر سنة 37هـ والتي جاء فيها الحديث المتفق على صحته: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة" ، وقُتل في الحرب بينهما سبعون ألفاً، منهم من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفاً ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً، وقُتل مع علي خمسة وعشرون صحابياً بدرياً ، وكان معه منهم سبعون رجلاً، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة، وما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خيار التابعين، وكان مع علي رضي الله عنه رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يغزو بها، وقد شكك البعض بأنه لم يشهد مع علي من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت، وهو قول مردود عليه، فإن من أهل بدر عمار بن ياسر رضي الله عنه وقد قتل معه، وبه عرفت الفئة الباغية في قوله صلى الله عليه وسلم لعمار في حفر الخندق: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية .[1] 2/-.أسباب المعركة:شكل استشهاد الخليفة عثمان رضي الله عنه صدمة كبيرة للمسلمين، فانطلقت الأصوات تطالب بالثأر من قتلة الخليفة عثمان، فخرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان مضمخ بدمه، ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين دافعت عنه بيدها، فقطعت مع بعض الكف فورد به على معاوية بالشام، فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس، وعلق الأصابع في كم القميص، وندب الناس إلى الأخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه، فتباكى الناس حول المنبر، وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله سنة، وحث بعضهم بعضا على الأخذ بثأره، وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان، ممن قتله من أولئك الخوارج: منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء. . كان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام في عهد عمر وعثمان –رضي الله عنهما، ولما تولى عليّ الخلافة أراد عزله، وتولية سهل بن حنيف بدلاً منه، إلا أنه ما كاد سهل يصل مشارف الشام حتى لقيته خيل معاوية عليها حبيب بن مسلمة الفهري، فقالوا له: إن كان بعثك عثمان فحيهلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع، فرجع . لقد امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة ورأوا أن يقتص علي من قتلة عثمان ثم يدخلون البيعة، وقالوا: لا نبايع من يؤوى القتلة, واستشهد معاوية ومعسكره بأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: عن النعمان بن بشير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه، فقال: "يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني " . وهناك حديث آخر له تأثيره في طلب معاوية القود من قتلة عثمان وكان منشطًا ودافعًا قويًا للتصميم على تحقيق الهدف، وهو: عن النعمان بن بشير عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: "يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني" ثلاثًا، فقال لها النعمان بن بشير: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله ما ذكرته ،قال: فأخبرتُه معاوية بن أبى سفيان فلم يرضَ بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إليّ به، فكتبتْ إليه به كتابًا بعث الإمام علي رضي الله عنه كتباً كثيرة إلى معاوية رضي الله عنه، ولم يرد عليها، واستمر ذلك الأمر إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان، ثم بعث معاوية رسالة مع رجل، فدخل به على عليّ فقال له عليّ: ما وراءك؟ قال: جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود، كلهم موتور، تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو على منبر دمشق، فقال علي: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان. ثم عزم الإمام عليّ على قتال أهل الشام، فكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس للقتال، وإلى أبي موسى الأشعري بالكوفة، وبعث إلى عثمان بن حُنيف بذلك، وخطب الناس فحثهم على ذلك، وعزم على التجهز، وخرج من المدينة، ورتّب الجيش، فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية، وجعل ابن عباس على الميمنة، وعمر بن أبي سلمة على الميسرة، وقيل: جعل على الميسرة عمرو بن سفيان بن عبد الأسد، وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح، واستخلف على المدينة قثم بن العباس، إلا أن ظروف معركة الجمل أعاقته عن قتال أهل الشام[2] 3/- كتاب علي رضي الله عنه الى معاوية :تناول معاوية كتاب علي رضي الله عنه من جرير[3] فقراه ،وهذا هو نصه : ) بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله علي امير المؤمنين الى معاوية ابن ابي سفيان .