kina abdelhamid عضو جديد
عدد الرسائل : 15 نقاط التقييم : 15 تاريخ التسجيل : 06/11/2011
| موضوع: موقعة صفين 2 الجمعة 10 أغسطس 2012 - 9:49 | |
| المبحث الثالث : نهاية القتال والدعوة للتحكيم أولا : موقف أهل العراق من دعوة أهل الشام إلى الصلح : { لما طالت حرب صفّين بين الطائفتين المسلمتين(سنة:37ه) ،و اشتد الحال على أهل الشام ،و ترجّحت كفة أهل العراق، اقترح عمرو بن العاص على معاوية – رضي الله عنهما- رفع المصاحف ، فوافقه و أمر جيشه برفعها ، فرفعها أهل الشام و دعوا إلى الاحتكام إلى كتاب الله . فما هو موقف الإمام علي و أصحابه من دعوة هؤلاء إلى وقف القتال ؟ ،و ما هو مضمون اتفاق وقف القتال ؟ . (أ ) موقف الإمام علي و أصحابه من وقف القتال: تزعم الرواية -الشائعة - التي رواها المؤرخون [1] عن الإخباري أبي مخنف لوط بن يحي (ت157ه) ، أنه لما رفع أهل الشام المصاحف ، قال علي
– رضي الله عنه – لأصحابه : إن في الأمر مكيدة و يجب الاستمرار في القتال ، و أن رؤوس أهل الشام ، كمعاوية ،و عمرو بن العاص ،و ابن أبي معيط ،و حبيب بن مسلمة ،و ابن أبي سرح ،و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ،و أنه قد صحبهم أطفالا و رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال . لكن أصحابه لم يوافقوه ، و قالوا له : ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله ، فنأبى أن نقبله . ثم تقدمت إليه – أي إلى علي- جماعة من القراء [2] -الخوارج - و طالبوه بالموافقة على وقف القتال ،و هددوه بالقتل أو يدفعونه إلى خصمه إن لم يوافق ، فرضخ لهم و وافقهم بعدما حذّرهم من مغبة فعلهم هذا ، و أمر قادته بوقف القتال. ثم عندما اختار أهل الشام ابن العاص ممثلا عنهم في التحكيم ، اقترح عليّ على أصحابه أحد الرجلين : ابن عباس أو الأشتر النخعي كممثل عنه ، لم يوافقه الأشعث بن قيس و القراء-دعاة وقف القتال- و اختاروا أبا موسى الأشعري ممثلا عن العراقيين ، فلم يقبل علي ، لكن إصرارهم على موقفهم اضطره إلى الموافقة على تعيين أبا موسى ممثلا للعراقيين في التحكيم المرتقب عند اجتماع الحكمين . ثم كتب الطرفان وثيقة الصلح (صفر 37ه) ،و فيها تم الاتفاق على أن يلتقي الحكمان ببلدة دومة الجندل-على الطريق بين دمشق و المدينة- في رمضان من سنة 37ه ،و لهما أن يؤخرا اللقاء إن أرادا ذلك إلى العام المقبل و يكون اللقاء ببلدة أذرح-جنوب بادية الشام بين الأردن و السعودية- ، و عليهما أن يحتكما إلى الكتاب و السنة [3] . ذلك هو موجز الرواية المشهورة عن وقف القتال في صفّين، و اختيار الحكمين و كتابة وثيقة الصلح ، و هي التي سأنقدها اسنادا و متنا لإظهار قيمتها التاريخية من حيث الصحة و البطلان . ففيما يخص إسنادها فإن من رواتها : أبو مخنف لوط بن يحي(ت157ه) ، قال عنه علماء الجرح و التعديل هو: إخباري تالف لا يوثق به ، ضعيف ليس بثقة و ليس بشيء ، و انه شيعي محترق صاحب أخبارهم [4].فهذا الرجل إذن مطعون فيه ، و غير موضوعي ، و هذا يعني أن روايته مرفوضة من حيث الإسناد. و أما متنها فسأنقده من عدة جوانب ، أولها : موقف القراء من وقف القتال و التحكيم ، فهي – على ما ذكره الطبري-ذكرت أن القراء وافقوا على وقف القتال و اجبروا عليا على موافقتهم . لكن هذه الرواية يوجد ما يدفعها و يناقضها ، فمن ذلك أنه روي أن عليا-رضي الله عنه – عندما رجع من صفين إلى الكوفة انفصلت عنه جماعة من القراء – الخوارج- بمكان يعرف بحروراء ،و خرجت عليه و آذنته بالحرب. و هذا يعني ان هؤلاء لم يكونوا موافقين على وقف القتال و الصلح