كان أستاذ العلوم السياسية صارما متشددا معنا كثيرا خاصة إذا تعلق الأمر بالامتحانات ، وعلى خلاف كل الأساتذة كان يفضل أن يمتحننا شفهيا لحاجة في نفسه .
كانت تلك الطالبة في خاتمة القائمة ، لكنه وصل إلى اسمها وحان موعد امتحانها ....دخل الأستاذ كالعادة إلى القسم وقبل أن يصل إلى مكتبه قال على صاحب الدور أن يصعد إلى السبورة . تملكها حينها خوف كبير فهي لا تفهم دروسه فضلا على أنها ورثت الغباء الكبير عن أجدادها – رحمهم الله – لكنها حملت نفسها وصعدت إلى السبورة وأمسكت الطبشور فقال لها اكتبي الجملة الآتية :
إذا الشعب يوما أراد الحياة ....... فلا بد أن يستجيب القدر
كتبتها بخط عريض جميل وعندما انتهت طلب منها أن تتنحى جانبا ثم قال : سأطرح عليك خمسة أسئلة على هذه الجملة على كل سؤال نقطتان ....
السؤال الأول : هل كلمة ( الشعب ) مفردا أم جمع ولماذا ؟ .
فردت مباشرة : على أنها جمع يا أستاذ لان الشعب مجموعة من السكان تعيش في رقعة جغرافية واحدة يحكمها حاكم واحد....وما كادت تنهي إجابتها حتى صرخ الأستاذ في وجهها : غبية الشعب مفرد وجمعها شعوب .
السؤال الثاني : أين يوجد الشعب ولماذا ؟ .
هذه المرة فكرت جيدا ثم قالت : إن الشعب موجود في اللافتات وفي الطوابير وفي الأماكن التي تنفجر فيها القنابل ، فإذا دخلت إلى البلدية قرأت على لافتة عريضة (( من الشعب والى الشعب )) لكن لا مكان للشعب في الداخل ، وإذا رأيت طوابير طويلة عرفت أنها الشعب وإذا انفجرت القنابل أدركت أنها على الشعب ، وإذا أفلست الخزينة أيقنت أن عبئها على الشعب ...وقبل أن أنسى يا أستاذ فان الشعب يذكر كثيرا وبقوة أثناء الانتخابات ثم يختفي بعدها .
نظر الأستاذ إليها ثم قال : حمقاء الشعب موجود تحت السلطة لان العين لا تعلوا على الحاجب .
السؤال الثالث : ما هي صفة الشعب ولماذا ؟.
نظرت ( آمال ) إلى زملائها علها تحظ بالإجابة لكن دون فائدة ، فسلمت أمرها لله ثم قالت : إن الشعب جائع وضائع بل هو محروم ومهموم ، فإذا بحث عن العمل قيل له غير موجود ، وإذا طلب سكنا وجد الباب موصود ، وإذا بحث عن رزق الله في البلدان أوقفوه عند الحدود ، وإذا حاول الدفاع عن حقه فعلوا به ما فعلوا بأصحاب الأخدود ......
قطب الأستاذ حاجبيه ثم قال : أكلتك إن شاء الله الأسود أنا لم اطلب منك شعرا .
السؤال الرابع :أعربي كلمة الشعب في الجملة .
أحست البنت بارتعاش وخوف كبير فهي لا تعرف شيء في الإعراب نظرت إلى صديقتها ( أسماء) فهمست لها بالإجابة ففرحت كثيرا وبسرعة البرق قالت للأستاذ : إن كلمة الشعب من أخوات كان وهي فعل ماض ناقص مبني على الصبر ، مرفوع وعلامة رفعه الحقرة الظاهرة على وجهه ، منصوب وعلامة نصبه عدالة مجحفة في حقه ، مجرور وعلامة جره أوامر صادرت من فوقه ، وبحسب آخر صيحات الموضة في عالم النحو والصرف فان كلمة الشعب لا محل لها من الإعراب .
توقف الأستاذ عن طرح الأسئلة وقال لها : بل أنت التي لا محل لها ها هنا في القسم والأفضل لك أن تعتكفي بالبيت وتنتظري فقط فارس أحلامك . ثم قال لها أتعلمين ؟ سأتصدق عليك بنقطة واحدة لوجه الله ، فعلامتك هي واحد من عشرة ( 01 / 10 ) .
بكت الطالبة كثيرا على العلامة وبكت أكثر على عقاب والدها الذي ينتظرها بالبيت ......
دق الجرس وانصرف الجميع ، وعندما همت بالخروج اقترب منها الأستاذ وقال لها : يا بنيتي إن الحق في كل ما قلتيه ، لكني رجل أنتج أطفالا صغار ، فان شجعت غباءك طردوني من الديار وأطبقوا على زوجتي الحصار......