اما بعد : فقد لزمك ومن قبلك من المسلمين بيعتي ، وانا بالمدينة و انتم بالشام ,لانه بايعني الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ،فليس للشاهد ان يختار ،ولا للغائب ان يرد ،وانما الامر في ذلك للمهاجرين والانصار. فاذا اجتمعوا على مسلم فسموه اماما ،كان ذلك لله رضى. فان خرج من امرهم احد بطعن فيه ،او رغبة عنه رد الى ما خرج منه . فان ابي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ،وولاه الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا . فادخل فيما دخل فيه المهاجرون و الانصار ، فان احب الامور فيك وفي من قبلك العافية . فان قبلتها و الا فاذن بحرب ، وقد اكثرت في قتلة عثمان ،فادخل فيما دخل فيه الناس ،ثم حاكم القوم الي احملك واياهم على مافي كتاب الله وسنة نبيه . فاما تلك التي فانما هي خدعة الصبي عن الرضاع ( [4] 4/- استدعاء الاشتر الى الانضمام الى زياد وشريح:وعلى ذلك ارسل علي رضي الله عنه الى الاشتر،فقال : يا مالك ان زيادا وشريحا ارسلا الي يعلماني انهما لقيا ابا الاعور السلمي في جمع من اهل الشام وانباني الرسول انه تركهم متوقفين فالنجاء الى اصحابك النجاء ،فاذا قدمت عليهم فانت عليهم و اياك ان تبدا القوم بقتال الا ان يبداوك حتى تلقاهم فتدعوهم و تسمع . ولا يجرمنك شنآنهم [5] على قتالهم قبل دعائهم والاعذار اليهم مرة بعد مرة.و اجعل ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف من اصحابك وسطا ،ولا تدن منهم دنو من يريد ان ينشب الحرب ولا تباعد منهم نعد من يهاب إلباس حتى أقدم عليك فاني حثيث السير في إثرك إن شاء الله .وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي فكتب علي الى زياد وشريح :«اما بعد فانب قد امرت عليكما مالكا فاسمعا له و اطيعا ،فانه ممن لا يخاف لا رهقه [6] ولا سقاطه [7] و لا بطؤه عما الاسراع اليه احزم .ولا الاسراع الى ما البطاء عنه امثل ،وقد امرته بمثل الذي كنت امرتكما ب هالا يبدا القوم حتى يلقاهم فيدعوهم و يعذر اليهم » [8] 5/- توجه الامام علي الى الشام : أرسل الإمام علي إلى معاوية رضي الله عنهما يدعوه إلى بيعته، حيث عرض جرير بن عبد الله أن يتوسط بين الطرفين، فقال جرير بن عبد الله: أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين فإن بيني وبينه وداً، فآخذ لك منه البيعة، فقال الأشتر: لا تبعثه يا أمير المؤمنين فإني أخشى أن يكون هواه معه، فقال علي: دعه، وبعثه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ويخبره بما كان في وقعة الجمل، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه حتى يقتل قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فرجع جرير إلى علي فأخبره بما قالوا، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين ألم أنهك أن تبعث جريراً؟ فلو كنت بعثتني لما فتح معاوية باباً إلا أغلقته، فقال له جرير: لو كنت لقتلوك بدم عثمان، فقال الاشتر: والله لو بعثتني لم يعيني جواب معاوية ولأعجلنه عن الفكرة، ولو أطاعني قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر الأمة، فقام جرير مغضباً وأقام بقرقيسيا، وكتب إلى معاوية يخبره بما قال وما قيل له، فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه.
جهّز أمير المؤمنين علي جيشاً ضخماً اختلفت الروايات في تقديره، فقيل كان علي في تسعين ألفاً وكان معاوية في مائة وعشرين ألفاً، وقيل كان علي في مائة وعشرين ألفاً ومعاوية في تسعين ألفاَ وهذا أصح، وكان مكان تجمع جند علي بالنخيلة وهو على بُعد ميلين من الكوفة، فتوافدت عليه القبائل من نواحي العراق، وبعث أمير المؤمنين علي من النخيلة زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف مقاتل، وبعث شريح بن هانئ في أربعة آلاف، ثم خرج علي بجيشه إلى المدائن، فانضم إليه فيها المقاتلة وولى عليها سعد بن مسعود الثقفي، ووجه منها طليعة في ثلاثة آلاف إلى الموصل، وسلك رضي الله عنه طريق الجزيرة الرئيسي على شط الفرات الشرقي حتى بلغ قرقيسياء ، فأتته الأخبار بأن معاوية قد خرج لملاقاته وعسكر بصفين، فتقدم علي إلى الرقة، وعبر منها الفرات غرباً ونزل على صفين.[9] 6/- خروج معاوية إلى صفين:كان معاوية جاداً في مطاردة قتلة عثمان، فقد استطاع أن يترصد بجماعة ممن غزوا المدينة من المصريين أثناء عودتهم وقتلهم، ومنهم أبو عمرو بن بديل الخزاعي ، ثم كانت له أيد في مصر، وشيعة في أهل "خربتا" تطالب بدم عثمان، وقد استطاعت هذه الفرقة إيقاع الهزيمة بمحمد بن أبي حذيفة في عدة مواجهات عام 36هـ، كما استطاع أيضاً أن يوقع برؤوس مدبري ومخططي غزو المدينة من المصريين، مثل عبد الرحمن بن عديسي، وكنانة بن بشر، ومحمد بن حذيفة فحبسهم في فلسطين، وذلك في الفترة التي سبقت خروجه إلى صفين، ثم قتلهم في شهر ذي الحجة عام 36هـ ، وعندما علم معاوية بتحرك جيش العراق جمع مستشاريه من أعيان أهل الشام، وخطب فيهم وقال: إن علياً نهد إليكم في أهل العراق. وكان أهل الشام قد بايعوا معاوية على الطلب بدم عثمان، والقتال. وقد قام عمرو بن العاص بتجهيز الجيش وعقد الألوية، وقام في الجيش خطيباً يحرضهم، فقال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم، وفوا حدهم، ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة، ومنهم من قد قتل خليفتكم، فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تبطلوه.