منذ البداية ، لذلك خرجوا على علي بن أبي طالب . و قد يقال – دفعا لما ذهبت إليه – انه روي أن القراء لما اعتزلوا عليا أرسل إليهم ابن عباس ، ثم التحق به و ناظرهم فقالوا له : نحن الآن غير موافقين على وقف القتال و التحكيم ، و أننا قد كفرنا ،و ها نحن نعترف بذنوبنا و نتوب ، ثم طالبوه بالتوبة فتاب عما صدر عنه ، فبايعوه و دخلوا معه الكوفة. و هذا خبر غير صحيح ، لأن هذا الاتفاق المزعوم بين علي و الخوارح ينقضه أمران ، أولهما ان الطرفين حدثت بينهما معركة النهروان الشهيرة .و ثانيها أن عليا استمر على عهده مع اهل الشام ، و لم ينقضه و أرسل ممثله إلى التحكيم بدومة الجندل. و مما يزيد الأمر وضوحا ،و يدل على أن الخوارج كانوا رافضين للصلح ابتداء ،و لم يرفضوه بعد صفّين ، ان هناك روايات ذكرت ذلك ، أولها أن الذي أجبر عليا على وقف القتال و الصلح هو الأشعث بن قيس ،مع كثير من أهل اليمن، و ليس القراء و إنما هم -و على رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي- أنكروا على الإمام علي قبوله التحكيم ، و قالوا له : إنك أوصلتنا إلى الفرقة و المعصية و الذل في الدنيا و الآخرة ، ثم دعوه إلى قتال عدوهم .و الرواية الثانية ، فيها أنه لما حمل الأشعث بن قيس كتاب الصلح ليقرأه على الناس ،و مر بطائفة من بني تميم و قرأه عليهم ، قال له رجل يعرف بعروة بن أدية : (( تحكّمون في أمر الله عز و جل الرجال ، لا حكم إلا لله ، ثم شد بسيفه و ضرب عجز دابته ضربة خفيفة و اندفعت الدابة ، و صاح به أصحابه : أن أملك يدك ، فرجع )) ، فغضب للأشعث قومه و أناس كثير من اليمن ، و كاد الأمر ان يؤدي إلى فتنة لولا تدخل العقلاء . فهذه الرواية صريحة في أن الرجل الرافض للصلح هو من القراء – الخوارج- لأنه رفع شعارهم : لا حكم إلا لله .و هذه الحادثة كانت قبل الانتهاء من معركة صفين . و الرواية الثالثة مفادها أن عليا لما أراد إرسال ممثله للتحكيم المتفق عليه ،أتاه رجلان من الخوارج ، هما : زرعة بن برج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي ،و طالباه بالتوبة عن خطيئته ،و بالرجوع عن التحكيم ،و الخروج إلى مقاتلة عدوهم ، فقال لهما : إنكم قد عصيتموني في البداية ، و أنه قد اعطى العهد و لا يستطيع نكثه .فهذه الرواية تشير إلى أن الخوارج كانوا رافضين للصلح قبل أن يجتمع الحكمان ،.و فيها – أيضا – نقض دعوى ان عليا اتفق مع الخوارج ،و أنه تاب عما صدر منه ،و ان الخوارج بايعوه من جديد ،و دخلوا معه إلى الكوفة . و الرواية الرابعة إسنادها صحيح ، رواها الإمام أحمد و ابن أبي شيبة ، و مفادها انه لما أرسل أهل الشام مصحفا لأهل العراق ،و وافق علي بن أبي طالب على عرضهم ، جاءته الخوارج – و هم القراء أنذاك- و أنكروا عليه فعلته ، و طالبوه بالنهوض لقتال أهل الشام[5] . و الرواية السادسة هي خبر موجز ، ذكره الإمام البخاري ، و يحتاج إلى شرح لفهمه ، و مفاده أن التابعي حبيب بن أبي ثابت قال : أتيت أبا وائل أسأله ، فقال: كنا بصفين ، فقال رجل – أرسله معاوية- : ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله ، فقال علي : نعم . فقال سهل بن حنيف -للقراء -: اتهموا أنفسكم ،و في رواية : اتهموا رأيكم ، و ذكّرهم بيوم الحديبية عندما عارضوا الصلح الذي تم بين الرسول- صلى الله عليه و سلم- وبين المشركين ، فأنزل الله سورة الفتح تأييدا لرسوله[6] . و قد ساق هذا الصحابي حديث الحديبية ، للقراء عندما رفضوا الصلح و التحكيم و أصروا على مواصلة القتال ، فدعاهم إلى مطاوعة إمامهم علي ،و لا يخالفونه لأنه اعلم بالمصلحة