DahmaneKeddi مسـ في إجازة عمل ـآفر
عدد الرسائل : 4222 الهواية : المعلوماتية المزاج : ممتاز الوسام الأول : نقاط التقييم : 3805 تاريخ التسجيل : 04/07/2008
| موضوع: الكفاءة القيمية في عصر المعلومات الثلاثاء 3 يونيو 2014 - 22:40 | |
| الكفاءة القيمية في عصر المعلومات د. عبد الرحمن عزي جامعة الإمارات مما لا شك فيه أن التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات خاصة قد غيرت بشكل "جذري" سبل تعاملنا مع بعضنا البعض و الطرق التي نكتسب بها تعلمينا و معاشنا و الأطر التي نحيا في إطارها عامة. فوسائل الاتصال حولت العالم إلى ما سماه "ماكلوهان" في الماضي القريب بالقرية العالمية وتقلصت بذلك عوائق الزمان و المكان إلى حدود دونية لا تكاد تذكر. غير أن غياب المتغير الذي سميناه بالرؤية القيمية الذي يمكن أن توجه هذه التكنولوحيا جعل هذه الأخيرة تكتسب حياة خاصة بها (sui generus) بعيدة عن أي إشراف ثقافي ينبثق تلقائيا من البنية القيمية الحضارية، الشيء الذي أنتج ما يمكن تسميته بالذهنية التقنية. و ساهم ذلك بشكل معتبر في استخدام هذه التكنولوحيا للهيمنة و ما ترتب عن ذلك من دمار و صراع و فروق اقتصادية و اجتماعية و تلوث بيئي و غيره على عدة مستويات و خاصة على مستوى العلاقات الدولية. و الحاصل أنه ينبغي التمييز بين التكنولوجيا و العقلية التقنية. فالتكنولوجيا يمكن في معظم مظاهرها أن تكون عامل حياد في التنمية، أما العقلية التقنية فهي توجه تصوري يتخذ من الفعالية (efficiency) --وليس من التوجه القيمي-- معيارا في التعامل مع القضايا الاقتصادية و السياسية ومن ذلك السعي إلى الكسب الأقصى اقتصاديا و توسيع دائرة السلطة و النفوذ سياسيا و عسكريا. فالخطاب الذي يميز هذه النمط التقني السائد في الحضارة المعاصرة يتعلق بكيفية زيادة الفعالية و التحكم في الآخر وليس أي قيمة ترتبط بالتكافؤ و التعاون و المصلحة المشتركة وغيرها. وفي نظرنا فإن التنمية الحقيقية تستدعي دمج التقنية في المنظور الثقافي القيمي للمجتمع، و ذلك يتطلب إدخال الثقافة في التقنية وليس تحويل الثقافة إلى تقنيات. فهذه العملية تعطي الأولية الفائقة للتحول الثقافي وتضمن الإشراف أو التوجيه الثقافي القيمي للتقنية و التكنولوجيا. إن عدم القدرة على الإبداع و تطوير نمط متميز من التنمية في العديد من البلدان الإسلامية يعود جزئيا إلى سيطرة التقنية على الثقافة. فالإبداع يحدث عندما تكون الثقافة ذات المخزون المعرفي و التراثي المشترك حاضرة بالتفاعل المبدع مع الوسائل المستحدثة . ومن جانب آخر فإن العلاقة وطيدة بين الثقافة و المعتقد، بل إن الثقافة جزء من النظام العقدي. فالدين يوفر التوجيه القيمي في حين تسمح الثقافة بتعدد التجارب. ففي المجتمع الإسلامي على سيل المثال عدة ثقافات ولكنها تنتمي في معظمها إلى نفس النظام القيمي. و عندما يتم فصل الثقافة عن مرجعيتها القيمية تصبح هذه الثقافة حالة أنثربوبوجية أو عادات راكدة و عقبة للتنمية. إن إدخال الثقافة على التقنية يتطلب ما سميناه بالكفاءة القيمية. و تعني الكفاءة القيمية القدرة على أن يستوعب الفرد ثقافته و نظامه القيمي و تكييف هذه الكفاءة مع الوضعيات أو المحيط الجديد. فالجزء لأول، أي الحصول على الثقافة و القيم، صيرورة طويلة المدى تشارك فيها عدة مؤسسات كالعائلة و المدرسة و مراكز التعليم العالي، الخ. وهذا ما يفسر لتا كيف أن عددا من المجتمعات الواعية تسخر موارد بشرية و مادية كبيرة لهذا الرأسمال الثقافي. أما الجزء الثاني فيخص قدرة الأفراد على الإبداع في سياق الخصوصية الثقافية والمنظور القيمي. وفي حين يمكن اكتساب الأول عن طريق التعليم فإن الثاني يقوم على التجديد الذاتي ضمن أطر الفرد الثقافية و الحضارية. إن روح التفاعل و الاستنتاج و إعادة صياغة التجربة هو أساس الكفاءة القيمية التي هي أساسية في عصرنا، عصر المعلومات و الانفجار التقني. فالتحدي لنا هو السعي نحو بناء أفراد يستطيعون الجمع بين المهارة التقنية و الشخصية الثقافية القوية و غياب هذه المعادلة المتوازية جزء من أزمتنا الحضارية.
| |
|