وسار معاوية في جيش ضخم، اختلفت الروايات في تقديره، وكلها روايات منقطعة أسانيدها، وهي الروايات عينها التي قدرها جيش علي، فقدر بمائة ألف وعشرين ألفاً ، وقدر بسبعين ألف مقاتل، وقد بأكثر من ذلك بكثير ، إلا أن الأقرب للصواب أنهم ستون ألف مقاتل، فهي وإن كانت منقطعة الإسناد إلا أن راويها صفوان بن عمرو السكسكي، حمصي من أهل الشام ولد عام (72هـ)، وهو ثبت ثقة، وقد أدرك خلقاً ممن شهد صفين، والإسناد إليه صحيح . وبعث معاوية مقدمة جيشه بقيادة أبي الأعور السلمي إلى صفين، فعسكر هناك في سهل فسيح، إلى جانب شريعة في الفرات، ليس في ذلك المكان شريعة غيرها، وجعلها في حيزه [10]. المبحث الثاني : تفاصيل ا لمعركة 1/- نشوب الحرب :خرج الاشتر حتى قدم ،فاتبع ما امره علي و كف عن القتال فلم يزالوا متواقفين ،حتى اذا كان عند المساء حمل عليهم ابو الاعور السلمي فثبتوا له واضطربوا ساعة ، ثم ا ناهل الشام انصرفوا ، ثم خرج اليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل و رجال حسن عددها و عدتها ، وخرج اليه ابو الاعور فاقتتلوا يومهم ذلك ،تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال وصبر القوم بعضهم لبعض ، ثم انصرفوا وحمل عليهم الاشتر فقتل عبد الله ابن المنذر التنوخي . قتله ظبيان بن عمارة التميمي . وما هو الا فتى حدث وان كان التنوخي لفارس اهل الشام . و اخذ الاشتر يقول :و يحكم !اروني ابا الاعور . ثم ان ابا الاعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف من وراء المكان الذي كان فيه اول مرة.وجاء الاشتر حتى صف اصحابه في المكان الذي كان فيه ابو الاعور فقال الاشتر لسنان بن مالك النخعي . انطلق الى ابي الاعورفادعه الى المبارزة. [11] 2/-التنازع على الماء:وصل جيش علي إلى صفين، حيث عسكر معاوية، ولم يجد موضعاً فسيحاً سهلاً يكفي الجيش، فعسكر في موضع وعر نوعاً ما؛ إذ أغلب الأرض صخور ذات كدى وأكمات فوجئ جيش العراق بمنع جيش معاوية عنهم الماء، فأسرع البعض إلى على رضي الله عنه يشكون إليه هذا الأمر، فأرسل على إلى الأشعت بن قيس فخرج في ألفين ودارت أول معركة بين الفريقين انتصر فيها الأشعت واستولى على الماء. ووردت رواية أخرى تنفى وقوع القتال مفادها أن الأشعت بن قيس جاء إلى معاوية فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذرارى؟ إن الله يقول: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" [12]، قال معاوية: فما تريد؟ قالوا: خلوا بيننا وبين الماء. فقال لأبى الأعور: خلَّ بين إخواننا وبين الماء. وقد كان القتال على الماء في أول يوم تواجها فيه في بداية شهر ذي الحجة فاتحة شر على الطرفين المسلمين، إذ استمر القتال بينهما متواصلاً طوال هذا الشهر، وكان القتال على شكل كتائب صغيرة، فكان على رضي الله عنه يخرج من جيشه كتيبة صغيرة يؤمر عليها أميرًا، فتقتتلان مرة واحدة في اليوم، وفي بعض الأحيان تقتتلان مرتين في اليوم، وكان أغلب من يخرج من أمراء الكتائب في جيش على، الأشتر، وحجر بن عدى، وشبث بن ربعي، وخالد بن المعتمر، ومعقل بن يسار الرياحي، ومن جيش معاوية أغلب من يخرج، حبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد ابن الوليد، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو الأعور السلمي، وشرحبيل بن السمط، وقد تجنبوا القتال بكامل الجيش خشية الهلاك والاستئصال، وأملاً في وقوع صلح بين الطرفَين، تصان به الأرواح الدماء.[13]