منهم ، و ذكّرهم بما جرى يوم الحديبية بمعارضة الصحابة للصلح ، ثم ظهر لهم أن رسول الله كان على صواب . و يتبيّن مما ذكرناه ، أن الخوارج كانوا رافضين لوقف القتال و التحكيم منذ البداية ، وان الرواية الشائعة عنهم من أنهم هم الذين دعوا إلى وقف القتال و الصلح ،و اجبروا عليا على الموافقة ، هي رواية غير صحيحة . وهذا الرأي قال به بعض الخوارج الإباضيين المعاصرين ، منهم : ابو اسحاق اطفيش ،و سليمان بن داود بن يوسف ، فالأول ذكر أن الخوارج أبوا التحكيم ،و أنكروا على عليّ رضوخه لدعاة وقف القتال و التحكيم ،و على رأسهم الأشعث بن قيس.و الثاني أنكر أن يكون الخوارج هم الذين ألزموا عليا على قبول التحكيم ثم تراجعوا عن رأيهم ،و قال إن هذا زعم باطل لا سند له ،و أن الأشعث بن قيس و قومه – من أهل اليمن- هم الذين أرغموا عليا على قبول التحكيم و اختيار أبي موسى الأشعري. و يرى الباحث محمد أمحزون أن الزعم بأن القراء يتحملون مسؤولية وقف القتال و التحكيم و تعيين أبي موسى الأشعري حكما ، ما هو إلا (( فرية تاريخية اخترعها الإخباريون الشيعة الذين كان يزعجهم أن يظهر علي – رضي الله عنه- بمظهر المتعاطف مع معاوية و أهل الشام ،و أن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليديين .و من جهة أخرى يحمّلون المسؤولية أعدائهم الخوارج و يتخلّصون منها ،و يجعلون دعوى الخوارج تناقض نفسها ، فهم الذين أجبروا عليا على قبول التحكيم ، و هم الذين ثاروا عليه بسبب التحكيم )). لكن الملاحظ أن الشيعة و الخوارج لم يعترفوا بالحقيقة ، فلم يعترف أي واحد منهم ان عليا قبل الصلح طواعية و عن اقتناع ، فالشيعة قالوا أن الخوارج أجبروه على ذلك ،و الخوارج قالوا أن الأشعث بن قيس و قومه هم الذين حملوه على قبول الصلح . و أما الجانب الثاني في نقدنا لرواية الطبري السابق ذكرها ، فهو يخص ما روته من أن عليا رفض وقف القتال و التحكيم ،و إنما وافق على ذلك مجبرا ، و هذا الخبر المشهور ينقضه خبر صحيح ، رواه احمد بن حنبل و البخاري و ابن أبي شيبة ، مفاده انه لما أرسل أهل الشام بمصحف إلى علي بن أبي طالب ،و دعوه إلى الإحتكام إليه ،و قالوا له : بيننا و بينكم كتاب الله : (( ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب ، يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون ))-سورة آل عمران /23- . فقال علي : نعم أنا أولى بذلك ، بيننا و بينكم كتاب الله . فجاءه القراء- الخوارج – و انكروا عليه فعلته [7] . فيتبين من هذا أن الإمام علي قبل التحكيم من تلقاء نفسه بعيدا عن أي ضغط ، تماشيا مع ما يوجبه الشرع من الرجوع إلى الكتاب و السنة . و الجانب الثالث في نقدنا للرواية المشهورة ، يخص ما روته عن علي من أنه قال عن رؤوس أهل الشام -لما رفعوا المصاحف- : (( فإن معاوية ،و عمرو بن العاص ، و ابن أبي معيط ،و حبيب بن مسلمة ، ابن أبي سرح ، و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال )) ( الطبري: المصدر السابق ج3ص:101 ) . و هذا النص يحمل في طياته دليل بطلانه ، لأنه إذا كان علي بن أبي طالب ولدسنة (18أو20ق ه)، فإنه من الطبيعي جدا أن يصحب في طفولته معاوية (ولدسنة:17ق ه) ،و عمرو بن العاص(ولد سنة:20ق ه) لأنهما من سنه ، لكن لا يمكن ان يصحب في طفولته حبيب بن مسلمة، و الضحاك بن قيس ،و الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، لأن الأول و لد سنة 2 ق ه ،و الثاني ولد سنة: 8ه أو نحو: 4ق ه ، و الثالث كان صبيا عند فتح مكة [8]، و علي كبير متزوّج ! . و مما يزيد هذه الرواية بطلانا أنها ذكرت من بين رؤوس أهل الشام : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عقبة بن أبي معيط ، فالأول لم يبايع عليا و لا معاوية ،و اعتزل الفتنة ،و التحق بفلسطين إلى أن توفي بها سنة : 36ه قبل معركة صفين . و الثاني هو الآخر اعتزل الفتنة و لم ينظم إلى أية طائفة. }[9]( ب) :مضمون وثيقة الصلح : { روى الطبري – نقلا عن أبي مخنف لوط- أن كتاب التحكيم نص على أن يحتكم الحكمان إلى كتاب الله ، فإن لم يجدا فيه فبالسنة الجامعة غير المفرقة .