بشير مسعودي ... سلطان الشعر الملحون
رجل عرف عالم الشعر الملحون صغيرا، و احتك بشعرائه كثيرا، فكان امتدادا لشعراء كبار ساروا على الدرب و حمل هو المشعل فواصل المسيرة، اختار لنفسه اسما فنيا "تأبّط شعرا"، جدّ و اجتهد في ميدانه حتى أصبح سلطان الشعر الملحون بمنطقة أولف، له أكثر من 70 شهادة تكريم في مختلف المشاركات المحلية و الولائية و الوطنية، كما يحصي أرشيفه أزيد من 700 قصيدة، احتك مع الكثير من الشعراء في مختلف ربوع الوطن فأثر و تأثر حتى أصبحت قصائده محل اهتمام الدارسين و النقاد فضلا عن الجماهير التي تتجاوب مع هذا النمط من الشعر المحلي.
تعريفه و نشأته:
هو بشير بن أحمد مسعودي، من مواليد 1956 م بحي الركينة وسط مدينة أولف، عاش طفولته كغيره من أقرانه حيث دخل الكُتاب سنة 1961 م، فكان يدرس القرآن الكريم عند الشيخ عبد الله المنوفي رحمه الله في ذات الحي.
أحب بشير عالم الشعر منذ صغره، و ما كرّس له هذا الشعور هو جاره الشاعر المرحوم معمري بحوص الذي لم يكن يفصل بينه و بين بشير سوى جدار، و يقول محدثنا نقلا عن والده رحمه الله أن الشاعر بحوص كان دائما ما يقول الشعر و يكرره أمام بشير، فيقول له والد بشير: "ماذا سيفهم الولد من هذا وهو لا يزال صغيرا؟" فيرد عليه بحوص رحمه الله: "إنه صديقي، و سيحكم بلدية أولف يوما ما"، و إن كان رد بحوص من باب المزاح إلا أنه تحقق لاحقا، فكان محدثنا في فترة من حياته رئيسا لبلدية أولف.
تعليمه:
دخل محدثنا لصفوف الدراسة سنة 1963 م حيث زاول تعليمه الابتدائي بأولف، ثم واصل تعليمه الإكمالي بمدينة عين صالح إلى غاية سنة 1973 م، و كان منعرج حياته أن توفيت والدته رحمها الله سنة 1974 م، فقرر التخلي عن الدراسة في السنة ذاتها، و ألف أول قصيدة له في رثاء أمه و كانت تحت عنوان: "امّيمتي".
قبل ذلك، تتلمذ الشاعر بشير عند الشيخ العلامة محمد باي بلعالم رحمه الله، حيث درس عنده "العبقري" و شرحِه في الفترة الممتدة ما بين 1971 م إلى غاية 1973 م بحي زاوية حينون.
بداياته الشعرية:
اقتحم بشير عالم الشعر سنة 1968 م، و كانت البداية بالاستماع إلى بعض الرحالة من عين بلبال الذين كانوا يسهرون ليؤدوا "الطبل" بوسائل تقليدية، فكان بشير يستمع للكلمات و يكتسب الملكة اللغوية التي أهلته لاحقا ليكون أحد أعمدة الشعر الملحون في المنطقة.
الشعراء الذين تأثر بهم:
تأثر بشير بشكل كبير جدا بالشاعر معمري بحوص، حيث كان قدوته في هذا المجال منذ الصغر، فحفظ الكثير من قصائده و لم يتوان أبدا بعرض محاولاته على بحوص ليصححها له، و بذلك اكتسب الخبرة في المجال شيئا فشيئا. إلا أن هذا لم يمنعه من حفظ قصائد أخرى لشعراء عدة نذكر منهم: بن طريبة من ورقلة، أحمد بن لكحل من الساورة، الشلالي من البيض ... إلخ.
خرجاته و مشاركاته:
منذ كتابة أول قصيدة للشاعر بشير و التي كانت بعنوان "امّيمتي" كما أشرنا سلفا، دأب على كتابة القصائد و التمرن عليها و عرضها للتصحيح، و لم يقابل الجماهير إلا في سنة 2000 م حيث عرض أول قصيدة له أمام الملأ بعنوان: "عــلاء" و كانت في رثاء ابنه علاء - رحمه الله - الذي توفي و هو ابن ستة أشهر، هذه القصيدة كررها في عديد المناسبات و كان لها صدى مقبول لدى الجماهير، الشيء الذي أعطاه دافعا كبيرا و تحفيزا مهما لمواصلة المسيرة.
توالت قصائده بعد ذلك في المناسبات الواحدة تلو الأخرى حتى أصبحت للشاعر بشير شعبية معتبرة في الوسط المحلي، ما أهله ليشارك - ولأول مرة خارج المنطقة - في عيد الفنان بدعوة من دار الثقافة لولاية أدرار وهذا سنة 2001 م.