وفي رواية: أن معاوية لما أمر أبا الأعور بحفظ الشريعة وقف دونها برماح مشرعة، وسيوف مسللة، وسهام مفرقة، وقسي موترة، فجاء أصحاب علي عليا فشكوا إليه ذلك فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية يقول له: إنا جئنا كافين عن قتالكم حتى نقيم عليكم الحجة، فبعثت إلينا مقدمتك فقاتلتنا قبل أن نبدأكم، ثم هذه أخرى قد منعونا الماء، فلما بلغه ذلك قال معاوية للقوم: ماذا يريدون؟ فقال عمرو: خل بينهم وبينه، فليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش.وقال الوليد:دعهم يذوقوا من العطش ما أذاقوا أميرالمؤمنين عثمان حين حصروه في داره،ومنعوه طيب الماء والطعام أربعين صباحا.وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: امنعهم الماء إلى الليل فلعلهم يرجعون إلى بلادهم. فسكت معاوية فقال له صعصعة بن صوحان: ماذا جوابك؟ فقال: سيأتيكم رأيي بعد هذا، فلما رجع صعصعة فأخبر الخبر ركب الخيل والرجال، فما زالوا حتى أزاحوهم عن الماء ووردوه قهرا، ثماصطلحوا فيما بينهم على ورود الماء، ولا يمنع أحد أحدا منه.[14] 3/- علي لا يقابل المثل بالمثل و لا يمنع الماء بعد ان سلكه : بعد ذلك كف الناس عن القتال ، و امر علي رضي الله عنه انه لا يمنع اهل الشام من الماء ، فكانوا يسقون جميعا و يختلط ببعض و يدخل بعضهم في عسكر بعض فلا يعرض احد من الفريقين لصالحبه الا بخير و رجوا ان يقع الصلح . ولو ان عليا رضي الله عنه منع اهل الشام الماء و عامل جيش معاوية كما عاملوه لاذاقهم العطش و هزمهم . لكنه تركهم يشربون ، و قال لجيشه : «خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا الى عسكركم و خلوا عنهم فان الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم» [15]4/- محاولات الصلح بين الفريقين:ما إن دخل شهر المحرم، حتى بادر الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعًا في صلح يحفظ دماء المسلمين، فاستغلوا هذا الشهر في المراسلات بينهم، كان البادئ بالمراسلة أمير المؤمنين على ابن أبى طالب رضي الله عنه، فدعا بشير بن عمرو الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشيث بن ربعي السهمي فقال: إيتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة واسمعوا ما يقول لكم، فلما دخلوا على معاوية قال له بشير بن عمرو: يا معاوية! إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها. فقال له معاوية هلا أوصيت بذلك صاحبكم؟ فقال له: إن صاحبي أحق هذه البرية بالأمر في فضله ودينه وسابقته وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك. فقال معاوية: ويطل دم عثمان؟ لا والله لا أفعل ذلك أبدا، ثم أراد سعيد بن قيس الهمداني أن يتكلم فبدره شيث بن ربعي فتكلم قبله بكلام فيه غلظة وجفاء في حق معاوية، فزجره معاوية، ثم أمر بهم فأخرجوا من بين يديه. كما أن قراء الفريقين، قد عسكروا في ناحية من صفين، وهم عدد كبير، قد قاموا بمحاولات للصلح بينهما، فلم تنجح تلك المحاولات لالتزام كل فريق منهما برأيه وموقفه، وحاول اثنان من الصحابة، وهما أبو الدرداء، وأبو أمامة، رضي الله عنهما، الصلح بين الفريقين، فلم تنجح مهمتهما أيضًا لنفس الأسباب السابقة، فتركا الفريقين ولم يشهدا معهما أمرهما . وقد انتقد ابن كثير التفصيلات الطويلة التي جاءت في روايات أبى مخنف ونصر بن مزاحم، بخصوص المراسلات بين الطرفين فقال: "ثم ذكر أهل السير كلامًا طويلاً جرى بينهم وبين على، وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر، فإن في مطاري ذلك الكلام من على ما ينتقص فيه معاوية وأباه، وأنهما إنما دخلا في الإسلام ولم يزالا في تردد فيه، وغير ذلك، وأنه قال في ذلك: لا أقول إن عثمان قُتل مظلومًا ولا ظالما؛...