و في رواية أخرى أن يحتكما إلى القرآن و يختارا لأمة محمد – عليه الصلاة و السلام- ( الطبري: المصدر السابق ج3 ص: 103، 105) .و ذكر اليعقوبي و المسعودي أنه على الحكمين أن يحتكما إلى كتاب الله و لا يتجاوزانه ،و لا يحيدان عنه إلى هوى و مداهنة ( تاريخ اليعقوبي: ج2ص: 135.و مروج الذهب ج2ص: 471-472) . و سينصب نقدي لهذه الروايات على الإسناد أولا ، فرواية الطبري الأولى في إسنادها أبو مخنف لوط بن يحي ، و هو اخباري تالف متعصب لا يوثق به و أما روايته الثانية ففي إسنادها : عبد الله بن أحمد ،و سليمان بن يزيد ، فالأول غير ثقة ،و الثاني ليس بالقوي لا يحتج به [10]. و أما رواية اليعقوبي و المسعودي ، فهما لم يذكرا لما أورداه إسنادا ، و من ثم فلا قيمة لما ذكراه من حيث الإسناد ، مع العلم أنه يجب علينا اعتبار كل منهما الراوي الوحيد في إسناد روايته ، و بما أنهما مؤرخان شيعيان ، فإنه لا يوثق بهما ، لأن أهل العلم بالنقل اتفقوا على أن الشيعة هم أكذب الطوائف ،و الكذب فيهم قديم ،و حذّروا من الأخذ عنهم ، لأنهم يضعون الحديث و يتخذونه دينا[11] . و أما ثانيا ، فإن هذه الروايات لم تتفق على المصدر الذي يحتكم إليه الحكمان ، فالأولى نصت على أنهما يحتكمان إلى الكتاب أولا ، ثم السنة ثانيا . و الثانية اكتفت بذكر الكتاب دون ذكر لشيء آخر .و الثالثة أكدت على ضرورة الاحتكام إلى القرآن الكريم دون غيره ، فلا يتجاوز و لا يحاد عنه . أفلا يبعث هذا التباين الواضح الغريب على الشك في صحة هذه الروايات ؟ و ألا يدل ذلك على تلاعب الإخباريين بها ؟ . و ثالثا أن هذه الروايات قد أشارت إلى المصدر الذي يحتكم إليه الحكمان ، لكنها ضربت صفحا عن الموضوع الذي يناقشانه و يبتان فيه ، . أليس من الغريب جدا أن لا يذكر موضوع النزاع الذي يبحث له الحكمان عن حل ! ؟ . لكن الرواية الثالثة لمّحت لذلك بطريقة غامضة حين قالت : (( فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ،و يخفضا ما خفض القرآن ، و أن يختارا لأمة محمد – صلى الله عليه و سلم- )). لكنها لم تقل لنا ماذا يختار الحكمان لأمة محمد ، فهل يختاران لها حلا لقضية قتلة عثمان التي أوصلت المسلمين إلى الاقتتال ، أم يختاران لها خليفة جديدا يتولى أمر الناس ؟ . ليس لتلك الروايات إجابة عن هذا الإشكال ، مما يدل على تلاعب الرواة بها . لكن هذا الإشكال أزالته رواية أخرى رواها الذهبي حددت موضوع التحكيم صراحة ، و فيها أن عليا و معاوية – رضي الله عنهما- قد نصا في وثيقة الصلح على ان من ولاه الحكمان الخلافة فهو الخليفة ،و من اتفقا على خلعه خلع. لكن هذا الخبر تطعن فيه أمور ، أولها أنه يفتقد إلى الإسناد ،و ثانيها أنه تعرّض لقضية الخلافة في وقت كان سبب الخلاف هو قضية الاقتصاص من قتلة عثمان و ليس مسألة الخلافة ، فجيش الشام لم يكن ينكر أحقية الإمام علي في الخلافة ، و إنما كان يطالب بالاقتصاص من قتلة عثمان كشرط للبيعة . و ثالثها أن أهل الشام لم يكونوا في موقف قوة لكي يشترطوا ذلك الشرط الخطير ، فهم يكفيهم أن يرفع