واصل الشاعر نشاطه بحس يلامس الواقع فكانت شعبيته تزداد يوما بعد يوم، فكان أن شارك في أول خرجة له خارج الولاية في الملتقى الوطني للشعر الشعبي ببلدية أولاد بسام بولاية تيسمسيلت و هذا سنة 2004 م، ثم توالت الخرجات فكانت الوجهات متعددة: ورقلة، تيارت، سيدي بلعباس، تلمسان، عين الدفلى، الجزائر العاصمة، وهران، بسكرة، تيزي وزو، تبسة وتمنراست.
أغراضه الشعرية:
تنوعت قصائد الشاعر بشير بين عدة أغراض، فكتب في الحياة الاجتماعية و السياسية، و نظم أيضا القصائد الغزلية، و كانت له قصائد تتغنى بحب الجزائر في المحافل الوطنية، كما أن نصيبا من قصائده كان لمدح الرسول صلى الله عليه و سلم. فكان خط قصائده متعدد الاتجاه متنوع الطبوع ويغلب عليه طابع المناسباتية.
المسؤوليات التي تقلدها:
رغم حبه الكبير للشعر الملحون، إلا أن ذلك لم يمنعه من ممارسة حياته بشكل عادي، فتقلب بين مختلف المسؤوليات منذ أن كان شابا، فولج عالم السياسة ليكون نائبا ثانيا في المجلس الشعبي البلدي لأولف، و من ثم رئيسا للمجلس الشعبي البلدي بأولف في الفترة الممتدة بين 1985 - 1990 م، أيضا تقلد منصب رئيس جمعية حي الركينة، و أيضا رئيس تنسيقية دائرة أولف للجمعيات المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية، كما أنه كان مسؤولا عن مقاطعة الكشافة الإسلامية بأولف. هذا وكانت له مساهمة فاعلة في عديد الجمعيات، حيث كان رئيسا لجمعية أمال شبيبة أولف و من مؤسسيها، وكذا في جانب الرياضة تقلد منصب رئيس الوفاق الرياضي بأولف و كان أيضا من مؤسسيه، أيضا شغل منصب رئيس جمعية مولودية الركينة و كان من مؤسسيها، كما شغل منصب رئيس الرابطة البلدية لكرة القدم و منصب عضو النادي الأدبي بالمركب الجواري.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن الشاعر بشير شارك في لقاء دولي لرؤساء المجالس الشعبية البلدية للمدن الكبرى في العالم بالجزائر العاصمة نهاية الثمانينات ممثلا عن مدينة أولف آنذاك.
رؤيته للشعر الملحون في المنطقة:
بقدر كبير من التفاؤل استقبل الشاعر سؤالي ليضيف محدثا أن الشعر الملحون له مستقبل واعد في المنطقة لما تزخر به من شعراء كبار، كما أن مجموعة من الشباب و كذا شابات حملوا المشعل وبوسعهم تقديم الأفضل دائما.
إطلالاته الإعلامية:
نظير ما تميز به الشاعر من تحكم في إنشاء العبارات و قدرة فريدة على الإلقاء، جعله هذا محط أنظار الجماهير أينما ارتحل، و كذا محط اهتمام وسائل الإعلام المحلية و الوطنية، فكان ضيفا بالتلفزيون الجزائري في حصة "صباحيات" سنة 2007 م، كما أنه برز بالتلفزيون ذاته في شهر رمضان 2011 م، هذا بالإضافة إلى مشاركته في عشرات الإذاعات الوطنية تزامنا مع نشاطاته هنا و هناك، كما له خرجات بصفة شهرية في إذاعتي أدرار و تمنراست الجهويتين.
أما بالنسبة للمذكرات، فقد شغلت قصائد الشاعر دراسة كاملة من خلال مذكرة ليسانس للطالبتين أسماء اعبيدي و خديجة بوكار بعنوان: "غرض الحكمـــة في الشعـــــر الملحـون بمنطقة أولف - بشير مسعودي نموذجا -" نوقشت بقسم اللغة العربية و آدابها في جامعة العقيد أحمد دراية بأدرار سنة 2008 م، و كذا هناك طالبة أخرى من باتنة ستعرض قصائد الشاعر كأحد النماذج ضمن مذكرتها لنيل شهادة الدكتوراه و هي على اتصال به حاليا.
و في الأخير ..
و رغم هذه المسيرة الحافلة بالنشاط و التميز فقد كان الشاعر يهوى بشغف لعبة كرة القدم، حيث مارسها صغيرا و تدرج في سلمها من لاعب إلى حكم إلى مدرب، و لا يزال يهواها حتى اليوم رغم ابتعاده عن الميادين. يُذكر أن الشاعر أب لـعشرة أبناء، و قد زار البقاع المقدسة في مناسبتين، أولاهما كانت حجة في سنة 1988 م، و الثانية عمرة في سنة 2011 م، و هو حاليا متفرغ للشعر كما يقوم بتصحيح قصائد لبعض الشعراء، كما يعمل كرئيس مركز لأحد المؤسسات التسويقية بمدينة أولف.
ملاحظة:
أجري هذا الحوار بتاريخ 24 سبتمبر 2013 م، و تم نشره بمجلة النبراس، العدد 3، ص 3.