وهذا عندي لا يصح من على رضي الله عنه", وموقف على رضي الله عنه من قتل عثمان واضح. [16] 5/- القتال بعد الهدنة: {اصطفى الفريقان استعدادا للقتال بعد انسلاخ شهر المحرم و بعد ان فشلت مفاوضات الصلح و عول علي على الدخول في موقعة حاسمة: ففي اليوم الاول كان على من خرج من اهل الكوفة يومئذ (الاشتر ( و على اهل الشام (حبيب بن سلمة ( فاقتتلوا اقتتالا شديدا ثم انصرفوا عند المساء و كل غير غالب . و في اليوم الثاني صلى علي و خرج بالناس الى اهل الشام و كان على ميمنة علي عبد الله بن ورقاء الخزاعي و على ميسرته عبد الله بن عباس ، و القراء مع ثلاثة نفر : عمار ، و قيس بن سعد ، و عبد الله ابن بديل ، و الناس على راياتهم و مراكزهم ، و علي في القلب في اهل المدينة بين اهل الكوفة ، و البصرة . اكثر من معه من اهل المدينة ، الانصار و معه عدد من خزاعة و كنانة و غيرهم من اهل المدينة و زحف اليهم . ورفع معاوية قبة عظيمة فالقى عليها الثياب و بايعه اكثر اهل الشام على الموت ، و احاط بقية خيل دمشق . وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة و هو في ميسرة معاوية فلم يزل يحوزه و يكشف خيله حتى اضطرهم الى قبة معاوية عند الظهر ، و حرض عبد الله بن بديل اصحابه فقال : « الا ان معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الحق اهله ، وعاند من ليس مثله ، و جادل بالباطل ليدحض به الحق ، و صال عليهم بالاعراب و الاحزاب الذين قد زين لهم الضلالة وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، و لبس عليهم الامر وزادهم رجسا الى رجسهم ، فقاتلوا الطغام الجفاة و لاتخشوهم ﴿ قتلوهم يعذبهم الله بايديكم و يجزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين ﴾ [17] . وحرض علي اصحابه فقال في كلام له : « فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدارع و اخروا الحاسر وعضوا على الاضراس فانه انبى للسيوف عن الهام ، و التووا في الاطراف فانه اصون للالسنة ، و غضوا الابصار فانه اربطللجاش ، واسكن للقلب ، واميتوا الاصوات فانه اطرد للفشل ، و اولوا بالوقار . راياتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها الابايدي شجعانكم ، و استعينوا بالصدق و الصبر فان بعد الصبر ينزل عليكم النصر » . وقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة قتالا شديدا حتى انتهى الى قبة معاوية و اقبل الذين تبايعوا على الموت الى معاوية فامرهم ان يصمدوا لابن بديل في الميمنة ، و بعث الى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل بهم و بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم و انكشف اهل العراق من قبل الميمنة حتىلم يبق منهم الا ابن بديل في 230 من القراء قد اسند بعضهم الى بعض و انجفل الناس . و امر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من اهل المدينة فاستقبلتهم جموع لاهل الشام عظيمة فاحتملتهم حتىواقفتهم في الميمنة . و كان فيما بين الميمنة الى موقف علي يمشي نحو الميسرة فانكشف عنه مضر من الميسرة و ثبتت ربيعة ، و كان الحسن و الحسين و محمد بنو علي معه حين قصدالميسرة و النبل يمر بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه احد الا يقيه بنفسه فيرده ، فبصر به احمر مولى ابي سفيان او عثمان فاقبل نحوه فخرج اليه كيسان مولى علي فاختلفاغ بينهما ضربتان فقتله احمر ، فاخذ علي بجيب درع احمر فجذبه و حمله على عاتقه ثم ضرب به الارض فكسر منكبيه و عضديه و شد ابن علي عليه ، حسين و محمد ، فضرباه باسيافهما حتى قتلاه . ثم دنا منه اهل الشام ، فما زاد قربهم منه الا سرعة في مشيه فقال الحسن . "ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي الى هؤلاء الذين قد صبروا لعدوك من اصحابك ؟ " فقال : « يا بني ان لابيك يوما لن يعدوه ، ولا يبطئ به عنه السعي و لا يعجل به اليه المشي . ان اباك و الله ما يبالي اوقع على الموت ، اوقع الموت عليه ». و لما وصل علي رضي الله عنه الى ربيعة نادى بصوت عال كغير المكترث لما فيه الناس : «لمن هذه الرايات ؟ ». قالوا : « رايات ربيعة » . قال : « بل رايات عصم الله اهلها فصبرهم و ثبت اقدامهم » . و قال للحسين بن المنذر : « يا فتى الا تدني رايتك هذه ذراعا ؟ » . فقال : « بلى و الله . و عشرة اذرع » فادناها حتى قال : « حيبك مكانك »} [18] .6/- يوم الجمعة "ليلة الهرير" [19] :
عادت الحرب في نفس الليلة بشدة واندفاع لم تشهدها الأيام السابقة، وكان اندفاع أهل العراق بحماس وروح عالية حتى أزالوا أهل الشام عن أماكنهم، وقاتل أمير المؤمنين علي قتالاً شديدًا وبايع على الموت وذكر أن عليًا -رضي الله عنه- صلى بجيشه المغرب صلاة الخوف وقال الشافعي: وحُفظ عن علي أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير ، يقول أحد المقاتلين: اقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح، ونفدت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نعانق بعضنا بعضًا، ولما صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد، فلا تسمع إلاّ غمغمة وهمهمة القوم، ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا بالأسنان وتكادمنا بالأفواه إلى أن أصبحوا في يوم الجمعة وارتفعت الشمس وإن كانت لا ترى من غبار المعركة وسقطت الألوية والرايات، وأنهك الجيش التعب وكلت الأيدي وجفت الحلوق. ويقول ابن كثير في وصف ليلة الهرير ويوم الجمعة: وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومون فيقتتلان كما كانا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال، حتى تضاحى النهار، وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام.[20]
[1] - موسوعة ويكيبيديا الحرة /. or Wikipedia org/wiki [2] - الانترنيت : موسوعة ويكيبيديا الحرة or Wikipedia org/wiki/ -وقعة الصفين [3] - جرير بن عبد الله اسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ،باربعين يوما ،كان حسن الصورة ،وله اثر عظيم في الحروب بالعراق،كما وصفه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بيوسف هذه الامة.علي ابن ابي طالب،[4] - محمد رضا، امام علي رضي الله عنه ،الدار النموذجية المطبعة العصرية ، ط :الاولى2004،ص113-114.[5] - أي لا يحملنك بغضبهم .[6] - الرهق : حمل الإنسان ما لا يطيق .[7] - زلته و عثرته .[8] - محمد رضا، امام علي رضي الله عنه ،الدار النموذجية المطبعة العصرية ، ط :الاولى2004،ص 126-127.[9] - موسوعة ويكيبيديا الحرة or Wikipedia org/wiki/ -وقعة الصفين[10] - نفس المرجع السابق .[11] - محمد رضا، امام علي رضي الله عنه ،الدار النموذجية المطبعة العصرية ، ط :الاولى2004،ص 127.[12] - الحجرات ، الاية 09 .. [13] - موسوعة ويكيبيديا الحرة or Wikipedia org/wiki/ -وقعة الصفين[14] - ابن كثير ، البداية و النهاية ، دار البيان الحديثة ، ج07 ، ط 1 ، ص210-212 .- [15] محمد رضا، إمام علي رضي الله عنه ،الدار النموذجية ، ط :الاولى2004،ص 129[16] - المعرفة موسوعة حرة /www.marefa . org/index.php .[17] - سورة التوبة ،الآية 14 .[18] - محمد رضا، إمام علي رضي الله عنه ،الدار النموذجية ، ط :الأولى 2004 ، ص139-141 . [19] - الهرير : صوت الكلب دون النباح و به يشبه نظر الكماة بعضهم الى بعض . و هذه الليلة وقعة بين علي و معاوية بظاهر الكوفة و يسمون هذه ليلة الهرير يشبهونها بليلة القادسية .[20] - ويكيبيديا موسوعة حرة / or Wikipedia org/wiki . | |
|