عنهم العراقيون سيوفهم- بعدما ترجّحت كفتهم – لينجوا بأنفسهم ، كما أن أهل العراق من المستبعد جدا أن يقبلوا بإمكانية تغيير علي بمعاوية و كفة الحرب لصالحهم . فإقحام موضوع الخلافة في وثيقة الصلح لا ينسجم مع سياق الحوادث و أسباب النزاع في الجمل و صفين ؛ الأمر الذي يؤكد أن هذه الرواية قد تعرّضت للتحريف و التلاعب . و ختاما لهذا المبحث يتبين لنا منه أن الزعم بأن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-قد أجبر على وقف القتال و قبول الصلح هو زعم باطل ، و الصواب هو أن عليا هو الذي وافق عليه طواعية دون إكراه ، لا من الأشعث بن قيس و قومه ، و لا من الخوارج الذين أصروا على مواصلة القتال لا على وقفه . كما أن مضمون وثيقة الصلح يؤكد تعرضها للتحريف و التلاعب }[12]. المبحث الرابع آراء المؤرخين في أحداث معركة صفين ونقد بعض الروايات آراء المؤرخين -/1
لقد تخللت معركة صفين أحداث، ورويت عنها روايات تناولها العلماء والمؤرخون بالنقد والتمحيص، ومن هذه الآراء: آراء العلماء والمؤرخين في مقتل الصحابي عمار بن ياسر: قال ابن حجر تعليقاً على مقتل عمار بن ياسر: " وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه. وقال أيضًا: دل الحديث: تقتل عمارًا الفئة الباغية، على أن عليًا كان المصيب في تلك الحروب؛ لأن أصحاب معاوية قتلوه" . ويقول الإمام النووي: "وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث". ويقول ابن كثير: " كان عليّ وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى سملة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني – يعني أبا قتادة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» , وقال أيضًا: وهذا مقتل عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قتلة أهل الشام، وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًا محق، وأن معاوية باغٍ، وما في ذلك من دلائل النبوة" .ويقول الذهبي": هم طائفة من المؤمنين، بغت على الإمام علي، وذلك بنص قول المصطفى صلوات الله عليه لعمار: "تقتلك الفئة الباغية." . ويقول ابن تيمية: "وهذا يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داعٍ إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داعٍ إلى الناروهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ أو باغٍ وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأوّلين, وقال أيضًا: مع أن عليًا أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عمارًا قتلته الفئة الباغية فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوًى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما مَن تمسّك ببعض الحق دون بعض، فهذا منشأ الفرقة والاختلاف". [13]2/- نقد الروايات الشيعية التي مجدت الإمام علي، وانتقصت من قدر معاوية :تقدم الروايات صورة واحدة لعلي، يبدو التأثير الشيعي واضحاً فيها، فهو المحارب المقدام، والبطل الذي لا ينازع، ذو القوة الجسدية الخارقة، ورجل المآثر والمواقف الصعبة، وهو الصحابي الزاهد، والرحيم والعالم، وهو الأديب والشاعر الذي يمتلك اللغة الرصينة، والأسلوب الرائع. وقدم البلاذري واليعقوبي تفاصيل دقيقة لهذه الصورة، فعلي لديهما هو بطل العقيدة والعدل والحرب، وهو صاحب الحق والعلم والتقوى، والصدق دائماً، وعزز صاحب الإمامة والسياسة هذه الصورة، ويبدو دفاعه أقل حرارة من البلاذري واليعقوبي، وهو لا يتورع عن انتقاد علي أو معسكره. وأما الطبري، المؤرخ والفقيه، فقدم صورة أقرب إلى التواضع على صفات علي وبطولته وقدرته، إذ حرص على التعامل معه كأحد الصحابة الأوائل، الذين وقع على كاهلهم انتشار الإسلام وانتصاره. أما معاوية فشخصيته لا تحافظ على دماء المسلمين وترفض الاستجابة لدعوات علي المتكررة للمصالحة، وتحث قواتها على القتل والتنكيل، وهو رجل لا يمتلك من المزايا الحربية ما يؤهله ليكون قائداً، فهو يخاف مبارزة علي وقتاله، وهو سرعان ما يفكر بالهرب من ساحة المعركة عندما يشتد ضغط الجبهة العراقية على قواته، ولا يشارك معسكره القتال، بل "يجلس وعلى رأسه رجل قائم معه ترس ذهب يستره من الشمس"، وهو إنسان مخادع عديم الرحمة، يمنع الماء عن جند العراق العطاش، ويعرض الرشوة باستمرار على قيادات علي وجنده، بهدف إغوائهم للانضمام له، كما أنه يرفض دفن جثث القتلى العراقيين، ويدعو إلى قتل الأسرى، وتتسم قيادات جيشه بالجبن والخداع، وفي مقدمته عمرو بن العاص، أما قبائل الشام؛ فهي مترددة في قتالها، لأنها لا تقاتل عن الإيمان أو الهدف، إنما تقاتل حمية، ولذلك فإنها إن حققت مكاسب قتالية، فذلك ناجم عن أخطاء طارئة من الجانب العراقي. وعلى هذا فيجب التمعن جيداً في أخذ الروايات الشيعية التي رواها أبو مخنف، ونصر بن مزاحم، والتي وردت في الكثير من الكتب التاريخية، لأنها تعبر عن انحياز واضح لصالح علي ضد معاوية رضي الله عنهما[14] . 3/- نقد رواية باطلة تناولت عمرو بن العاص بصفين:قال نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا وحمل عمرو بن العاص.. فاعترضه علي وهو يقول: قد علمت ذاتُ القرونِ الميل والخصر والأنامل الطفول إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه وارتُثَّ. فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص تلقّاني بعورته فصرفت وجهي .وذكر القصة ابن الكلبي كما ذكر ذلك السهيلى في الروض الأنف. وقول عليّ: إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرحِمَ إلى أن قال:... ويُروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع علي -رضي الله عنه- يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر السهمي كما رواه ابن الكلبي وغيره: أفي كلِّ يومٍ فارسٌ غيرُ منتهٍ وعورتُه وسط العجاجةِ باديـةْيكف لهـا عنـه علـيٌّ سنـانَهُ ويضحكُ منه في الخلاءِ معاويةْ [15] [1] - منهم : الطبري ،و اليعقوبي ،و المسعودي ،و ابن الأثير ،و ابن الجوزي ،و الذهبي ، و ابن كثير . [2] - منهم : مسعر بن فذكي التميمي ،و زيد بن حصين الطائي . [3] - ابن قتيبة: الإمامة و السياسة ، الجزائر ، موفم ، ج1 ص: 196ن 197 .[4] - الذهبي : ميزان الاعتدال حققه محمد البجاوي ، بيروت دار احياء الكتب العربية ، ج 3 ص: 419-420 [5] - ابن كثير : البداية و النهاية ، ج7 ص: 291 . .[6] - صحيح البخاري كتاب التفسير ، باب : إذ يبايعونك تحت الشجرة و كتاب: الإعتصام بالكتاب و السنة . [7] - البخاري : صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب إذ يبايعونك تحت الشجرة ..[8] - الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ج 3 ص: 162، 189 ..[9] - كبير علال ،قضية التحكيم في موقعة صفّين ، دار البلاغ الجزائر ، الطبعة الأولى ، -1423/2002م ، ص 20-23 .[10] - الذهبي ، المصدر السابق ، ص:228،390،391 .[11] ابن تيمية : المنهاج ، ج1 ، ص: 13 . [12] - خالد كبير علال ،قضية التحكيم في موقعة صفّين ، دار البلاغ الجزائر ، الطبعة الأولى ، -1423/2002م ، ص 23-25 . [13] - المعرفة موسوعة حرة /www.marefa . org/index.php [14] - نفس المرجع السابق .- [15] - نفسه . | |
|